كل حرام منهي عنه ضرورة والعكس غير صواب
كل فعل محظور هو منهي عنه ضرورة، ولكن ليس كل نهي يعني التحريم. وصيغة النهي عامة وتشمل كل فعل محظور، إلا أن تحديد درجة النهي يأتي من صيغة أخرى وهي التحريم. فإذا لم تأت صيغة تحريم، يبقى النهي على عمومه دون التحريم. بناءً على ذلك، كل حرام هو منهي عنه بالضرورة، ولكن ليس كل منهي عنه هو حرام.
صيغ الإثم، الخبث، الفساد، والاجتناب ليست صيغ تشريعية بحد ذاتها، بل هي توصيفات لأفعال غير حلال، وبالتأكيد منهي عنها. وإذا جاء نص صريح يذكر أن الفعل حرام، فيصير حكمه حراماً، وإلا يبقى ضمن نطاق النهي.
الحرام والمنهي عنه كلاهما تابعان لحاكمية الله، ولكن يوجد فرق في درجة الحكم. فهل حكم الشرك بالله وقتل النفس مثل أكل الميتة؟
وهل إتيان النساء في فترة الحيض أو من الدبر مثل الاغتصاب وعقوق الوالدين وقتل الأولاد؟
عندما يُطلب اجتناب قول الزور، فإن هذا الاجتناب هو نهي وتوجيه ونصح، ولكنه ليس بيان حكم، مما يعني أن قول الزور ليس حلالاً. ويتم تحديد حكمه بناءً على طبيعة الفعل؛ فإذا كان الفعل يتعلق بالظلم والعدوان وضياع الحقوق، فهذا يعني أنه من المحرمات، وبالتالي يصير شهادة الزور حراماً.
أما بالنسبة لحكم السرقة، فيتم تحديده من خلال ارتباط السرقة بالظلم والعدوان وأكل حقوق الناس، مما يجعل السرقة منطقياً حرام.
مثال آخر يتضح في الوصايا العشر: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام: 151). {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: 152).
عقوق الوالدين حرام، وهذا يُفهم من الأمر بالإحسان إليهم بنص التحريم (ما حرم ربكم عليكم).
وإذا قلتم فاعدلوا، فهذا يشمل تحريم قول الزور بالضرورة.
بهذا يتم الفهم الأصولي لتعيين درجة حكم الفعل.
وصارت القاعدة الأصولية :
الأصل في الأفعال الحلال إلا ماورد في النص القرءاني تحريمه عيناً أو استنباطًا أولياً أو النهي عنه، وما سكت عنه المشرع فهو حلال ولا يطبق الحلال الاجتماعي إلا مقيدًا بنظام المجتمع، وليس كل حلال مقبول.