الكلمات الرباعية وما فوق صنعة وليست ولادة

الأصل في بنية اللِّسان العربي،  هو الصوت الواحد ( الحرف ) وهو بمنزلة مواد البناء،  ولكن في الظاهرة الصوتية للأحداث أو الكائنات لم يتم ظهور الصوت الواحد منفرداً، وإنما تم ظهور الصوتين معاً كحد أدنى؛  والإنسان بدأ باللفظ بصورة ثنائية تفاعلاً مع الظواهر دون الوعي للصوت الواحد منفرداً،  ومن ذلك وُلدت الكلمات الثنائية،  التي صارت قاعدة،  وأساساً فيما بعد للكلمات الثلاثية،  وشكَّلا مع بعضهما أصلين للِّسان العربي،  ومنهما تم بناء جسم اللِّسان،  وظهرت الكلمات الرباعية،  وما فوق نتيجة ظواهر،  وأحداث احتاجت إلى أكثر من ثلاثة أصوات  لتدل عليها؛ أو جمع كلمتين مع بعضهما،  وذلك لتغطي هذه المرحلة عملية التطور،  والمدنية في المجتمع الإنساني،  وبذلك ظهرت لنا المراحل التي مرَّ فيها تطور اللِّسان العربي،  وهي المرحلة الثنائية،  والمرحلة الثلاثية،  والمرحلة الرباعية وما فوق،  وهذه المراحل مرتبطة بتطور الإنسان من التعقل إلى التفكير،  ومن الجماعة إلى المجتمع.

وينبغي الانتباه إلى أن عدم معرفة تحليل كلمة رباعية أو خماسية،  وصعوبة إرجاعها إلى أصلها الثنائي أو الثلاثي أو صعوبة تحليلها وتفكيكها،  ليس بمبرر لرفض الكلام السابق،  فمن الطبيعي أن الفكرة تثبت ببرهان واحد،  ويتم دراسة الأجزاء تباعاً مع التطور المعرفي للوصول إلى أجوبة عليها.

لذا؛  من الخطأ القول:  إن في اللِّسان العربي أصلاً رباعياً مجرداً أو خماسياً… إلخ(1)،  والصواب أنه لا يوجد إلاَّ أصل ثنائي أو ثلاثي فقط،  وما ظنوه رباعياً مجرداً؛  هو في الحقيقة ثلاثيٌّ مزيدٌ،  أو ثنائيٌّ مكرَّر، أو ثنائيٌّ مختلفٌ،  أو كلمتان مدموجتان مع بعضهما،  وسوف نرى ذلك:

1-   كلمات رباعية أو خماسية مُزادة:  نحو كلمة ( أقسط ) وأصلها ( قسط )،  وتم زيادة الهمزة في أولها؛  لتدل على دلالة ظهور خفيف منقطع،  فنقلت دلالة فعل (قسط ) من مجرد فعل قام به الإنسان إلى فعل الإقساط للغير،  انظر إلى هذه الكلمات:

أطاق-   طاق،  انطلق-   طلق،  اطمأن-   طمن.

2-   كلمات رباعية مؤلفة من ثنائي مكرر؛  لتكرار الحدث ذاته في الواقع،   مثل:  زلزل،  كركر،  قرقر،  بقبق،  زقزق،  كبكب،  شرشر،  حصحص،  زحزح.

3-   كلمات رباعية مؤلفة من مقطعين ثنائيين مختلفين في المبنى،  تم إضافتهما لبعضهما؛  ليدلا على ظاهرة تحتاج إليهما معاً.  مثل:

( دحرج ) وأصلها،  دح + رج،  ( بَرْمَل) وأصلها،  بر + مل،  (برغل ) أصلها،  بر + غل،  (زخرف) أصلها،  زخ + رف،  (خنزر) أصلها،  خن+ زر، أو خنز، (عسكر) أصلها عس+ كر، (تبعثر) من (بعثر) وأصلها بع+ ثر، أو بعث+ر،  (تلعثم) أصلها (لعثم) من اجتماع،  لع + ثم.

لع:  تدل على حركة بطيئة لازمة متصلة،  منتهية بعمق،  ومن هذا الوجه قالوا:  إنها تدل على اضطراب.

    ثَم:  تدل على دفع خفيف ملتصق،  منته بجمع متصل،  ومن هذا الوجه قالوا:  إنها تدل على اجتماع في لين.  وعملية اللعثمة تحقق فيها الصفتان،  الاضطراب،  والجمع في لين.

اكفهر:  أصلها من (كفهر)،  كف + هر.

كف:  تدل على قطع،  أو ضغط خفيف،  منته بفتح خفيف منضم،  نحو:

كف الرجل كمه.

