عرض كتاب الزوهار (اليهودي)

نبذة عن كتاب الزوهار

يُعتبر كتاب “الزوهار” (Zohar)، أو “زوهار” كما يُعرف أحيانًا، واحدًا من أهم النصوص في التصوف اليهودي الكابالي، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. الكتاب، المكتوب باللغة الآرامية، يمثل تفسيرًا وتأملاً عميقًا في التوراة ويقدم رؤى وأفكارًا روحانية وفلسفية عن الكون، الخلق، وعلاقة الإنسان بالإله. يُعتقد أن الكتاب كُتب في العصور الوسطى على يد الحاخام موسى بن شمعون دي ليون، رغم أن بعض المؤرخين يعتقدون أنه ربما كان نتيجة تراكم كتابات من مؤلفين عدة عبر القرون.

معنى كلمة “الزوهار”

كلمة “الزوهار” تعني في اللغة العبرية “النور” أو “الإشراق”. تأتي من الجذر العبري الذي يعني “التألق” أو “السطوع”، ويُنظر إليها كرمز للنور الروحي والتنوير الداخلي الذي يُعتقد أن النصوص الكابالية تسعى إلى تحقيقه لدى القارئ. يُفهم الكتاب في سياق تعاليمه كمصدر “لنور” الروحي الذي يكشف الأسرار الخفية في التوراة، ويُعد رمزًا للانفتاح الروحي والإدراك الأعلى.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن استخدام مصطلح “التنوير” هنا يختلف تمامًا عن حركة “التنوير” التي نشأت في أوروبا في القرون السابع عشر والثامن عشر، والتي تمحورت حول العقلانية والفكر العلمي، وكذلك عن حركة التنوير الفكرية الحاصلة في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث، التي ترتبط بفهم ديني وعقلاني جديد، حيث يرتبط “التنوير” في “الزوهار” بمفاهيم صوفية دينية تتعلق بالباطن والتأمل الروحي.

مؤلف كتاب الزوهار

يُنسب الكتاب إلى الحاخام موسى بن شمعون دي ليون، وهو حاخام إسباني عاش في القرن الثالث عشر الميلادي. ورغم هذا، فإن نسبة الكتاب لموسى دي ليون ظلت موضع جدل طويل. فبعض الباحثين يرون أن “الزوهار” لم يكن عمل شخص واحد بل هو نتاج جماعي يعود إلى أفكار ومعتقدات صوفية مختلفة ظهرت على مر القرون. إلا أن شخصية موسى بن شمعون دي ليون تظل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكتاب، ويُعتبره أتباع الكابالا مرجعًا أصيلًا في التعاليم الروحية.

المحتوى وأفكار كتاب الزوهار

يُعد “الزوهار” تفسيرًا عميقًا وصوفيًا للتوراة، يعتمد على الرمزية والتفسيرات الروحانية للنصوص. يتكون الكتاب من عدة أجزاء تقدم في صورة حوار بين الحاخام شمعون بار يوحاي وتلاميذه، حيث يتم مناقشة مواضيع روحية مختلفة:

  1. الخلق والوجود: يناقش “الزوهار” مسألة خلق الكون وعلاقة الإله بالعالم المادي، ويعتمد على تفسيرات رمزية معقدة تشير إلى تكامل بين المادي والروحي في الخلق.
  2. التفسير الرمزي للتوراة: يؤمن أتباع “الزوهار” بأن للتوراة معاني عميقة تتجاوز النص الظاهري، يمكن فهمها فقط من خلال التأملات الروحية والأسرار الإلهية التي تكشفها النصوص المقدسة.
  3. المجالات الروحية والسيفيروت: يتناول الكتاب فكرة العوالم الروحية أو “السيفيروت”، وهي مستويات روحية تتوسط بين الإله والعالم المادي. تمثل السيفيروت قنوات أو أوعية للطاقة الإلهية التي تتفاعل مع الحياة الدنيا.

السيفيروت (Sefirot) هي مفهوم رئيسي في التصوف اليهودي (الكابالا) ويُشار بها إلى “العشر سفيرات” أو “عشر أوعية نورانية”، وهي تمثل مستويات أو تجليات مختلفة للصفات الإلهية. هذه السفيروت توصف كقنوات للطاقة الإلهية التي تتدفق من الإله إلى الكون، حيث يتفاعل الإله مع العالم المادي من خلالها.

