عرض وتحليل
حزب التحرير (الإسلامي)
حزب التحرير، الذي أسسه تقي الدين النبهاني في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، يمثل حركة إسلامية سياسية تدعو لإقامة دولة الخلافة على منهج النبوة. رغم أن الحزب نشأ في البداية كرد فعل للاحتلال البريطاني لفلسطين، ومعارضة للوجود اليهودي في المنطقة، إلا أنه سرعان ما تحول إلى تبني استراتيجية مختلفة تقوم على إقامة الخلافة في أي مكان تتوفر فيه الظروف المناسبة، ثم العودة لتحرير فلسطين من خلالها.
علاقته بجماعة الإخوان المسلمين:
حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين يشتركان في الهدف العام المتمثل في إقامة دولة إسلامية، لكن هناك اختلافات جوهرية في الأيديولوجيا والأساليب بينهما. تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير، كان قد تأثر في بداياته بأفكار الإخوان، لكنه اعتبر أن حركة الإخوان المسلمين بطيئة في تحقيق أهدافها وتعتمد على الإصلاح التدريجي، وهو ما دفعه للانفصال عنهم وتأسيس حزبه الخاص.
النبهاني رأى أن الإخوان يتبنون نهجًا معتدلًا يركز على الدعوة والتربية، بينما حزب التحرير ركز على ضرورة إقامة الخلافة عن طريق الانقلاب العسكري وتغيير الأنظمة القائمة بشكل جذري. ومع أن هناك تعاونًا في بعض الأوقات بين الجماعتين، إلا أن الاختلافات الجوهرية جعلت العلاقة بينهما متوترة.
حياة تقي الدين النبهاني ومؤلفاته:
ولادته ووفاته:
• ولد تقي الدين النبهاني في عام 1909 في قرية إجزم، قضاء حيفا، بفلسطين.
• توفي النبهاني في عام 1977 في بيروت، لبنان، ودفن فيها.
دراسته وعمله:
• درس النبهاني في كلية الأزهر في القاهرة، حيث حصل على شهادة في الشريعة الإسلامية. كما درس في دار العلوم وتخرج منها.
• عمل كقاضي شرعي في المحاكم الشرعية في القدس ومدن أخرى قبل تأسيس حزب التحرير.
بعض مؤلفاته:
• “نظام الإسلام”
• “الدولة الإسلامية”
• “مفاهيم حزب التحرير”
• “التكتل الحزبي”
• “أسباب النهضة”
التحول في الهدف:
تأسس حزب التحرير بهدف تحرير فلسطين ومواجهة الاحتلال البريطاني واليهودي. ومع ذلك، غير الحزب مساره إلى السعي لإقامة دولة الخلافة الإسلامية خارج فلسطين، اعتقادًا بأن الخلافة القوية ستكون الوسيلة لتحرير فلسطين. هذا التحول يعكس فهم الحزب بأن تحرير فلسطين لا يمكن تحقيقه إلا عبر قوة إسلامية مركزية قادرة على مواجهة القوى العالمية، وهو ما دفعه للتركيز على الانقلابات العسكرية كوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
التركيز على الانقلابات العسكرية:
اختار حزب التحرير بناء علاقات مع ضباط الجيش في مختلف الدول الإسلامية كجزء من استراتيجيته لتحقيق الانقلاب العسكري وإقامة الخلافة. هذا النهج استند إلى فكرة أن الجيوش هي القوة الحقيقية القادرة على إحداث التغيير السريع في السلطة. لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح في أي من محاولاتها، بل أدت إلى إعدام واعتقال عدد كبير من أعضائه، مما أثار ردود فعل من الدول التي حصنت جيوشها ضد الانقلابات عن طريق تغيير تركيبة الجيش وجعل الولاء للقائد الأعلى فقط، مع تعزيز عمليات المراقبة الداخلية بين الضباط.
القيادة بعد وفاة النبهاني:
بعد وفاة النبهاني في عام 1977، تولى قيادة الحزب عبد القديم زلوم، الذي قاد الحزب حتى وفاته في عام 2003. بعد ذلك، تولى عطاء بن خليل أبو الرشته القيادة، وهو الرئيس الحالي للحزب.
الانشقاقات والصراعات الداخلية:
في الأردن، تعرض الحزب لانشقاق كبير بسبب الخلافات السياسية والمالية. في حين كان الحزب يُعرف بموقفه الصارم ضد التورط في النزاعات العسكرية مثل الحرب السورية، فقد تورطت بعض فروعه في دعم بعض الجهات المشاركة في الصراع، مما أدى إلى تصاعد الانقسامات داخليًا.
الاتهامات بالفساد المالي داخل الحزب أدت أيضًا إلى انشقاقات أخرى، حيث ادعى كل فصيل أنه الوريث الحقيقي لأفكار النبهاني. هذه الانشقاقات أضعفت الحزب بشكل كبير وجعلته في حالة تراجع ملحوظة، حيث أن الحزب الآن يتصارع على البقاء في مشهد سياسي يتزايد فيه الوعي بخطورة أفكاره بين المثقفين وعامة الناس.
الفكر السلفي للحزب:
يعتمد حزب التحرير في فكره على إعادة إنتاج نموذج دولة الخلافة الراشدة بطريقة جامدة وصارمة. هذا التوجه يجعله أقرب إلى السلفية التقليدية، ولكنه يتجاوزها في التمسك بالظاهر والشكلية، مما يجعله أكثر تصلبًا من الحركات السلفية التقليدية. هذا التفكير السلفي ينعكس في كتابات الحزب حول أصول الحكم والفقه، حيث يسعى لاستنساخ الدولة الإسلامية الأولى دون مراعاة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، مما يؤدي إلى فكر مغلق غير قادر على التكيف مع التحديات الحديثة.
حالة الحزب الحالية:
مثلما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين، يواجه حزب التحرير اليوم تحديات كبيرة، حيث لم يعد له التأثير الكبير الذي كان يتمتع به في السابق. بدأ المثقفون في المجتمعات الإسلامية يدركون تناقضات هذه الأحزاب وخطورتها على الدين والمجتمع من خلال مفهوم الإسلام السياسي، مما أدى إلى تراجع الدعم الشعبي لها. الحزب اليوم في آخر رمقه، وهو ما يعني أن نهايته ربما تكون مسألة وقت فقط.