مفهوم السببية

عند دراسة فكرة أو حدث لا يصح الجري والبحث عمن أثبتها أو نفاها بقوله، أو مستوى علمه وما يحمل من شهادات، أو عددهم كثيرًا أو قليلًا، البحث ينبغي أن يعتمد على البرهان، والبرهان ينبغي أن يكون من جنس الفكرة محل الدراسة، بمعنى أن المسألة عندما تكون رياضية ينبغي أن يكون برهانها رياضيًّا، ولا يصح طلب برهان كيميائي عليها، والعكس صواب أيضًا.
والبرهان حتى يصير برهانًا ينبغي أن يكون ثابتًا بذاته ويقينًا ،وليس هو محل شك أو اختلاف؛ لأنه سوف يكون أساسًا للبناء عليه أو معيارًا للحكم على الشيء، والبراهين أنواع حسب تعلقها بالشيء محل الدراسة، ولا شك أن أقوى البراهين هو البرهان العقلي؛ لأنه ليس نسبيًّا ويتصف بالثبات الوجودي مثل علم الرياضيات، فهو علم ثابت برهانه عقلي بخلاف الفيزياء أو الكيمياء فهي علوم نسبية متغيرة بتغير المكان، كما أن الطريقة التجريبية المخبرية تعتمد على الطريقة العقلية وتابعة لها وليس العكس.
وبما أن الإنسان يولد دون علم ويعيش في الواقع، وتتشكل عقليته من خلال تفاعل قدرته التمييزية ودماغه وحواسه مع الواقع صار الواقع بالنسبة له مصدر للتفكير والمعلومات وموضع للدراسة والتفكير بوقت واحد منه وإليه.
ومن خلال التفاعل مع الواقع نشأت الفلسفة والمنطق وظهرت مبادئ العقل أو المنطق التي منها ثبات الهوية ، بمعنى أن الشيء هو الشيء ذاته مع مرور الزمن، يعني الماء هو الماء، والهواء هو الهواء والتراب هو التراب ، وظهر أيضًا مبدأ السببية الذي يعني أن كل حادث لا بُدَّ له من مُحدث ضرورة، وكل موجود لا بُدَّ له من مُوجد، وكل فعل لا بُدَّ له من فاعل.
وهذه المبادئ العقلية أو المنطقية نتجت عن تفاعل الإنسان مع الواقع فلاحظ ثبات تلك المبادئ وتكرارها دون تخلف أو خرق لها ، فأعطى لها حكم الثبات واعتمدها في تشكيل العقل كميزان محاكمة للأشياء والتعامل معها، ولا يوجد عقل إنساني لا يقوم عليها وبها، واعتمدها في حركته العلمية والمعيشية والاجتماعية ؛ بل لا يقبل من أحد الشك بها أو نفيها؛ لأن ذلك لو حصل لعمَّت الفوضى والهلاك والجنون في حياة الإنسان وحركته الاجتماعية، لنرَ ذلك من خلال بعض الأمثلة:
– علاقة الأم بأولادها حتى ولو كانت تنفي مبدأ السببية، نجد أنها ترسِّخ مبدأ السببية في تربية أولادها والتعامل معهم، ولا تستطيع أن تبوح لهم بقناعتها بنفي السببية؛ لأنها لو فعلت ذلك لاستخدم الأولاد هذا المفهوم ضدها وأصابوها بالجنون من خلال نفيهم عن أنفسهم أنهم سبب حصول الأخطاء أو الأحداث المنزلية ونسبهم إياها للحصول الذاتي دون سبب!
– علاقة الشرطة وأجهزة الأمن مع الجرائم والأحداث، تصوروا أن رئيس الشرطة لا يؤمن بمبدأ مفهوم السببية، وحصل جرائم قتل وشغب في المجتمع كيف يتصرف رئيس الشرطة حينئذ؟ لا شك سوف يضرب بقناعته عرض الحائط، ويطلب من العناصر التحرك والبحث عن الفاعلين واعتقالهم؛ لأن الجريمة يلزمها وجود مجرم فاعل، والقتيل يلزمه وجود قاتل، وبناء على هذا المفهوم السببي يتحرك الشرطة، ولو انتفى مفهوم السببية لعمَّت الفوضى وسادت الجريمة.