السيفيروت العشر

السيفيروت تُصور عادةً على شكل شجرة تُسمى “شجرة الحياة”، وتتكون من عشر سفيرات، وهي مرتبة في ثلاثة أعمدة تمثل جوانب مختلفة من التوازن الكوني والروحي. وترتيب هذه السفيروت (من الأعلى إلى الأسفل) كالتالي:

  1. كيتير (التاج): تمثل الإرادة الإلهية العليا والجوهر الخالص للوجود.
  2. حُكْمَة (الحكمة): ترمز إلى الحكمة الإلهية ونور العقل.
  3. بِينَه (الفهم): تمثل الفهم والوعي، وتكمل الحكمة وتساعد في التحليل والتفسير.
  4. حِسَد (الرحمة): تعكس اللطف والتسامح الإلهي.
  5. جِبُورَة (الجبروت): تمثل القوة أو الصرامة، وتشير إلى جانب العدالة الإلهية.
  6. تِفِيرِت (الجمال): ترمز إلى التوازن والجمال، وتمثل المركز المتناغم بين الرحمة والجبروت.
  7. نِتسَح (النصر): ترمز إلى المثابرة والقوة، وهي قوة إبداعية مستمرة.
  8. هود (المجد): تمثل الشرف والهيبة، وتعمل مع النصر لتحقيق التوازن.
  9. يِسُود (الأساس): تمثل العالم السفلي المرتبط بالعالم الروحي، وهي نقطة الارتباط بين السمو والوجود المادي.
  10. مَلخُوت (المُلك): تشير إلى مملكة الله على الأرض، وتُمثل العالم المادي والتجسيد النهائي للإرادة الإلهية.

وظيفة السيفيروت

السيفيروت ليست كيانات مستقلة، بل تُعتبر مظاهر وتجليات للصفات الإلهية، وتُستخدم لتوضيح كيفية تفاعل الإله مع الكون من خلال سلسلة من التأثيرات الروحية. ينظر إليها على أنها خارطة للواقع، تساعد المتأملين على فهم الصلة بين الروحانيات والإله وبين الكون والإنسان، مما يمكنهم من التأمل في كل مستوى من مستويات الوجود.

الدور الروحي للسيفيروت في “الزهار”

في “الزهار”، تُفهم السيفيروت كطريق للوصول إلى الله، حيث يمكن للمتصوفين استكشاف مستويات الوعي الروحي عن طريق التأمل في هذه الأوعية. وتعتبر السيفيروت رمزًا للطريق الروحي الذي يربط الخالق بالعالم المخلوق، حيث يُعتقد أن فهم السيفيروت يمكن أن يقود الفرد إلى حالة من “التنوير” أو الإدراك الروحي العميق.

 

 

 

 

  1. النفس والروحانية: يُقدم الكتاب تفسيرات عن رحلة الروح والنفس وكيفية عودتها للإله، مشيرًا إلى أن الروح متصلة بالإله عبر شبكة من التأملات والاتحاد الروحي.

النقد الموجه لكتاب الزوهار

  1. الإشكاليات اللاهوتية: يرى بعض الدارسين أن الكتاب يقدم تصورًا عن الإله يُخالف المفهوم التقليدي للوحدانية في اليهودية، حيث يحتوي على أوصاف رمزية وتجسيمات متعددة. يعتقد بعض النقاد أن هذه التصورات تجسد الإله بطرق قد تخرج عن إطار مفهوم الوحدانية والصمدية لله.
  2. السحر والخرافات: يحتوي “الزوهار” على تفسيرات تعتمد على الأعداد والرموز، ويُعتقد أن بعض أجزائه تقدم تعاليم قريبة من الطقوس السحرية المستخدمة في الكابالا. ويرى النقاد أن هذا الجانب يجعل الكتاب يتعارض مع التعاليم الدينية ويضعه ضمن النصوص التي تعتمد على الخرافات.
  3. الغموض والتعقيد: يستخدم “الزوهار” لغة رمزية غامضة تجعل النص صعب الفهم ومفتوحًا للتفسيرات المتعددة. يرى البعض أن هذا الغموض كان مقصودًا، حتى لا يفهم النص إلا الملمون بعلوم الكابالا، إلا أن ذلك أيضًا يجعله عرضة للانتقاد باعتباره نصًا غير متاح للعموم.
  4. وحدة الوجود والحلول: يُفهم من “الزوهار” في بعض أجزائه أنه يتناول أفكارًا قريبة من وحدة الوجود أو الحلول، حيث يبدو أن الإله يتداخل في الكون ويتجلى بطرق مختلفة في الطبيعة، مما قد يتعارض مع المفهوم الأحدية والصمدية المطلقة. وقد جعلت هذه الأفكار “الزوهار” موضوعًا للجدل بين علماء اليهودية الذين يعتبرون هذه الأفكار غير مقبولة لاهوتيًا.

خاتمة

يظل “الزوهار” نصًا فريدًا ومعقدًا في التصوف اليهودي، قدم للعالم رؤية صوفية تتجاوز التفسيرات التقليدية للتوراة نحو تأملات باطنية وروحية. وعلى الرغم من أنه يعتبر من أهم الأعمال في الكابالا، إلا أنه يبقى نصًا مثيرًا للجدل والنقد بسبب ما يحتويه من إشارات تُفهم على أنها خرافية وسحرية، وأفكار تقترب من وحدة الوجود والحلول التي لا تتوافق مع العقائد التوحيدية التقليدية