مفهوم الإســـلام والإستسلام

{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (آل عمران19)
لقد شاع في الأدبيات الإسلامية تعريف الإسلام بأنه الاستسلام، والانقياد التام لله، وهذا التعريف إنما هو من تساهل الدعاة والوعاظ بخطاب الناس، وليس تعريفًا له، ولكن هكذا جرت العادة في التراث، وترتب على هذه العادة ضياع حقيقة معرفة الأمر، وانتشار ما سُمِّي مفهوم الترادف بين الناس خطأ، وهو إمكانية وجود عدة كلمات مختلفة لفظًا متفقة بالمعنى، أي متطابقة في الدلالة رغم اختلافها في المبنى، ومن المعلوم أن أي اختلاف أو زيادة في المبنى يؤدي إلى اختلاف في المعنى ضرورة، فالإسلام غير الاستسلام.
فماذا تعني الكلمتان كلتاهما، وما الفرق بينهما ؟
الإسـلام
كلمة الإسلام من الفعل الرباعي أسْلَمَ يُسلم إسلامًا، التي تدل على قيام فعل من الإنسان نفسه؛ نتيجة مُحاكمة عقلية يصل بواسطتها إلى وجوب عملية الإسلام لما ظهر له من أحقِّية، فيقوم بهذا الفعل طوعاً وحراً، وهذا ثابت في واقع حال الإنسان من حيث امتلاكه الوعي والحرية، وثابت في القرءان الذي أتى منسجماً مع فطرة الإنسان فقال تعالى: { فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } (الحج34)، وهذا الخطاب الطلبي لا قيمة له لو لم يكن الإنسان قادر على أن يُسلم لله أو يرفض الإسلام بوعي وحرية، وهذا يدل على أن مجرد أن توجه الخطاب القرءاني للإنسان أمرًا ونهيًا برهان على أنه يخاطب إنسانًا واعيًا حرًا، ومن هذا الوجه لم تذكر كلمة الحرية لفظًا في الخطاب القرءاني لأنها تحصيل حاصل مثلها مثل حاجة الإنسان العضوية للهواء، ومن العبث أن تأمر الإنسان بتنفس الهواء، وكذلك الحرية حاجة نفسية فطرية بحاجة لإشباع ذاتي وممارسة على أرض الواقع، فتعلق الخطاب الإلهي بها ولم يذكرها لفظًا لأنه يتعامل معها مباشرة كواقع، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }(الكهف29)
ومفهوم الحرية ينتج عنه ضرورة المسؤولية، والمسؤولية ينتج عنها ضرورة المحاسبة، والمحاسبة ينتج عنها ضرورة الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب أسلوب تربوي وتوجيهي أثناء ممارسة الحرية في الامتحان، وهذا لا يتنافى مع حرية الإنسان ابتداء في اختياره، وينبغي عليه أن يتحمل نتيجة اختياره لأعماله لأنه واعي حر يدرك نتيجة عمله مسبقاً قبل أن يُقدم عليه، والحرية تضيق وتتوسع مع تضيق المعرفة والعلم وتوسعهما، وهذا نظام الحياة وفلسفتها.
قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } (آل عمران 83).
هذا النص قد يسيء فهمه بعض من يصيد في الماء العكر، ويدّعي إن النص كاذب ومخالف للواقع من حيث إن النص خبري وينبغي أن يكون صادقًا موافقًا مضمونه لمحل الخطاب، والواقع أنه يوجد ناس لم يسلموا لله؛ مثل اليهود و الملاحدة وغيرهم! ويصل إلى أن القرءان كذب أو ينفي مفهوم الحرية في القرءان.
ومعظم هذه الشبهات مردها لنفي العلم بمنهج القرءان واللسان العربي في عرض المفاهيم وتناولها، فالقرءان كتاب يقوم على منظومة واحدة عامة تحتوي منظومات كلية التي بدورها تحتوي على منظومات جزئية، والعلاقة بين المنظومات متكاملة ومتداخلة ومنسجمة مع بعضها، والمنظومة الكبيرة تحكم المنظومة الأصغر منها، وذلك مثلها كمثل النظام الكوني أو نظام الجسم البشري، فلا يمكن عزل جزء من منظومته ودراسته وحده! فالنتيجة حتمًا هي الضلال، والصواب دراسته في مكانه وفق منظومته التي ينتمي إليها محكوم بالمنظومة العامة لا يتناقض معها، وهي التي تحكم وتوجه دراستنا وتعرفنا بوظيفة الجزء، وفي مسألتنا المعنية بالدراسة؛ مفهوم حرية الإنسان ثابت واقعًا وقرءانًا، فهو ليس محل دراسة أو خلاف، بل وينبغي استصحابه أثناء دراسة أي نص قرءاني واستخدامه كثابت للفهم ومحور للدراسة، فإن وصلنا إلى تشكيل فهم منسجم مع المنظومة فبها ونعمت، وإن لم نصل في دراستنا إلى فهم صواب منسجم مع المنظومة ينبغي تقديم العمل بالمنظومة، وتأجيل دراسة الجزء أو تركه لغيرنا، وعدم استخدام قصورنا الفهمي لنقض الثابت، وهذه طريقة التعامل مع القرءان والعلوم والظواهر الكونية والإنسانية كلها.
