فكرة عن اختلاف التلاوات كيف يكون

نزل القرءان ذكر صوتي وتتابع في المجتمع الأول دراسة وحفظاً وتعبداً، وانتشر كذلك واستمر دون انقطاع من مجتمع إلى مجتمعات بشكل متتالي، وصار أصح نص تاريخي على الاطلاق في تاريخ الإنسان، وتم كتابة النص مبكراً لعهد النبوة بناء على التلاوة اللفظية ، وظهر الاختلاف بالخط ببعض الكلمات بين نسخ عثمان بن عفان لاشتمالها هذه التلاوات المختلفة ، والذي يحفظ النص المخطوط ويوجهه ويصححه هو التلاوة اللفظية المتتابعة في الأمة وليس العكس.
والملاحظ أن من يعترض على التلاوات سواء من اللادينيين أو من بعض الباحثين المسلمين لايعرف عن التلاوات إلا اسمها (اختلاف التلاوات) فيذهب اللادينيين فوراً لنقض النص القرءاني ووصفه بالتحريف ، ويذهب بعض الباحثين الإسلاميين لإنكار التلاوات وإثبات واحدة بناء على معطيات شخصية تقوم معظمها على النظرية العددية أو جهل لماذا حصل الاختلاف أورفض مزاجي للتلاوات الأخرى رغم أنها متتابعة في الأمة مثل التلاوة التي اعتمدوها، فإلى هؤلاء كلاهما هذا المختصر لإعطاء فكرة عن اختلاف التلاوات وليتابعوا وحدهم في حال يريدون أن يتبنوا موقفاً علمياً وليس موقفاً مزاجياً.
وحبذا أن لايناقش الموضوع واحد لايوجد عنده أي علم عنه ، ويتبنى موقف الرفض والإنكار سواء من منطلق الإلحاد أو المزاج أو التصورات الخاصة به أو الاشكاليات التي يعرضها …. وينبغي أن يقرأ ويدرس الموضوع من مصادره الرئيسة والمعتمدة أولاً ابتداء من القرءان.
-اختلف مصحفا أهل المدينة وأهل العراق في اثني عشر حرفاً :
1-كتب أهل المدينة { وأوصى } وأهل العراق { ووصّى }.
2- وكتب أهل المدينة : { سارعوا إلى مغفرة من ربكم } [ آل عمران : 133 ] . بغير واو وأهل العراق : { وسارعوا }
3- وكتب أهل المدينة : { يقول الذين آمنوا } [ المائدة : 56 ] وأهل العراق : { ويقول }
4- وكتب أهل المدينة : { من يرتدد } [ المائدة : 57 ] وأهل العراق { من يرتدَّ }
5- وكتب أهل المدينة : { الذين اتخذوا مسجداً } [ التوبة : 108 ] و أهل العراق { والذين }.
6- وكتب أهل المدينة : { خيراً منهما منقلباً } [ الكهف : 37 ] و أهل العراق : { منها }
7- وكتب أهل المدينة : { فتوكل على العزيز الرحيم } [ الشعراء : 217 ] . و أهل العراق : { وتوكل }
8- وكتب أهل المدينة : { وأن يظهر في الأرض الفساد } [ المؤمن : 26 ] . وأهل العراق : { أو أن يظهر }
9- وكتب أهل المدينة في «حم عسق» : { بما كسبت أيديكم } بغير فاء ، وأهل العراق : { فبما }
10- وكتب أهل المدينة : { ما تشتهيه الأنفس } [ الزخرف : 71 ] بالهاء و أهل العراق : { ما تشتهي }
11- وكتب أهل المدينة : { فإن الله الغني الحميد } [ الحديد : 26 ] و أهل العراق : { إِن الله هو الغني الحميد }
12- وكتب أهل المدينة : { فلا يخاف عقباها } [ الشمس : 15 ] و أهل العراق : { ولا يخاف } . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نماذج عن اختلاف كلمات كتشكيل أو تبديل الهمزة ياء
– {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة4، عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ووافقهم الحسن، وقرأ الباقون( مَلِك).
– {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ووافقهم اليزيدي( ومايخادعون)، والباقي ( وما يخدعون).
– {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }البقرة48 قرأ:ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ووافقهم محيصن واليزيدي ( ولا تُقبل)، وقرأ الباقون ( ولايُقبل).
-{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }البقرة58. قرأ:نافع وأبو جعفر (يُغفر لكم)، وقرأ: ابن عامر( تُغفر لكم )، وقرأ الباقون (نَغفر لكم).