– علاقة الطالب بالنجاح في امتحانه، لا تجد طالبًا ينفي مفهوم السببية، بل يقوم ويدرس ليقدم امتحانه؛ لأنه لو نفى السببية لجاز أن يترك الدراسة ويظن أنه سوف ينجح، بينما نلاحظ أن لسان حال الطلاب جميعًا يقول: من جد وجد ومن درس نجح، ومن سار وصل.
– علاقة العلماء على مختلف اختصاصهم بمحل دراستهم يقوم ابتداء على مفهوم السببية، فمثلًا عالم الفيزياء الفلكي “ستيفن هوكنغ” (رغم أنه ملحد) عندما أثبت وجود الثقوب السوداء اعتمد على مفهوم السببية؛ لأن الثقوب السوداء لم يقع الحس عليها ،وإنما وقع على أثرها من حيث احتجازها للضوء وجذب أي جسم يدخل في مجالها ؛ مما جعلها تبدو كثقب أسود عملاق.
ومن هذا الوجه أطلق عليها اسم الثقب الأسود وهو تسمية مجازية، وهذه الآثار كانت سببًا لإثبات أنه يوجد في هذه البقعة المظلمة كتلة كبيرة تتمتع بثقل وضغط وجاذبية كبيرة جدًّا لدرجة جذب كل شيء يدخل مجالها حتى الضوء.
إذن؛ مفهوم السببية ثابت عند كل الناس عمليَّا، ومن ينفيه يُبقيه في ذهنه ويثرثر به ليس أكثر ، وهو أول الناس يطبقه في حال حصل معه حدث معين، كما أنه يرفض أن يحتج بنفيه أي أحد وينسب حصول الحدث لذاته تلقائيًّا دون سبب أو فاعل!.
وثبوت مفهوم السببية العملي في الواقع دون تخلف جعله مفهومًا فطريًّا مُسَلَّمًا به لدى العقلاء لا يطلب أحد البرهان عليه، ولا يقبلون الاختلاف فيه، ولا يلتفتون لمن يرفضه ولا يأبهون لقوله.
قال الملحد: إن مفهوم السببية (لا بُدَّ لكل فعل من فاعل) لا يصلح لإثبات وجود خالق للكون؛ لأنه سوف ينسحب عليه مفهوم السببية، ويُقال: من أوجد الخالق ؟ وهكذا نبقى في دوامة ومتاهة لا نهاية لها ولا جواب، ولا يصح نفي صلاحية وفاعلية مفهوم السببية وإثبات وجود الخالق خارج مفهوم السببية، فإما أن نثبت قاعدة السببية بشكل دائم دون استثناء أو ننفيها كليَّا ونعطي للوجود صفة الوجود الذاتي التي نعطيها للخالق؟
قلت: فهمك خطأ حينما سحبت مفهوم السببية على الفاعل الأول، وذلك لأن مفهوم السببية يُطبق على الفعل والوجود الذي يحتاج في وجوده لغيره ، مثلًا لو دخلنا إلى غرفة تركناها فارغة لا يوجد فيها شيء وشاهدنا طاولة وكرسي وأدوات كهربائية وشخص جالس ، نسأل عن الأثاث والأدوات من أحضرها لعلمنا أنها لا تحضر بذاتها ولا بُدَّ لها من فاعل أحضرها، بينما لا نسأل الشخص من أحضرك؛ لأنه يملك القدرة على الحضور الذاتي.
وهذا يعني أن لا بُدَّ لكل سبب من مسبب أو لابد لكل حادث من محدث ينطبق على من يفقد القدرة على الحضور الذاتي، ولا ينطبق على من يملك القدرة بذاته على الحضور، ووجود الخالق هو من هذا القبيل، فهو واجب الوجود حاضر دائمًا بشكل لازم، ولا يصح أن نسأل من خلق الخالق؟
فهذا السؤال مغالطة لفظية متناقضة مثل مقولة: من فعل الفاعل، ومثل مقولة: من وصل قبل أول واحد، والخالق لا يُخلق؛ لأنه فاعل أزلي وليس مخلوقًا أو حادثًا، ولا يصح استخدام كلمة موجود على الله؛ لأن دلالة كلمة موجود تعني امكانية وجوده أو غيابه، بينما الله يتصف بصفة الوجود الذاتي الدائم، فهو حي قيوم صمد، ولذلك استخدم الفلاسفة كلمة (واجب الوجود) للدلالة على الوجود الأزلي لله.
