تحليل ونقاش

                       ظاهرة غطاء رأس المرأة: أسبابها وعلاجها

       المقدمة

غطاء رأس المرأة أو شعرها، موضوع أثار اهتمام المسلمين عبر العصور، مما دفع الكثيرين للبحث في أصوله وأحكامه الدينية. تعود جذور هذا الاهتمام إلى مزيج من الموروث الثقافي والفهم الذكوري للشرع، إضافة إلى التعامل مع الحديث النبوي كمصدر تشريعي أساسي بجانب القرآن. هذا الأمر أدى إلى تشكيل فقه ذكوري جاهلي أُلبس ثوب الإسلام، وأصبح معيارًا لتقويم الآخرين وتصنيفهم بين مؤمن وكافر، ومهتدٍ وضال.

 

     تحليل النص القرآني

النص الوحيد الذي يتحدث عن حدود لباس المرأة هو في سورة النور:

{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).

 

تحليل الكلمات المحورية في النص

  1. خُمُرِهِنَّ: جمع خمار، والمراد به أي نوع من الغطاء الذي يتصف بالارتخاء على الشيء بصرف النظر عن مكانه أو وظيفته.
  2. جيوبهن: الجيب هو الفتحة بين شيئين، والمقصود هنا فتحات الثياب عموما وفتحة الصدر خاصة .
  3. يضربن: تعني إيقاع شيء على شيء آخر بحيث يترك أثرًا، كما في ضرب الأمثال.

 

       الفهم الصحيح للنص

  • عدم ذكر كلمة الرأس أو الشعر: النص لا يحتوي على أي ذكر صريح لكلمة “رأس” أو “شعر”، مما ينفي عنه الدلالة القطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر.
  • دلالة الخمار: الخمار ليس مخصصًا للرأس فقط بل يمكن أن يكون أي غطاء يستخدم لتغطية أي جزء من الجسم.
  • دلالة الجيوب: الجيوب هي فتحات الثياب عموما وفتحة الصدر خاصة ، وليس الرأس.

 

      الأسباب الثقافية لظاهرة غطاء الرأس

  1.  الفهم الذكوري للشرع

انتشرت فكرة وجوب تغطية رأس المرأة نتيجة لفهم ذكوري للشرع، حيث اعتُبرت المرأة عورة يجب تغطيتها بالكامل. هذا الفهم تطور مع الزمن ليصير جزءًا من التقاليد الدينية، مما جعل كثيرين يعتقدون أنه واجب ديني لا غنى عنه. الفقه الذكوري استند إلى تفسير ضيق للنصوص الدينية، مجتزئًا المعاني ومطبقًا الفهم الشخصي والاجتماعي عليها، مما أدى إلى ترسيخ فكرة وجوب غطاء الرأس.

 

  1. التقاليد الاجتماعية

التقاليد والعادات الاجتماعية لعبت دورًا كبيرًا في ترسيخ فكرة وجوب غطاء الرأس. في الكثير من المجتمعات الإسلامية، صار غطاء الرأس جزءًا من الهوية الثقافية والدينية، وتم ربطه بالحشمة والحياء. هذه التقاليد، التي تعود جذورها إلى عصور ما قبل الإسلام، تمت إعادة تفسيرها وإدخالها في الممارسات الدينية بشكل يجعل من الصعب التفريق بين ما هو ديني وما هو تقليدي.

 

  1. الحديث النبوي

تم استخدام الأحاديث النبوية كدليل إضافي على وجوب تغطية الرأس، رغم أن معظم هذه الأحاديث ظنية الثبوت وليست قطعية. في الواقع، الحديث النبوي بحد ذاته ليس مصدرًا تشريعيًا مستقلًا، وإنما هو تفاعل النبي مع القرءان في زمكانه وهذا إن ثبت نسبتها إليه لأن الواقع أن الروايات كلها ظنية ولا يوجد قطعي الثبوت فيها قط باعتراف كبار علماء التراث المحدثين. الأحاديث النبوية تتطلب دراسة نقدية دقيقة لفهم سياقها وظروف ورودها، ولا ينبغي الاعتماد عليها بشكل مطلق دون الرجوع إلى النص القرآني الصريح. فهو الحجة والإمام والبرهانو المصدر والحاكم.

