الفعل اللازم والمتعدي وفعل طاق وأطاق نموذج

يمثل اللسان العربي منظومة غنية تعتمد على الجذور ودلالاتها لتشكيل المعاني. ومن بين الأفعال المثيرة للدراسة اللسانية فعل “طاق” وفعل “أطاق”، اللذان يشتقان من الجذر ط- و- ق، ويرتبطان بمفهوم الطاقة والاستطاعة. تبرز أهمية فهم الفروق الدقيقة بين هذين الفعلين عند دراسة النصوص القرآنية التي استخدمتهما بحكمة عالية، مثل قوله تعالى: “لا تُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، وقوله: “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” (البقرة: 184). ويضاف إلى ذلك قوله: “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ” (البقرة: 286). تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الفرق بين “طاق” و”أطاق” وفق المنهج اللساني والمنطقي، مع استقراء المعاني القرآنية المتعلقة بالطاقة والاستطاعة.

الهمزة في بداية الفعل ليست بالضرورة أن تجعل الفعل رباعيًا لازمًا، بل تعتمد وظيفتها على طبيعة الفعل الأصلي والهدف من إضافة الهمزة. الهمزة يمكن أن تكون للتعدية أو الإزالة أو الإحداث، وبالتالي يمكن أن تجعل الفعل متعديًا أو تحافظ على لزومه حسب السياق. دعنا نوضح ذلك بالتفصيل:

  1. الهمزة للتعدية:

الهمزة غالبًا ما تُستخدم لتحويل الفعل اللازم إلى متعدٍ، وهو الاستخدام الأكثر شيوعًا.

أمثلة:

  • جلس (لازم) → أجلس (متعدٍ):
    • جلس الطفلُ (الفعل لازم، لا يتعدى لمفعول).
    • أجلسَ الأبُ الطفلَ على الكرسي (الفعل متعدٍ بفضل الهمزة، يحتاج إلى مفعول به).
  • خرج (لازم) → أخرج (متعدٍ):
    • خرج الرجلُ من المنزل.
    • أخرج الرجلُ الكتابَ من الحقيبة.

 

  1. الهمزة للإزالة أو الإحداث:

الهمزة قد تُضاف للفعل لتدل على إزالة الفعل أو إحداثه دون أن تغيّر لزوم الفعل أو تعدّيه.

أمثلة:

