مفهوم الاصطفاء في القرآن
الاصطفاء كلمة تدل على التنقية والاختيار للأحسن والأطهر من النوع ذاته ولا يصح تلك العملية بين أنواع مختلفة ، والاصطفاء مفهوم قرآني يتضمن اختيار الله سبحانه وتعالى لأفراد أو جماعات معينة لأداء مهام محددة وفقاً لحكمة إلهية. يأتي الاصطفاء في القرآن على صورتين أساسيتين: اصطفاء للنبوة والتكليف، واصطفاء للعباد الصالحين ليكونوا أئمة هدى. كل من هذه الأنواع له خصائصه ومجالاته، ويعتمد على معطيات مرتبطة بالإيمان والعمل الصالح.
الاصطفاء للنبوة والتكليف
الاصطفاء للنبوة هو اختيار الله لأنبياء ورسل من بين البشر ليبلغوا رسالة الله إلى الناس. هذا الاصطفاء يتطلب وجود خصائص معينة في الشخص المختار، مثل الاستقامة والصدق والأمانة. وقد جاء في القرآن الكريم نصوص واضحة تشير إلى اصطفاء الأنبياء، مثل قوله تعالى:
• “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ” (آل عمران: 33).
الاصطفاء للنبوة هو تكليف وتشريف في آن واحد. النبي المكلف يكون مسؤولًا عن تبليغ الوحي الإلهي ونشره بين الناس. وهذا الاصطفاء كان له هدف محدد وهو إرشاد البشرية، وقد توقف هذا النوع من الاصطفاء بختم النبوة بنبوة محمد ، كما ورد في قوله تعالى:
• “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍۢ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًۭا” (الأحزاب: 40).
الاصطفاء للعباد الصالحين
أما النوع الآخر من الاصطفاء، فهو اصطفاء العباد الصالحين ليكونوا أئمة هدى للناس. هذا النوع من الاصطفاء لا يتعلق بالوحي التشريعي، بل هو توفيق من الله وتأييد للعبد الصالح، ليكون قدوة ومعلماً للناس في أمور الدين والدنيا. يتم هذا الاصطفاء بناءً على إيمان العبد وعمله الصالح، وهو تيسير من الله وليس تكليفاً نبوياً.
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }السجدة24
هذا الاصطفاء لا يقتضي نزول وحي تشريعي، لأن الدين قد كمل وخُتمت النبوة، لكن يمكن أن يتواصل مع هؤلاء العباد الصالحين الملأ الأعلى من الملائكة بواسطة الإلهام أو ما شابه ذلك. هذا التواصل يكون خاصاً بهم وليس محلاً للدراسة أو النقاش. قال تعالى:
• “إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَبْشِرُوا۟ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ” (فصلت: 30).
استمرار الاصطفاء
بينما الاصطفاء للنبوة قد توقف، فإن الاصطفاء في مجالات أخرى لا يزال مستمراً. الله يصطفي من عباده الصالحين من يكونون أئمة هدى، ويصطفي من الملائكة من يقومون بمهمات معينة. الملائكة كائنات ذات مهام إلهية محددة، وقد ذكر الله في كتابه الكريم اصطفاء الملائكة كرسل له، كما قال:
• “ٱللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًۭا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۭ بَصِيرٌۭ” (الحج: 75).
هذا الاصطفاء يوضح دور الملائكة كوسطاء بين الله والخلق في تبليغ الرسالات وتنفيذ الأوامر الإلهية. الاصطفاء للعباد الصالحين يجعلهم مرشدين للناس، ويمنحهم القدرة على توجيه الآخرين نحو الطريق الصحيح عبر الحكمة والإلهام.
الخلاصة
الاصطفاء في القرآن هو مفهوم متعدد الجوانب يظهر في صورتين رئيسيتين: اصطفاء للنبوة والتكليف، واصطفاء للعباد الصالحين ليكونوا أئمة هدى. الاصطفاء للنبوة قد انتهى بختم النبوة، بينما الاصطفاء للعباد الصالحين والملائكة مستمر ويعتمد على معايير إيمانية وأخلاقية.