    هر:  تدل على تأرجح خفيف،  منته بتكرار،  نحو هرَّ شعر الرأس.

وعملية اكفهرار الوجه،  تحققت فيها صفة الكف،  والهر،  وهذا ملاحظ في حركة الوجه والتعابير التي تظهر عليه.

4-  كلمات رباعية دخل عليها صوتٌ أو أكثر؛  ليعطيها بُعداً،  مثل:  ( كرْدَم ) وأصلها الثلاثي ( كرْدَ ) ودخلت الميم؛  لتعطي دلالة ( كرْدَ ) الجمع المتصل؛  لتصير دالة على قيام الإنسان بالإسراع في العَدْوِ.  وكذلك كلمة ( كمثر ) أصلها  (كثر ) ودخلت (الميم) في وسطها لتعطيها دلالة الجمع المتصل؛  لتصير دلالتها الجمع المتصل بكثرة،  أو اجتماع الشيء على بعضه بكثرة.

5-   كلمات منحوتة من كلمتين.  مثل:

إسرائيل،  إسرا + ئيل.  وكلمة ( إسرا ) من ( سرى ) التي تدل على الحركة المكررة بامتداد مستقيم سواء أكانت في الليل أم في النهار،  وكلمة (ئيل ) تدل على وصف الخالق المدبر في بدء وعي الإنسان،  وهي أصل كلمة (الله) قبل تطورها؛  لتصير دلالة كلمة (إسرائيل ) مجتمعة تدل على الباحث عن الله،  التي تم شرحها  فيما بعد،  بمآلها  فقالوا:  عبد الله.

وكذلك كلمة:  ميكائيل أصلها،  ميكا + ئيل،  أي:  مكيال الله،  جبرائيل أصلها، جبرا + ئيل،  أي:  جبروت الله.

فهذه الكلمات هي عربية اللِّسان،  لا أعجمية كما يتوهم بعض المفسرين.

لذا،  استخدمها الله في كتابه العربي (التنزيل الحكيم).

وأسلوب النحت للكلام،  أسلوب عربي مستخدم،  انظر إلى هذه الكلمات في قاموس (المقاييس في اللغة) لأحمد بن فارس:

1-   لهجم:  منحوتة من كلمة ( لهج ) و( هجم ).

2-   نهشل:  منحوتة من كلمة ( نشل ) و( نهش ).

3-   نقرش:  منحوتة من كلمة ( نقر ) و( قرش ) و( نقش ).

4-   عفلق:  منحوتة من كلمة ( عفق ) و( فلق ).

5-   عصلب:  منحوتة من كلمة ( عصب ) و( صلب ) و( عصل ).

6-  غملج:  منحوتة من كلمة ( غمج ) و( غلج ).

7-   غشمرة:  منحوتة من كلمة ( غشم ) و( شمر ).

8-   فرزدق:  منحوتة من كلمة ( فرز ) و( دق ).

9-   فرنقع:  منحوتة من كلمة ( فرق ) و( فقع ).

10-   قلفع:  منحوتة من كلمة ( قفع ) و( قلع ) و( قلف ).

  فاللِّسان العربي،  لسان فطري قام على أسس محكمة،  يتفاعل مع حركة الواقع،  ومستجداته،  وهو لسان حيوي يُصَوِّر الحدث بدقة شديدة،  ويستوعب كل جديد من تطور،  أو توسع،  فهو يسير وينمو مع سير ونمو الكون.

لذا؛  ينبغي على أهل اللِّسان العربي أن يُوجدوا دلالات عربية لكل الأدوات المعرفية،  والتقنية،  وقِطَع الصناعة والآلات،  وغير ذلك،  إضافة لقيامهم بعملية النحت لكلمة تدل على مجموعة من الظواهر،  أو الأفعال،  أو المفاهيم بكلمة واحدة،  وذلك لاختزال الدلالة بها،  وسهولة التعلم،  واللفظ؛  لأن الزمن –   الآن-   زمن تسارع معلوماتي هائل،  ومن المعلوم أن عملية فهم العقل للدلالات،  أسرع من لفظها بكثير.

(1) انظر إلى كتاب (مبادئ النحو والإملاء والخط) المقرر تدريسه في منهج الصف السادس في سورية لعام 2008/2009،  تحت عنوان (المجرد والمزيد) ص26 – 30، ذكر:   الفعل الرباعي المجرد:   هو كل فعل مؤلف من أربعة أحرف أصلية لا يمكن الاستغناء عن أي حرف منها.   وضرب أمثلة على ذلك وهي:   عسكر، تبعثر، اطمأن.   وقد مرَّ إرجاعهم إلى أصلهم الثنائي أو الثلاثي في دراستنا،  لذا؛   ينبغي إعادة النظر في مناهجنا بعيون ناقدة مبدعة.