والوجود على أنواع:
مستحيل الوجود، وهو ما يستحيل تعقُّل وجوده، مثل افتراض نفي الفاعل وبقاء الفعل!
ممكن الوجود، وهو ما يجيز العقل وجوده أو نفي وجوده وهلاكه، مثل الوجود الفعلي الحادث.
واجب الوجود، وهو ما يُحيل العقل نفي وجوده لتعلق وجود الوجود به كفاعل أزلي مغاير لفعله.
وانطلاقًا من عالم الشهادة الواقع المحسوس المدرك نصل إلى أن الوجود هذا هو حادث ومحدود له بداية ولا يملك القدرة على الوجود بذاته، ولا بُدَّ له من قوة مُغايرة في وجودها عنه تملك الحضور الذاتي الأزلي وهو حي قيوم كلي القدرة والعلم والحكمة .
ويوجد ثلاثة احتمالات
1- يوجد للخالق خالق قبله خلقه، تطبيقًا لمفهوم السببية.
هذا كلام متناقض؛ لأن الخالق لا يحتاج إلى خالق غيره ليخلقه وإلا انتفى عنه بداية اسم الخالق وصار مخلوقًا، ووقعنا في فرضية التسلسل التي هي نسبة وجود الحادث إلى حادث قبله إلى ما لا نهاية، بمعنى الفعل سبقه فعل ، وهكذا سلسلة من الأفعال اللامتناهية ولا ترجع إلى فاعل أول، وهذا الافتراض باطل منطقيَّا وواقعًا؛ لأن الفعل يستمد وجوده من الفاعل ضرورة، ولا يصح نسبة فعل إلى فعل، وافتراض ذلك يلزم منه الهلاك والفناء للجميع، بينما الواقع يشهد بوجودنا.
2- الخالق خلق نفسه.
وهذا تناقض فكري ولفظي لاجتماع العلة والمعلول في نقطة واحدة، وتعلق وجود كل منهما بالآخر، ووقعنا بفرضية الدور التي تعني تعلق وجود الأول بالثاني والعكس، وهي باطلة منطقيَّا وواقعًا، وهذا يوصل للفناء لكليهما لانتفاء وجود الفاعل، ويجعل كليهما فعلًا صدر من فعل أو الفعل المنفي أوجد ذاته، والواقع يشهد أن الفعل موجود وهو يدل على وجود الفاعل المغاير في وجوده للفعل ضرورة .
3- الخالق واجب الوجود وهو حيٌّ قيوم أزلي قائم بنفسه دل على ذلك المنطق والواقع المشاهد والمدرك، وبالتالي خرج من مفهوم قاعدة السببية، ولا تنطبق عليه لنفي عنه صفة الحادث أو الفعل.
الملحد: على افتراض أني وافقتك على صحة قاعدة مفهوم السببية وثبوتها، ولكن أقول لك: إن هذه القاعدة تعمل في وسط الكون وداخله ولا تعمل خارجه، وبالتالي لا يوجد مانع عقلي من قَبول فكرة وجود شيء خارج الكون يعتمد على الآخرين في تنفيذ مهامهم.
قلت: الموضوع ليس افتراضًا، بل هو حقيقة! ولا تملك أن تنفيه أو ترفضه ابتداء كمفهوم ديني وهو حق.
واعلم أن دلالة كلمة الداخل والخارج تتعلق بالمكان، ولا يصح استخدام كلمة خارج الكون، فلا يوجد إلا وجودان، الأول واجب الوجود المتمثل بالخالق الأزلي الحيِّ القيوم الصمد وهو كينونة أحدية ، والآخر هو الوجود الحادث بكل أبعاده، ولا شك أن وجود الخالق الأزلي مغاير لوجود فعله الحادث ضرورة منطقية وواقعية وإلا انتفى عنه اسم الفاعل الحيِّ القيوم الأزلي.
وما ينطبق على الفعل من أمور لا تنطبق على الفاعل وإلا انتفى عنه اسم الفاعل الأزلي وصار مقهورًا وفعلًا لغيره، وهذا باطل كما ذكرت آنفًا، وهذا يعني أن مفهوم السببية يتعلق بالفعل والحادث، ولا يتعلق بالأزلي الحي القيوم، كما يتعلق السؤال بمن أحضر الطاولة والكرسي إلى الغرفة لحاجتهم إلى فاعل ومحرك، ولا يتعلق السؤال بالشخص الحاضر في الغرفة؛ لأنه يتصف بالحركة والفعل الذاتية.