– {… وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61، قرأ:نافع ( النبيئين)، وقرأ الباقون ( النبيين).
– {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62، قرأ: نافع وأبو جعفر ( الصَّابِّين)، وقرأ الباقون: ( الصابئين).
– {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }البقرة98 قرأ:شعبة بخلف عنه وحمزة والكسائي وخلف ووافقهم الأعمش (جبرئيل)، وقرأ ابن كثير ووافقه ابن محيصن (جبريل).
قرأ:أبو عمرو وحفص ويعقوب ووافقهم اليزيدي والحسن( ميكال)، وقرأ الباقون (ميكائيل).
– { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة184، قرأ:نافع وابن ذكوان وأبو جعفر ووافقهم المطوعي والحسن ( فدية طعام مساكين)، وقرأ الباقون: (فدية طعام مسكين).
– {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِم فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258 قرأ الثلاثة : ابن عامر وخلف عن ابن ذكوان (إبراهام)، وقرأ الباقون ( إبراهيم) وهو الوجه الثاني لابن ذكوان.
– { وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259 قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي وخلف ووافقهم الأعمش (ننشزها)، والباقي قرؤوها( ننشرها).
هذه نماذج توصل فكرة اختلاف التلاوات بشكل جيد وأنها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد أو تناقض ولاتغير من أصل النص شيئاً وإنما تسلط الضوء على ماهو كامن في تلاوة أخرى ، وكل تلاوة تصدق التلاوة الأخرى وتنسجم معها ،فالمفاهيم الإيمانية واحدة، والأخبار التاريخية أو العلمية واحدة، والأحكام الشرعية واحدة، والتماسك المنطقي في كل تلاوة كمبنى ومعنى متحقق بهم جميعاً. وقاعدة تبيين صحة التلاوة الذي وضعها من أنزل القرءان وهي: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82، وهذا الاختلاف يكون بعدة أوجه:
1- اختلاف النص القرءاني مع خبره من الواقع كتاريخ وغيره ، وبالتالي يصير كذباً.
2- اختلاف النص القرءاني مع حقيقة علمية، وبالتالي يصير جهلاً.
3- اختلاف النص القرءاني مع ذاته نفياً أو إثباتاً بكل تلاواته، وهذا يقتضي الافتراء والكذب والجهل.
4- اختلاف التشريع الذي نزل بالقرءان مع الفطرة الإنسانية والنفع لهم، يقتضي نفي صلاحيته .
5- ذكر مفاهيم غيبية خرافية لايوجد عليها برهان منطقي أوعلمي يفقد الثقة بالنص القرءاني ويصير خرافياً.
هذه الأمور الخمسة -وهي ليست للحصر- معنى جملة( لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) اختلاف تضاد أو اختلاف تناقض أو اختلاف مع الواقع كآفاق وأنفس، أما اختلاف جزئي في تلاوة بعض الكلمات أو تغيير لكلمة بدل كلمة أو مجيء ضمير أو واو.. بشرط تتابع هذه التلاوة عن النبي كما أتى في المنشور أعلاه فهذا اختلاف تنوع وهو مقبول منطقياً وعلمياً وقرءانياً وإيمانياً.
وبالتالي لاقيمة علمية لادعاء حصول الاختلاف في النص القرءاني وعد ذلك برهاناً لتحريفه ونقضه وإنكار مصدريته الربانية، أو إنكار كل التلاوات والإيمان بواحدة فقط، فهذا موقف غير علمي ولامنطقي ولاقرءاني ، وليس هو الاختلاف الذي قصده النص القرءاني بحيث لو حصل لثبت أن القرءان ليس من عند الله، فلذلك ينبغي تحديد مفهوم الاختلاف المقصود بالنص القرءاني الذي في حال حصل ينتقض النص القرءاني ويكون ليس من عند الله.
وهذا غير إلزام الباحث لنفسه بدراسة تلاوة واحدة فقط والتوقف عن دراسة التلاوات الأخرى مع عدم إنكارها، فكل تلاوة كافية وشافية وبرهان بحد ذاتها.
للتوسع في القراءة ومعرفة التفاصيل للتلاوة اللفظية راجع:
– الميسر في القراءات الأربع عشرة. تأليف الشيخ محمد فهد خاروف، مراجعة الشيخ محمد كريم راجح شيخ القراء بدمشق. http://library.tafsir.net/book/5971
– رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية . الدكتور غانم قدوري الحمد