ونأتي لدراسة النص
كلمة (أسلم) كما ذكرت سابقًا هي فعل رباعي تدل على الخضوع بوعي وحرية دون إكراه، وحرف(من) يستخدم للعاقل بخلاف حرف(ما) فهو لغير العاقل أو للإخبار عن الملكية أو الأشياء.
وكلمة (كَرهاً أو كُرهاً) من الفعل الثلاثي:كره يكره كرهاً وكراهية، والكره حالة تدل على نفي الرغبة في الشيء والنفور منه، مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (البقرة 216)
وهذا بخلاف الإكراه فهي من الفعل الرباعي أكره يُكره إكراهًا، وهي حالة ممارسة قمعية ونفي إرادة الغير وإجباره على سلوك معين دون رضاه، مثل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } (يونس99)، وقوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (البقرة256)
إذًا؛ كلمة (كرهًا) ليست نقيضًا لكلمة ( طوعًا) لأن نقيض كلمة (طوعًا) هي كلمة (إكراهًا)، فالشيء المشترك بين دلالة كلمة ( طوعًا) وكلمة (كرهًا) هو أن كلتيهما قائمتان على الحرية والوعي ووجود الإرادة، وتختلفان بوجود الرغبة والقَبول في كلمة (طوعًا)، ونفي الرغبة أو القَبول عن كلمة(كرهًا)، وكلتاهما متعلقتان بالحرية والوعي دون إكراه، وهذا واضح في حياتنا المعيشية فما أكثر الأفعال التي نقوم بها بحرية ووعي ونحن كارهون لها، فالنص المعني بالدراسة لا علاقة له بالإكراه لا من قريب ولا من بعيد.
وهذه نصوص تساعدنا على فهم الموضوع أكثر.
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } (الرعد15)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } (الحج18)
يسجد فعل مضارع مستمر، وفعل السجود في الواقع نوعان:
أ- سجود كوني سنني حتمي: مثل سجود الشمس والقمر والنجوم…
ب- سجود متعلق بالحرية: مثل سجود الكائنات العاقلة الحرة التي في السموات والأرض.
وأخبر النص أنه يوجد كثير من الناس يسجد، وكثير يرفض السجود، وهذا يدل على حريتهم في السجود، ولكن لا يعني ذلك نفي المسؤولية عنهم والمحاسبة.
فكلمة أسلم طوعًا وكرهًا الذي تكلم عنها النص تمثلت في الواقع بتصديق من في السموات والأرض بوجود الخالق للسموات والأرض دون شريك له، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}(العنكبوت61)، وتمثلت بسجود الكائنات العاقلة الحرة لنظام الوجود الكوني السنني طوعًا أوكرهًا،{ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } (الفتح23)، وتمثلت بالنظام القيَمي الأخلاقي الفطري الذي هو أساس العلاقات الاجتماعية، وهذا مشترك بين صورتي الإسلام الطوعي والكرهي في الواقع، وتميزت صورة الإسلام الطوعي بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهو المطلوب من قوله تعالى: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } (آل عمران20)
قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } (الحجرات 14)
عندما صار للإسلام على أرض الواقع قوة وعزة من جراء تفاعل المجتمع به، وسادت حالة الأمن والأمان لم يعد للأعراب من خيار إلا أن يتظاهروا باندماجهم في هذا المجتمع متظاهرين بالإيمان، فطلب الخالق من نبيه أن يكشف خداعهم ويقول لهم: لم تؤمنوا ولمّا يدخل الأمن والإيمان في قلوبكم، ولكنكم أسلمتم إسلام الضرورة لقوة الحق في المجتمع، ولم تُسلموا لله، لذا؛ قولوا أسلمنا، أي اضطرتنا هذه الحالة أن نكون تابعين لهذا المجتمع لانتفاء مقدرتنا على الخروج عليه، فأسلمنا له كرهاً وليس رضاً{وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} وليس لله.
قال تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة 97)، وكلمة الأعراب أتت معرفة وهي تدل على العموم دون استثناء، وهي تدل على الناس الذين خالفوا الفطرة والطهارة النفسية، وغلظ عقلهم وتبلّد سواء أكانوا من سكان البادية أم المدينة.
