مفهوم الشرك والشريك

يُفرّق اللسان القرآني بدقة بين “الشريك” و”الشِّرك”، رغم اشتراكهما في الجذر، إذ يحمل كلٌّ منهما دلالة بنيوية مختلفة داخل منظومة الفعل والوجود.

فـ الشريك في أصل الدلالة هو الكائن أو الجهة التي تشارك في الفعل نفسه، أي التي تتداخل عملياتها مع عمليات الفاعل في إنتاج نتيجة واحدة. فالشريك لا يكون إلا في ذات الفعل، بحيث تتقاطع الإرادة والعمل في نقطة واحدة. ولهذا يُقال في المعاملات الإنسانية “شريك في التجارة” أي مساهم في نفس العملية الاقتصادية المشتركة.

أما الشِّرك في المنظور القرآني، فليس اشتراكًا في الفعل ذاته، بل هو وجود فاعلٍ مستقلٍّ داخل المنظومة الكلية نفسها، أي أن الفعل هنا ليس واحدًا، وإنما الفاعلون متعدّدون كلٌّ منهم يعمل ضمن نظام منفصل، ولكن داخل الإطار الكوني ذاته. فالشرك هو إقرار بوجود فاعلية أخرى مستقلة في المنظومة التي أصلها واحد، وهو ما يخرق منطق التوحيد القائم على وحدة الفاعل الكلي في كل المستويات.

إذن، الشريك اشتراك في الفعل الواحد، والشرك وجود فعل مستقل داخل المنظومة الواحدة.
ومن هنا جاء قوله تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأحقاف: 4]
أي: هل لهم نظام أو فاعلية مستقلة داخل البنية الكونية التي تعمل وفق قانون واحد؟ فالسؤال ليس عن مشاركة في فعلٍ جزئي، بل عن وجود بنية فاعلة موازية لمنظومة الخلق.

بهذا التمييز الدقيق، يظهر أن الشرك في القرآن ليس مشاركةً في الحدث الإلهي، بل ادّعاء وجود فعلٍ مستقلٍّ داخل النظام الإلهي نفسه، أي محاولة نصب مركز آخر للفعل في بنية الوجود.
وهذا هو جوهر الانحراف المفهومي في الشرك: ليس أن أحدًا ساعد الله، بل أن يُظنّ أن ثمّة من يعمل مثله أو إلى جانبه في كيان الخلق والتدبير.