 

     العلاج المقترح

 

1 . العودة إلى النص القرآني

يجب إعادة فهم النصوص القرآنية وفق منهج لساني ومنطقي بعيدًا عن التأثيرات الخارجية مثل التقاليد والعادات الاجتماعية. النص القرآني يجب أن يُفسر بما يتفق مع مبادئ العدالة والمساواة والحرية التي يدعو إليها القرآن، مع التركيز على السياق اللساني والثقافي للنص.

 

  1. التوعية والتثقيف

نشر الوعي بين المسلمين بأهمية فهم النصوص الدينية من مصادرها الأصلية، وعدم الاعتماد على التقاليد والعادات الاجتماعية في تفسير الدين. التعليم والتثقيف الديني يجب أن يركز على النصوص القرآنية ويبتعد عن الاجتهادات الفقهية التي قد تكون تأثرت بالعوامل الثقافية والاجتماعية.

 

  1. احترام حرية المرأة

يجب احترام حرية المرأة في اختيار ما تراه مناسبًا لها من لباس، دون فرض أي قيود دينية غير مستندة إلى نصوص قرآنية صريحة. المرأة هي الأدرى بظروفها ومتطلبات حياتها، ويجب أن تُترك لها الحرية في اتخاذ قراراتها بناءً على ما تراه مناسبًا لها ولعائلتها.

 

  1. التأكيد على القيم الأخلاقية

التركيز على القيم الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع الآخرين، بعيدًا عن الأحكام السطحية المتعلقة باللباس. الإسلام دين يدعو إلى العدل والإحسان والتسامح، ويجب أن تكون هذه القيم هي المحور الأساسي في التعامل مع قضايا اللباس والستر.

 

    الخلاصة

إن مسألة غطاء رأس المرأة أو شعرها تحتاج إلى إعادة تقييم بناءً على النصوص القرآنية الصريحة، بعيدًا عن التأثيرات الثقافية والاجتماعية التي ساهمت في ترسيخ هذا الفهم. يجب على المسلمين العودة إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي للتشريع، واحترام حرية المرأة في اختيار لباسها بما يتوافق مع قيم الدين الحقيقية من أخلاق واحترام وكرامة.

 

    النقاش والتفنيد

  1. غطاء الرأس والتقاليد

الأمر بغطاء الرأس لم يكن موجودًا بشكل موحد قبل الإسلام، وإنما هو جزء من تقاليد مجتمعات معينة. هذه التقاليد تم إضفاء الطابع الديني عليها عبر القرون، ولكنها ليست بالضرورة جزءًا من الشريعة الإسلامية. هذا الخلط بين التقاليد والشريعة أدى إلى فرض غطاء الرأس كواجب ديني في حين أنه في الأصل تقليد اجتماعي.

 

  1.  الخمار في النص القرآني

النص القرآني يستخدم كلمة “خمار” بمعنى عام يشمل أي غطاء. السياق الذي وردت فيه الآية يتحدث عن تغطية الجيوب، وهي فتحات في الثياب يظهر منها الرأس والأطراف الأربعة واهم فتحة هي فتحة الصدر، وليس الرأس أو الشعر. التفسير الفقهي الذي يفرض تغطية الرأس يستند إلى اجتهادات بشرية وليست نصوصًا صريحة، مما يعني أنه قابل للنقاش وإعادة النظر.

