كبد

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ البلد4

  • “الكَبَد” أصلها في الجذر (ك-ب-د)، وهو دالّ على مشقّة شديدة، أو مجهود مركّز داخلي.
  • من الناحية الصوتية:
    • ك: دفع أوضغط داخليّ متين.
    • ب: ضمّ وجمع واستقرار
    • د :  دفع شديد أو انتهاء ضاغط. بقوة
  • وهذا يوحي بحالة صراع داخلي مستمر، أو مقاومة داخلية عبر مراحل الحياة.

إذن: “خلقنا الإنسان في كبد” تعني أننا خلقنا الإنسان في حالة من الضغط المستمر، الجهد، والتحمّل، أي أن الوجود الإنساني نفسه ليس راحة، بل سير في طريق مقاوم ومتقلب وضاغط.

ثانيًا: العلاقة بالنص الذي يليه:

﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ البلد5

هنا تبدأ المفاجأة: هذا الإنسان الذي خُلق في بيئة شاقة وصعبة (كبد)، يتوهّم لاحقًا أن لا أحد قادر عليه!

أي أنه رغم أنه “نُحِتَ” وتكوَّن في مشقة وكدّ، يعود في مرحلة لاحقة فيظن أنه صار خارج دائرة القدرة الإلهية.

  • “يَحسب” تعني يتوهّم أو يظن دون برهان.
  • “يقدر عليه أحد” أي يسيطر عليه، يحاسبه، يرده، يتحكم بمصيره.

الربط البنائي بين الآيتين:

  1. الآية الأولى تضع الأساس: الإنسان مخلوق في وسط شاق ومضغوط.
  2. الآية الثانية تفضح مفارقة: مع أنه مخلوق في بيئة كدّ ومحدودية، يتوهّم أنه في منأى عن أي سيطرة أو محاسبة.

هذه مفارقة نفسية وجودية:

من هو خُلق في كَبَدٍ… كيف يتوهّم لاحقًا أنه لا يُقْدَر عليه؟

خلاصة تدبرية:

الآيتان تكشفان موقفًا إنسانيًا مغرورًا:

  • طبيعتك الوجودية كلها تعب وكدّ وتشكيل تحت الضغط.
  • ثم تظن أنك صرت حرًّا طليقًا لا يقدر عليك أحد؟
  • هذا وهم وغرور يكشفه النص ويعيدك إلى حقيقتك الأصلية.