نقد طريقة فهم من يدعي حياة المسيح وأمه أو نزوله

 أهمية تفكيك الفهم الخرافي

تستند بعض التصورات إلى القول بأن المسيح وأمه ما زالا أحياء على الأرض، أو أن المسيح تحديدًا سيظهر في آخر الزمان بعد أن ظل حيًا طوال القرون الماضية. هذه الفكرة، عند تفكيكها، نجد أنها تصطدم بالمنطق، والقانون القرآني العام للموت، والقواعد اللسانية، بل وتناقض الواقع البشري والتاريخي. في هذا القسم، سنقوم بتحليل الفكر الذي يزعم استمرار حياة المسيح وأمه، ونكشف مدى بعده عن المنهج القرآني والمنظومة الكونية.

  1. الأسس التي يستند إليها القائلون بحياة المسيح وأمه

أ. استدلالهم بآية “إني متوفيك ورافعك إليّ” (آل عمران: 55)

  • التأويل الخاطئ: يعتقدون أن “متوفيك” لا تعني الموت، بل تعني أخذه إلى السماء بجسده وروحه دون أن يموت.
  • نقد هذا الفهم:
  1. التوفي في لسان القرآن لا يعني البقاء حيًا، بل يشير إلى القبض أو الانتهاء من المهمة، سواء بالموت أو بالنوم.
  2. لو كان التوفي هنا لا يعني الموت، فأين ذكر عودة المسيح إلى الأرض؟ لا يوجد أي نص قرآني يذكر أنه سيعيش لفترة ممتدة أو سيعود بعد زمن طويل.
  3. الرفع لا يعني انتقالًا فيزيائيًا إلى السماء، بل قد يكون رفع المكانة والتقدير، كما في رفع النبي إدريس ورفع ذكر محمد.

ب. استدلالهم بآية “وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين” (المؤمنون: 50)

  • التأويل الخاطئ: يظنون أن الله جعل المسيح وأمه في مكان آمن على الأرض ليبقيهما أحياء حتى آخر الزمان.
  • نقد هذا الفهم:
  1. الإيواء في القرآن دائمًا مؤقت وليس خلودًا، كما في قصة أصحاب الكهف.
  2. لم يقل الله إنهما بقيا في تلك الربوة حتى يومنا هذا، بل الإشارة فقط إلى مكان إقامتهما في زمن معين بعد الولادة.
  3. هل هذا المكان سري وخفي؟ لو كان كذلك، فلماذا لم يُذكر في النص؟ وهل يتماشى هذا مع دور المسيح كنبي مبعوث لقومه؟

ج. استدلالهم بآية “وجعلنا ابن مريم وأمه آية” (المؤمنون: 50)

  • الفهم الخاطئ: يعتقدون أن جعلهما آية يعني استمرار وجودهما الفيزيائي.
  • نقد هذا الفهم:
  1. جعل نوح آية لكن لم يبق حيًا، وكذلك إبراهيم وموسى.
  2. الآية تتحدث عن كونهما آية في وجودهما، وليس عن استمرارية حياتهما.
  3. لو كانا باقيين على الأرض، فلماذا لم يظهر لهما أي أثر تاريخي طوال العصور؟
  4. ما الفائدة من بقاء المسيح وأمه أحياء على الأرض دون أي دور لهما طوال هذه المدة؟
  5. أليس القول بذلك هو مثل القول بظهور المهدي أو غيابه في سرداب منذ ألف عام؟

 

  1. تحليل ضعف هذا الفهم من الناحية المنطقية والواقعية

أ. قانون الموت: هل يمكن أن يبقى أي إنسان آلاف السنين دون أن يموت؟

  • الموت قانون ثابت يشمل الجميع بلا استثناء، وهذا ما يؤكده القرآن في عدة مواضع:
    ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ (الزمر: 30)
    ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (آل عمران: 185)
    ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ (الأنبياء: 34)
  • لو كان يوجد استثناء، لذكره القرآن بشكل صريح، كما ذكر موت الأنبياء السابقين.
  • لو كان المسيح لم يمت، فهذا يعني أنه تجاوز جميع الأجيال البشرية دون أن يخضع لقانون الموت! فهل هذا منطقي؟

ب. هل يوجد نبي استمر خارج نطاق قومه وزمنه؟

  • كل الأنبياء الذين أرسلهم الله عملوا ضمن أقوامهم وزمنهم، ثم ماتوا.
  • لو بقي المسيح حيًا، فهذا يعني أن نبوته معطلة لآلاف السنين دون أي دور، وهذا يخالف الحكمة من بعثة الأنبياء.
  • هل هناك أي نبي أو شخصية تاريخية ادعى أنه رأى المسيح؟ لا يوجد أي دليل تاريخي أو واقعي يدعم هذا الافتراض.

ج. مخالفة هذا الفهم للواقع التاريخي

  • لا يوجد أي أثر تاريخي أو وثائقي يشير إلى أن المسيح ظل موجودًا على الأرض بعد زمن بعثته.
  • في كل العصور، لم يظهر أي شخص ادعى أنه التقى بالمسيح أو أمه.
  • لا توجد نصوص قرآنية تقول إن المسيح سيكون له دور مستقبلي في الأرض، كما هو الحال مع الأنبياء السابقين.
  1. لماذا هذا الفهم خرافي؟

أ. فكر أسطوري يعتمد على الغموض وليس على النصوص المحكمة

  • فكرة بقاء المسيح وأمه حيين ليست مبنية على أدلة محكمة، بل على فراغ نصي يملؤه الخيال.
  • عدم ذكر موت شخص لا يعني بقاءه حيًا، وإلا لكان يمكن لأي شخص أن يقول إن إبراهيم أو يوسف أو أي نبي آخر لم يمت لمجرد عدم وجود نص صريح بذلك!

ب. تأثر هذا الفهم بالخرافات الدينية القديمة

  • الفكرة مشابهة لأساطير بعض الديانات التي تؤمن بوجود “المخلّص الغائب” الذي سيعود لاحقًا.
  • لا فرق بين من يقول إن المسيح لم يمت، وبين من يعتقد أن هناك أشخاصًا سيبقون إلى آخر الزمان بقدرة خارقة.

ج. افتقاد هذا الفهم لأي سند قرآني قوي

  • لا توجد أي آية واحدة تقول إن المسيح سيعيش لفترة غير طبيعية.
  • لا توجد أي آية تقول إن الله مدَّد حياة المسيح بطريقة خاصة.
  • لا يوجد أي تصريح قرآني بعودته أو استمراره على الأرض.

الخاتمة

 لماذا القول ببقاء المسيح وأمه حيّين غير منطقي؟

  1. الموت قانون شامل لا استثناء فيه، وكل الأنبياء ماتوا ولم يبقَ أحد خارج نطاق قومه وزمنه.
  2. الرفع والتوفي لا يعنيان البقاء حيًا، بل انتهاء دوره كبقية الأنبياء.
  3. القرآن لم يذكر استمرار حياته، بل كل الدلائل تؤكد موته، وإن لم يُذكر صراحة.
  4. ادعاء حياته مبني على فراغ نصي وليس على نصوص صريحة، مما يجعله تأويلًا غير علمي.
  5. لا يوجد أي دليل تاريخي أو واقعي على استمرار وجوده، مما يجعل الفكرة غير منطقية وخرافية.

بالتالي، فإن الاعتقاد ببقاء المسيح وأمه أحياء ليس إلا تصورًا خرافيًا يفتقد إلى أي سند منطقي أو قرآني، ويتناقض مع القانون الكوني للموت ومنظومة النبوة في القرآن.

 

أسفل النموذج