{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24

جنح: الجيم والنون والحاء أصل يدل على جهد أو قوة مستورة مؤرجحة بشدة .

و ظهر معناها الثقافي في ميل الشيء بقوة إلى جهة مستورة بشكل مؤرجح غير مستقر، ومنه قولنا: جنحت السفينة إلى الشاطئ، إذا خرجت عن مسارها النظامي أو مكانها بقوة أدت بها إلى الـتأرجح وفقدان توازنها، ونقول للإنسان الذي يمارس عملاً غير سوي ولا صواب: إنه جَنح عن الحق، ومنه الجُنحة ، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }البقرة158، بمعنى لا حرج عليه ولا يُحسب ذلك ميلاً عن الحق أو الصواب.

وقال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38، وسُمَي عضو الطيران المتحرك للطيور جناحاً لتحقق به القوة والجهد الذي ينستر إلى أسفل ضماً إلى جسم الطائر ويعود إلى وضعه السابق مؤرجحاً بشدة .

إذاً؛ كلمة جَناح لا علاقة لها بالريش أو بغيره، وهي غير اليد ضرورة بدليل ذكر الكلمتين في نص واحد، قال تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى }طه22، بمعنى لصق اليد بالجنب بقوة بعظام الصدر.

وقال تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }القصص32

اسلك يدك في جيبك بمعنى أدخلها إلى آخر نقطة ممكنة في فتحة ثيابك فتخرج بيضاء مُشعَة للناظرين من غير مرض أو عيب، وبعد ذلك اضمم جناحك إليك وهو الجزء الأعلى من اليد الذي يُسمى العضد و لصقه بعظام الصدر الجانبية ، وذلك لإرجاع اليد البيضاء إلى طبيعتها، وهذه الآية والتي قبلها – تحول العصا إلى ثعبان- برهانان لك لإثبات نبوتك وصدقك لفرعون.

ونأتي الآن إلى النص المعني بالدراسة ونفي المجاز عنه، وهو:

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24

مفهوم  كلمة (جناح) حسب مفهوم جذرها ( جنح) هي اسم لقوة الإنسان وشدته المستورة المؤرجة بشدة، يطلب الله من الأبناء أن يخفضوا هذه القوة والشدة ويستروها أمام والديهم ويُظهروا لهم الذل التي تعني توجيه القوة والدفع ملتصقا بثقل في خدمة الوالدين من الرحمة واللين والعناية.

فأين المجاز في كلمة الجناح؟ إنه أتى من حصر مفهوم كلمة (جناح) أنها اسم لعضو الطيران الذي يكسوه الريش وهو معنى هزلي مضحك سطحي لا قيمة علمية له البتة .

فالأصل في مفهوم الكلمة هو المفهوم اللساني الذي يأتي من الجذر، وبعد ذلك ملاحظة اختلاف المعنى محكوماً بالمفهوم اللساني من خلال السياق وإسقاطه على محل الخطاب.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1

كلمة (أولي أجنحة مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ…) تدل على تعدد  امتلاك القوى المحركة للملائكة ، وذلك مثل تعدد المحركات للطائرة، ولا علاقة  للجناح الريشي  بذلك قط، فهو معنى سطحي وخيال طفولي .