مفهوم الزينة في القرءان

كلمة الزينة من زين وتعني تحسين صورة الشيء ومنظره

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: 

(زَيَنَ) الزَّاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الشَّيْءِ وَتَحْسِينِهِ. فَالزَّيْنُ نَقِيضُ الشَّيْنِ.

وهو مفهوم عام يشمل الشيء بذاته، وما يضاف له لتحسينه، لنقرأ:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].

{المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ} [آل عمران: 14].

{وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8].

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7].

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ} [الحديد: 20].

أليس جسم المرأة ومفاتنها بحد ذاتها زينة للرجال، ويضاف لها زينة شيئية من الحلي أيضًا؟

 كيف نفهم النص: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ..} [النور: 31].

هل النهي يتعلق بالزينة الشيئية (أساور وطوق وخواتم وخلخال) أم بجسم المرأة ذاته؟

وهل المرأة إن لم تكن تضع زينة شيئية يجوز لها إظهار جسمها لغير المحارم (الأجانب)؟

ولذلك قال أهل التراث اضطرارًا ليهربوا من هذا المأزق اللامنطقي: إن القصد بعدم إبداء الزينة ليس هو الزينة الشيئية بحد ذاتها فالحكم لا يتعلق بها، وإنما المقصد مواضع الزينة في جسم المرأة، وهذا يعني أنهم رجعوا إلى القول: إن جسم المرأة هو زينة بحد ذاته، وهو محل تعلق الحكم!

المرأة كلّها زينة عدا (الفرج) الذي سبق الأمر بتغطيته في قوله تعالى: (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)، ويكون الحفظ ابتداءً من السّتر، والتغطية، مرورًا بالطهارة المادية، والصحّية، وانتهاء بالإحصان، ذلك لأن النصّ متعلّق بمسألة اللباس، بخلاف النصّ الآخر، الذي هو {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5].

فالحفْظ يبدأ من الإحصان، وينتهي بالسّتر، والتغطية، وفعل (ظهر) في النصّ غير راجع للآخرين (للعيان)، وإنما راجع للزينة ذاتها، فهي زينة ظاهرة من زينة أصل لها (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).

وهي جسم المرأة من الكتفين إلى نصف الفخذين، وفرعية ظاهرة خلقًا من الزينة المركزية ؛ وهي الرأس والعنق والأطراف الأربعة.

والصواب تقسيم الزينة حسب تعلق النص بها إلى نوعين:

1- زينة مركزية منهي عن إبدائها(جذع المرأة إلى نصف الفخذين).

2- زينة فرعية تابعة ظاهرة من الزينة الأولى (الرأس والرقبة والأطراف الأربعة) لا مانع من إبدائها.

وإرجاع فعل (ظهر) في النص للعيان خطأ في واقع الحال؛ لأن المرأة كلّها ظاهرة للعيان، وإذا كان الأمر كذلك تناقض أول النصّ مع آخره؛ لأن النتيجة سوف تكون أن المرأة لا تُغطّي شيئًا من زينتها ؛ لظهورها كلّها للعيان، ولو كان المعنى ما ذكروه لأتى النصّ بصيغة (ما ظهر لكم)، ولم يأت بصيغة (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).

كما أن مفهوم مواضع الزينة للمرأة متحرّك، ومتغيّر من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، حسب الثقافات والتطوّر المعرفي، فما يكون موضعًا للزينة عند مجتمع، قد لا يكون زينة عند مجتمع آخر.

وهكذا يختلف تحديد مواضع الزينة في المجتمعات الإنسانية، ما يدلُّ على بطلان مفهوم الزينة التراثي؛ لعدم المقدرة على تحديدها، ولذلك طالب أصحاب هذا الرأي بتقييد فَهْم النصّ القرءاني بفَهْم السَّلَف؛ ليتخلَّصوا من حركة محتوى النصّ.

وبهذا المطلب، قاموا بإغلاق العقل، وجعلوا النصّ القرءاني قوميًا مرتبطًا بثقافة العرب، في زمان، ومكان محدّد، وأساؤوا لإنسانية النصّ القرءاني، وعالميته، فكانوا من الأسباب الرئيسة لانحطاط المسلمين، وتخلّفهم عن رَكْب النهضة والحضارة.