فالإسلام الطوعي؛ هو الأفكار التي تدخل إلى قلب الإنسان قناعة، وصدقًا، ويُحوِّلها إلى مفاهيم يُكيِّف سلوكه بحسبها، عندئذ يصير مؤمنًا، أمّا إذا بقيت أفكارًا مجردة كمعلومات لا واقع لها أبدًا في حياة هذا الإنسان؛ فلا يحل حلالًا، ولا يحرم حرامًا، ولا يفعل واجبًا، يصير مثل الأعراب تمامًا لم يدخلوا إلى دائرة الإسلام الطوعي، {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} إسلام الضرورة نتيجة قوة الحق والمجتمع.
فالإيمان (الإسلام الطوعي) هو انقياد وعمل، وليس مجرد التصديق بالأفكار، والعلاقة جدلية بين الإيمان والإسلام، إذ الإيمان حركته من الداخل إلى الخارج، والإسلام من الخارج إلى الداخل.
قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } (محمد 19)
فمجرد العلم بالأمر؛ لا يعني بالضرورة أن صاحب العلم أسلم لما عَلِمَ، لأنه يمكن ألاّ يُسلم لما علمه، ويكفر به (التغطية والإنكار) في واقع المقال، فالعلم هو الخطوة الأولى لعملية الإسلام الطوعي، وهو الباب للدخول منه إلى رحاب الإسلام، دين الله العظيم.
إذًا؛ يلزم لعملية الإسلام (الطوعي) العلم، والإرادة الواعية الحرة ابتداء، فإن أسلم الإنسان حقًا؛ صار مؤمنًا، وإن لم يسلم؛ فهو أمام احتمالين:
الأول: إسلام كرهي، وهذا لا يُعَدُّ إيمانًا بالله وإنما مجرد تصديق بوجود الخالق، والسجود لسنن الكون، والتقيد بالنظام القيمي الأخلاقي الإنساني. وهذا موجود تحت مسميات كثيرة من أهمها الربوبيون، والعلمانية المادية في أحد معانيها….
الثاني:إسلام كرهي ولكنه كافر بالقيم والأخلاق والعمل الصالح ويصير مجرمًا. قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ( القلم 35- 36 )، مع الانتباه إلى أن كلمة الكفر تدل على موقف تغطية بجهد للشيء، وليس على قناعات!
فمقابل الإسلام؛ يكون الإجرام، ومقابل الإيمان؛ يكون الكفر كضدين نقيضين احتماليين ثنائيين لحتمية الحقيقة الواحدة.
الاستسلام
أمّا الاستسلام فهو من الفعل السداسي استسلَم يستسلم استسلامًا، ويدل على الخضوع والعجز دون إرادة مع الإكراه، وذلك نتيجة ممارسة ضغط عليه أو قهر، ومن ذلك الوجه نقول: استسلم الأعداء في المعركة. إذا انقادوا قهرًا وعجزًا وضعفًا بعد أن كانوا محاربين وأعداء، فالاستسلام ابتداء لفكر، أو قائد هو انقياد أعمى مذموم، يُورد صاحبه المهالك، ويجعل من صاحبه عبدًا ذليلًا خاضعًا لا إرادة له.
قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (البقرة 256)، فعملية الاستمساك بالعروة الوثقى أتت نتيجة الكفر بالطاغوت انطلاقًا، والإيمان بالله U ابتداءً، والكفر موقف براء وانخلاع، والإيمان موقف ولاء وانتماء، وإذا حصل هذا الأمر يكون الإنسان قد استمسك بالعروة الوثقى. نحو أن نقول: من أمسك بالإيمان فقد استمسك بالعروة الوثقى. فتكون عملية الاستمساك بعد فعل (أمسك) وليس قبله أو معه.
والخالق طلب من الناس فعل الإسلام الايجابي الفعّال الطوعي، وليس الاستسلام الإكراهي السلبي المنفعل.
قال تعالى:
{ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } (الحج 34)
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (البقرة 131)
{ وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } (غافر 66)
{ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } آل عمران(20)
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } (النساء 125)
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (آل عمران 19)
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة 133)
ونخلص في النهاية، إلى أن من أسلم لله، فقد انقاد له بصورة واعية، وإرادة حرة، بينما من استسلم يكون قد انقاد قهراً بصورة عمياء دون علم أو إرادة واعية، وشتان ما بين الإسلام المنبثق من الوعي والحرية، والاستسلام المنبثق من القهر والعجز والاستعباد.
ولقد أنزل الله دينًا واحدًا بدأ بنوح، واستمر منسابًا بلطف في سياق حركته التاريخية إلى إبراهيم وموسى وعيسى؛ ليصل إلى محمد، وهذا الدين قام على مفهوم الإسلام كحجر أساس منذ نزوله{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (آل عمران 19).
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (آل عمران 67)
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (البقرة 132)
وإذا كان الأنبياء كلهم مسلمين لله، فمن الطبيعي أن يكون أتباعهم مسلمين، وليسوا يهودًا أو نصارى…
فالقاعدة الفكرية كانت واحدة، وهي الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح،{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (البقرة 62).
وهذه أركان الإسلام.