الفرق بين لا النافية ولا الناهية
في دراسة بنية الجملة في اللسان العربي، نجد أن لا تدخل على الفعل لتؤدي وظيفتين مختلفتين تمامًا: فقد تكون نافية، وقد تكون ناهية. ويفترض التحليل اللساني القرآني والمنطقي أن هذه الوظائف ليست اعتباطية، بل تخضع لنظام دقيق يعتمد على العلاقات السياقية والدلالية بين أجزاء الجملة.
أولًا: لا النافية
لا النافية تُستخدم لنفي حدوث الفعل، وهي لا تؤثر على صياغته الإعرابية، أي أنها لا تغيّر شكل الفعل المضارع بعدها. ويكون معناها عدم وقوع الفعل، إما في الزمن المطلق أو في سياق معين.
خصائصها اللسانية والمنطقية
- لا تغيّر حركة الفعل المضارع، فهو يبقى مرفوعًا.
- تدل على امتناع وقوع الفعل، ولكنها لا تحمل معنى الطلب.
- يمكن أن تأتي في الجملة الخبرية ولا تقتضي تدخلًا من المخاطب.
أمثلة قرآنية على لا النافية
- ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ﴾ (النساء: 148)
هنا “لا” تنفي محبة الله للجهر بالسوء، والفعل بعدها مرفوع. - ﴿لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ (طه: 110)
نفي الإحاطة بالعلم، والفعل مرفوع.
ثانيًا: لا الناهية
لا الناهية تدخل على الفعل المضارع فتجزمه، وهي أداة طلبية تفيد الكفّ عن الفعل أو المنع من وقوعه. وهي تختلف جذريًا عن النافية، لأنها تتطلب استجابة من المخاطب، مما يجعلها جزءًا من الجملة الإنشائية الطلبية.
خصائصها اللسانية والمنطقية
- تدخل على الفعل المضارع فتجزمه.
- تدل على النهي، أي منع الفعل مستقبلًا.
- تُستخدم مع المخاطب مباشرة، لأنها تتطلب استجابة إرادية.
أمثلة قرآنية على لا الناهية
- ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ﴾ (الإسراء: 32)
هنا “لا” أداة نهي، والفعل مجزوم بحذف النون (تقتربوا → تقربوا). - ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ (النساء: 105)
الفعل “تكن” مجزوم لأن “لا” ناهية.
تحليل خاص: هل يمكن أن تأتي “لا” الناهية مع الفعل المضاعف مثل “لا يمسُّه”؟
بالنظر إلى الآية ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 79)، نجد أن “لا” هنا ليست ناهية بل نافية. لماذا؟
- الفعل “يمسُّ” لم يجزَم، بل جاء مرفوعًا بالضمة.
- السياق لا يحمل معنى الطلب أو المنع، بل يقرر حقيقة أن المسّ لا يحدث إلا للمطهرين.
- لو كانت “لا” ناهية، لجُزم الفعل وقيل: “لا يمسسه” بالسكون.
هل يمكن أن تأتي “لا” الناهية مع الفعل المضاعف؟
نعم، لكن عند الجزم يحدث إدغام مع كسر الحرف الأخير لمنع التقاء الساكنين. مثال:
- لا يمسَسْ (الأصل: لا يمسسْ)، حيث يُحذف أحد الحروف للتخفيف.
لكن بما أن “لا يمسُّه” في الآية لم يُجزَم، فهذا دليل قاطع على أن “لا” هنا نافية وليست ناهية.
هل يمكن أن تأتي “لا” الناهية مع الفعل المسند للغائب؟
النهي في العربية عادة يُوجّه إلى المخاطب، لكن هناك بعض الحالات القليلة التي يأتي فيها النهي يتعلق بالغائب، ويكون فيها السياق متضمنًا طلبًا غير مباشر.
حالات ورود لا الناهية للغائب في القرآن
- ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا﴾ (الأنفال: 59)
هنا جاءت “لا” ناهية لكنها دخلت على فعل غائب (يحسبنّ)، والسبب أن الخطاب موجّه ضمنيًا للنبي أو لمن يخاطب الكافرين، وكأن المعنى: قل لهم لا يحسبنّ. - ﴿فَلَا يُؤْذِ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا﴾ (مسند إلى غائب).
هنا النهي موجّه لكن بصيغة غير مباشرة.
الخلاصة
- لا النافية لا تؤثر على إعراب الفعل، وتنفي وقوعه.
- لا الناهية تجزم الفعل المضارع، وتُستخدم لطلب الكفّ عن الفعل.
- لا يمكن أن تكون “لا” ناهية في “لا يمسُّه” لأن الفعل مرفوع وليس مجزومًا.
- لا الناهية تُوجّه غالبًا إلى المخاطب، لكن يمكن أن تأتي في سياق الحديث عن الغائب، ويكون ذلك عادة مع معنى طلب غير مباشر.
اضف تعليقا