 

  1.  الأحاديث النبوية

الأحاديث التي تنسب للنبي و تتحدث عن غطاء الرأس تحتاج إلى دراسة نقدية دقيقة. كثير من الأحاديث ظني الثبوت ولا يمكن الاعتماد عليها في فرض أحكام دينية. علاوة على ذلك، الأحاديث تأتي في سياقات تاريخية واجتماعية معينة، ويجب فهمها في هذا الإطار دون تعميم الأحكام المستمدة منها، غير أن الأحاديث ليست مصدرا دينيا وغنما هي مصدر معرفي تاريخي.

 

  1. السياق القرآني

القرآن يخاطب الناس جميعًا بلسان عربي مبين وقد أحكم نصوص الدين لتعلق المسؤولية بها. السياق القرآني يؤكد على مبادئ العدالة والحرية والمساواة، ويجب أن يُفهم في هذا الإطار. الأمر بغطاء الرأس كواجب ديني دون نص قرآني صريح يتناقض مع هذه المبادئ ويحول الدين إلى مجموعة من القيود غير المبررة.

 

    النهاية

موضوع غطاء رأس المرأة أو شعرها يجب أن يُعاد النظر فيه من منظور قرآني ولساني ومنطقي. النصوص القرآنية هي المصدر الأساسي للتشريع، ويجب أن تُفهم بمعزل عن التقاليد الاجتماعية والتفسيرات الفقهية التي تأثرت بالعوامل الثقافية والتاريخية. احترام حرية المرأة في اختيار لباسها بما يتوافق مع قيم الدين الحقيقية من أخلاق واحترام وكرامة يجب أن يكون هو المعيار الأساسي في التعامل مع هذه القضية.، وهذا التحليل ليس دعوة لترك غطاء رأس المرأة أو وضعه، وإنما هو  لنفي عنه بصورتيه تغطية أو عدم تغطية الأمر الديني وإرجاعه إلى حرية المرأة وظروفها وبيئتها والعرف،

بهذه الطريقة، يمكننا تحقيق فهم أعمق وأشمل للنصوص الدينية وتطبيقها بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر حول ظاهرة غطاء رأس المرأة: أسبابها وعلاجها

  1. القرآن الكريم:
  2. كتب التفسير:
    • تفسير ابن كثير.
    • تفسير القرطبي.
  3. السنة النبوية:
  4. كتب الفقه الإسلامي:
    • المغني” لابن قدامة.
    • فتح الباري” لابن حجر العسقلاني.
  5. كتب التراث الفقهي واللساني:
    • لسان العرب” لابن منظور.
    • معجم مقاييس اللغة” لابن فارس.
  6. البحوث الأكاديمية والمقالات:
    • مقالات وأبحاث تتناول ظاهرة غطاء رأس المرأة من منظور ثقافي واجتماعي وديني، منشورة في المجلات الفقهية والدراسات الإسلامية.
  7. القوانين والتشريعات المعاصرة:
    • اتفاقية حقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة.
  8. كتب ومصادر تعليمية:
    • حقوق المرأة في الإسلام” لمالك بن نبي.
    • الأخلاق الإسلامية” لمحمد الغزالي.
  9. كتب التاريخ الاجتماعي:
    • تاريخ العرب قبل الإسلام” لجوستاف لوبون.
    • مقدمة ابن خلدون.
  10. الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة للدكتور محمد شحرور
  11. “الحجاب في الإسلام: تاريخ وفلسفة” لأحمد أمين:
  12. المرأة في الإسلام: حقوقها وواجباتها” لمحمد سعيد رمضان البوطي:
  13. الحجاب: تاريخه، فلسفته، تأثيراته” ليوسف القرضاوي
  14. الإسلام والمرأة: رؤية قرآنية” لفاطمة المرنيسي:
  15. الحجاب: دراسات فقهية واجتماعية” لعبد الحليم أبو شقة:
  16. قضايا المرأة بين التقاليد والنصوص” لمحمد الغزالي:
  17. الحجاب: دراسة مقارنة” لجمال البنا:
  18. : السنة غير الحديث ويليه غطاء رأس المرأة حكم ذكوري وليس قرءانياً سامر إسلامبولي