  • قسط (لازم، بمعنى جار وظلم) → أقسط (لازم، بمعنى عدل وأزال الظلم):
    • قسط الحاكم في حكمه.
    • أقسط الحاكم بين الناس. (هنا الفعل بقي لازمًا رغم إضافة الهمزة).
  • فطر (لازم، بمعنى شقّ الشيء أو بدأه) → أفطر (متعدٍ، بمعنى جعله يأكل):
    • فطر الصبحُ (لازم).
    • أفطر الرجلُ الصائمَ (متعدٍ).
  1. الجذر “ط- و- ق” ودلالاته اللسانية:
  • يشير الجذر ط- و- ق إلى الإحاطة والالتفاف والقدرة على التحمل.
  • الطاقة مشتقة من هذا الجذر، وتعني القدرة المحدودة التي يستطيع الكائن الحي أن يبذلها بشكل طبيعي ضمن استطاعته.
  • من الجذر أيضًا: الطوق، الذي يرمز إلى شيء يحيط بالعنق أو يقيّد الحركة، مما يوحي بمعنى الضغط أو الجهد المبذول.
  1. الفعل “طاق”:
  2. الوصف النحوي:
    • فعل لازم في الأصل، أي يكتفي بفاعله لإتمام معناه ولا يتعدى إلى مفعول به.
    • يظهر في بعض التراكيب كأنه متعدٍ بتوسع الاستخدام.
    • مثال:
      • طاق الرجلُ للأمر: تركيب صحيح، حيث “للأمر” جار ومجرور متعلق بالفعل.
      • طاق الرجلُ الأمرَ: تركيب توسعي يُظهر الأمر كمفعول به، لكنه ليس على الأصل.
  1. الدلالة اللسانية:
    • يعبر عن التحمل ضمن حدود الطاقة الطبيعية دون تجاوزها. إلى الاستطاعة
    • يعكس حالة من اليسر النسبي، حيث الفاعل يستطيع القيام بالفعل دون استنزاف كامل لطاقة جسده أو ذهنه.
  2. القرآن واستخدام الطاقة:
    • وردت كلمة “طاقة” في القرآن، مثل قوله تعالى:
      • “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ” (البقرة: 286).
        • هنا “طاقة” تشير إلى القدرة التي يستطيع الإنسان تحملها. ضمن استطاعته ودون استهلاكها.
        • الدعاء يعكس طلب التخفيف من الله بألا يكلفنا ما يتجاوز حدود قدرتنا البشرية. ويستهلك كامل الاستطاعة، وخاصة أن المشرع حكيم ولا يمكن أن يكلفنا ما لا نستطيع فهذا ينقض اسم الله الحكيم
  1. الفعل “أطاق”:
  1. الوصف النحوي:
    • فعل متعدٍ أصلاً، أي يأخذ مفعولًا به مباشرًا.
    • يفيد القدرة على فعل معين باستهلاك لكامل الطاقة مع وجود جهد أو مشقة واضحة ربما يستغرق الاستطاعة كلها.
  2. الدلالة اللسانية:
    • إضافة الهمزة إلى الجذر أطاق تفيد التعدية.
    • الدلالة تتسع لتشير إلى القدرة مع تحمل المشقة الزائدة، أي أن الشخص يتحمل الفعل بصعوبة ولكنه ينجزه.
  3. القرآن واستخدام “أطاق”:
    • ورد فعل “أطاق” في صيغة المضارع في قوله تعالى:
      • “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” (البقرة: 184).
        • “يطيقونه” تعني تحمل الصيام مع مشقة وعبء كبيرين.
        • السياق يوضح أن الصيام يشكل طوقًا ثقيلاً عليهم، لذا أجاز لهم الفدية.
        • ومع ذلك، جاء النص بعبارة: “وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ” ليؤكد أن الصيام هو الخيار الأفضل طالما هو ضمن الاستطاعة.
  1. الفرق بين “طاق” و”أطاق”:
  1. من حيث النحو:
    • طاق: فعل لازم (أصلاً)، لكنه قد يُستخدم بتوسع ليبدو متعديًا.
    • أطاق: فعل متعدٍ يأخذ مفعولًا به مباشرة.
  2. من حيث الدلالة:
    • طاق: يدل على التحمل الطبيعي الذي يبذله الشخص ضمن حدود طاقته دون مشقة كبيرة.
      • مثال: طاق الرجلُ العملَ: العمل كان ضمن طاقته.
    • أطاق: يدل على التحمل مع وجود مشقة أو جهد إضافي.
      • مثال: أطاق الرجلُ العملَ بالبناء، العمل يتطلب مجهودًا إضافيًا.
  1. في السياق القرآني:
    • “لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”: يشير إلى التكليف ضمن حدود الاستطاعة قد يتعلق بطاقته وقد يتجاوز طاقته ويستهلكها ولكن يبقى ضمن الاستطاعة
    • “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ”: يشير إلى تحمل الصيام مع جهد كبير ومشقة زائدة (أطاق).
  1. الطاقة والاستطاعة:
  1. الطاقة:
    • تشير إلى القدرة المحدودة التي يستطيع الإنسان بذلها ضمن ظروف معينة بيسر ودون مشقة.
    • وردت في القرآن للإشارة إلى الحد الطبيعي لقدرة الإنسان:
      • “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ”.
  1. الاستطاعة:
    • مفهوم أشمل يشمل الطاقة ويتجاوزها ولكن ضمن الظروف التي تسهل أداء الفعل.
    • وردت في القرآن للإشارة إلى التكليف وبذل القدرة الكاملة: للقيام بالعمل ولو أدى لاستهلاك الطاقة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60

الخاتمة:

يتضح من التحليل أن الفارق بين “طاق” و”أطاق” يتجلى في طبيعة التحمل والجهد المبذول. “طاق” يعبر عن التحمل الطبيعي، بينما “أطاق” يرتبط بالتحمل مع مشقة إضافية وكلاهما ضمن الاستطاعة. تظهر هذه الفروق بوضوح في القرآن الكريم، مما يعكس الدقة اللسانية والإحكام فيه. فهم هذه الدلالات يعين على فهم النصوص بعمق وربطها بالسياق النفسي والاجتماعي للإنسان.