لذا؛ قولك: (إن هذه القاعدة تعمل في وسط الكون وداخله ولا تعمل خارجه، وبالتالي لا يوجد مانع عقلي من قَبول فكرة وجود شيء خارج الكون دون فاعل له ويعتمد على الآخرين في تنفيذ مهامهم) صوابٌ من حيث تعلق القاعدة السببية بالوجود الحادث، ولكن عندما عدت وذكرت إمكانية وجود شيء خارج الكون دون فاعل لتنفي صلاحية السببية، وتعطي للفعل الحادث صفة الدور أو التسلسل اللانهائي وقعت بالتناقض؛ لأنه لا يوجد شيء غير الوجود الحادث بأبعاده وبصرف النظر عن التفصيل ، بمعنى لا يوجد شيء ما سميته خارج الكون، ووصفك له بالشيء ونفي الفاعل عنه هو بالحقيقة إثبات أنه فعل حادث.
وبالتالي هو جزء من الوجود الحادث الكوني، وبالتالي لا يصح نفي عنه مفهوم السببية، فطالما هو فعل أو حادث لا بد له ضرورة من فاعل أول قائم بنفسه مستغن عن فعله، وهذا يرجعنا إلى أن مفهوم السببية صواب، ويتعلق بالشيء الحادث وهو الوجود الكوني كله دون استثناء لأي شيء منه تحت أي مسمَّى، بينما لا يتعلق مفهوم السببية بالوجود الأزلي.
الملحد: وكيف ظهر الوجود الكوني الشيئي الحادث ، أليس من شيء قبله، وهذا يوصلنا ضرورة إلى أزلية الشيء في الوجود أو تسلسل الأفعال دون بداية؟
قلت: ثبت لدينا أن الشيء حادث ضرورة، وهذا ينفي عنه صفة الدور أو التسلسل في الوجود السابق اللانهائي، ويثبت للشيء صفة البدء ضرورة، وبثبوت ذلك ظهر خطأ مقولة: (خُلق الكون من العدم) وذلك لأن العدم كلمة تدل على حال شيء فقد فاعليته وصلاحيته (مادة خام أو نفايات) ونقول: سيارة عدم، بمعنى أنها عاطلة وخربانة لا تصلح للاستخدام ، ونقول: إنسان معدم، بمعنى فقير جدًّا، ونقول: إعدام المجرم شنقًا، بمعنى زهق حياته وإهلاكه وجعله عاطلًا عن الحياة وفاقدًا لها، فالعدم هو حال شيء وليس لا شيء، وبالتالي لا يصح نسبة الخلق له؛ لأن ذلك يصير أن الكون خلق من نفايات أو مادة خام أو طاقة خامدة غير فاعلة، وبالتالي رجعنا إلى فرضية الدور أو التسلسل في الفعل إلى ما لا نهاية وهي فرضية باطلة منطقيًّا وواقعًا.
و ظهر لنا خطأ مقولة: (خُلق الكون من لا شيء) لأن القائل بذلك جعل اللاشيء شيئًا عندما نسب له الخلق، وبذلك وقع بفرضية الدور أو التسلسل الشيئي ضرورة، وهي مقولة باطلة قطعًا.
إذن؛ ما الصواب في الجواب عن كيف بدأ الخلق بصرف النظر عن التفصيل أو العنصر الأول في الخلق؟
ينبغي استحضار ما ثبت لدينا من أن الوجود الكوني هو وجود موضوعي شيئي حادث، وبطلان فرضية الدور أو التسلسل في الخلق السابق اللانهائي، وإثبات مفهوم السببية ، وإثبات وجود الفاعل الأزلي الحي القيوم المغاير في وجوده لوجود فعله، نقول: إن الخلق الكوني وُجد بعد أن لم يكن موجودًا ابتداء بإرادة الخالق العليم الحي القيوم، بمعنى أن الخلق للكون تم بعد أن لم يكن شيئًا، وهذا الكلام هو وصف لوجود الشيء الأول كيف تم وجوده وليس نسبته إلى ما قبله؛ لأنه لا يوجد شيء قبله.
