برهان قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة إلا ماورد النص به أو ما دل النص عليه قطعاً)

إن الإنسان عاقل حر، وهذا يقتضي أن يكون عمله مسؤولًا وليس اعتباطًا ولاجنونَا، لأن الحرية تقتضي المسؤولية والمحاسبة، وانتفاء العقل والحرية ينفي عن الإنسان المسؤولية والمحاسبة ، أنت حر ،إذًا أنت عاقل ومسؤول عن عملك وتتحمل نتيجة اختيارك، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ }الحجر92، وهذا يعني أن الأصل في الإنسان أنه كائن مسؤول ومحاسب، وبناء على هذا المفهوم نزل الشرع القرءاني ووضع أحكامًا ومفاهيمًا تضبط سلوك الإنسان وتنظمه، ومن منظور هذا المفهوم ظهرت القواعد الأصولية من القرءان، والإنسان كائن اجتماعي وهذا يعني بالضرورة أن يتنازل الإنسان عن جزء من حريته لصالح المجتمع وينبغي أن يتقيد بنظامه، ولذلك القاعدة تقول: لايُطبق المباح الاجتماعي إلا مُقيدًا بنظام المجتمع، مثل التقيد بنظام السير .
قال تعالى:{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
نفي وجود حكم تحريم شيء يدل على إباحته في الأطعمة،
فصار معنا القاعدة : الأصل في الأطعمة الإباحة إلا النص
)أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }لقمان20
التسخير يدل على الاستخدام المجاني
وصار معنا قاعدة وهي: الأصل في استخدام الأشياء صناعة وزراعة وفنَّا، الإباحة إلا النص
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الأعراف32
وصار معنا قاعدة الأصل في الزينة و الثياب الإباحة إلا النص
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة275
وصار معنا قاعدة الأصل في البيوع الإباحة إلا النص
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30
مقام الخلافة يقتضي إطلاق يد الإنسان في حرية التصرف وفق حدود معينة لايتجاوزها.
وهذا يدل على أن الأصل في سلوك الناس الحرية والإباحة إلا النص.
وقام علماء الأصول وجمعوا هذه القواعد بقاعدة واحدة وهي:
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ماورد النص به أو ما دل عليه النص قطعاً، ولا يُطبق المباح إلا مقيداً بنظام المجتمع.
وهذا اقتضى إن من يقول بإباحة شيء يكون اعتمد على الأصل الثابت وهو برهانه، فلا يصح مطالبته ببرهان عيني على مايقول، ومن يدَّعي تحريم شيء أو وجوبه يلزمه البرهان لأنه خلاف الأصل، ولاتكليف إلا بشرع.