الملحد: وهل من العقلانية إثبات وجود شيء بعد أن لم يكن قبله شيء؟ ونحن نشاهد في الواقع العملي كل شيء يوجد من شيء قبله.
قلت: ينبغي أن تفرق بين فعل التصور وفعل التعقل، فلا شك أن الإنسان لا يستطيع تصور إيجاد شيء بعد أن لم يكن شيئًا، ولكن يستطيع أن يتعقل ذلك بالتفكير والدراسة المنطقية، فقد مرَّ معنا إثبات ذلك منطقيَّا من خلال مفهوم السببية وبطلان فرضية الدور والتسلسل، وأن الوجود الشيئي كله حادث دون استثناء لأي جزء منه، وإثبات وجود الخالق الأزلي الحي القيوم المغاير في وجوده لوجود فعله ضرورة، وهذا هو التعقل المنطقي.
أما نفي التصور لذلك فهو شيء طبيعي؛ لأن هذا الفعل يتعلق بالخالق الأزلي، والتصور له يلزمه مقاييس أزلية وهي غير متوفرة لأحد من الخلق، وانفرد الخالق الأزلي بها وهي من مقومات ألوهيته، وإلا فلماذا هو إله أزلي؟
وعندما ابتدأ الخلق بعد أن لم يكن شيئًا صار الخلق يحصل من بعضه بصورة تفاعل وتوالد ثنائي وزوجي، وظهر صواب مفهوم أن الشيء يظهر من شيء قبله وليس من العدم أو من لا شيء، وينتهي صلاحية هذا المفهوم عند بدء الشيء الأول، كما أن مفهوم لا بُدَّ لكل فعل من فاعل ينتهي صلاحيتها بانتفاء الفعل.
ولذلك أقول: إن التصديق بوجود الخالق الأزلي الأول الحي القيوم هو موقف عقلاني منطقي واقعي، ونفي ذلك هو موقف لا عقلاني ويصيب صاحبه بالحيرة والضياع والضلال ، ولذلك نشاهد موقف الملحد دائمًا ينتهي باللاأدرية ويختبئ خلف مقولة: العلم لم ينته، ولا أدري ربما تكون هذه القواعد المنطقية خاصة بالكون الشيئي هذا، ولا تصلح ما وراء الكون، وقصد نفي صحة مفهوم السببية.
وأقول لك: اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، وما ثبت يقينًا يستمر العمل به حتى يثبت العكس، والظن لا ينفي اليقين، والموقف العقلاني يتعامل مع ما ثبت لديه، ويطرد الوسواس والتصورات اللامنطقية ، واعلم أن هذه المفاهيم هي كونية ثابتة وليست نسبية ، ومهما امتد العلم وتطور لا يمكن نفيها أو نقضها لثبوتها .
و القول بنظرية الانفجار الكوني أو التطور للخلق أو نفي ذلك، فالأمر سيان لا ينفي صواب ما ذكرت آنفًا من قواعد وقوانين ومبادئ منطقية عقلية واقعية، فهذه بالنتيجة أفعال وأشياء لا بُدَّ لها من فاعل أول ضرورة، ولا تدرس هذه المسائل من وجهة نظر دينية وإنما تدرس من خلال العلم.
أما سوى ذلك من الشبهات التي يعرضها الملحد كانتشار الشر والفساد والظلم وسفك الدماء والأمراض والكوارث الطبيعية … إلخ، فهذا لا علاقة له بدراسة إثبات بدء الخلق وأزلية الخالق، ولا يصح منطقيَّا استخدام عدم علمنا بكيفية حصول شيء أو الحكمة منه أو المقصد، بنفي أمر آخر ثبت لدينا بالبراهين، فالموقف المنطقي والعقلاني لا يخلط بين الأمور ، ويُثبت ما ثبت ويدرس ما لم يعلم سببه أو علته، وسواء وصل إلى العلم به أو لم يصل لا ينقض ما ثبت؛ لأن لكل موضوع طريقته في البحث والدراسة والبراهين، ومن باب أولى أن لا يستخدم التاريخ والتراث والأكثرية للحكم على الأمر بالحق أو الباطل، وينبغي أن تكون الدراسة موضوعية وحيادية .
عميت عين لا تراك…وفي كل شيء لك آية
تدل على أنك الواحد الأحد