تحريم نكاح خالة أو عمّة الزوجة وتحريم الجمع بين الزوجة وابنة عمها أو خالها

لقد ذكر الفقهاء أن حُكْم نكاح خالة أو عمّة الزوجة مباح، والمُحرَّم إنما هو الجَمْع في نكاح المرأة مع خالتها، أو عمّتها، وذلك استنباطاً من حُكْم تحريم جَمْع الأختَيْن في نكاح واحد؛ إذْ قالوا: إن علَّة التحريم هي علاقة الرَّحِم؛ والخالة أو العمّة هما رحم للمرأة، وبالتالي؛ تأخذان حُكْم الأخت، من حيث تحريم الجَمْع في نكاحهما من باب أولى.
والملاحظ أن عملية القياس غير منضبطة؛ لانتفاء ذِكْر علَّة تحريم جَمْع نكاح الأختَيْن في النصّ، ممَّا يدلُّ على أن العلَّة المذكورة إنما هي على غلبة الظَّنِّ، وهي من مقاصد الحُكْم، وليست علَّة له، لذلك قيل بإباحة جَمْع المرأة مع خالتها، أو عمّتها في النكاح، وذلك لعدم ورود النصّ في تحريم الجَمْع بينهما في النكاح، اعتماداً على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلاَّ النصّ.
والذي نراه أن نكاح خالة المرأة أو عمّتها حرام أصلاً، مثل تحريم نكاح أمّها تماماً، فالدخول على البنات يُحرِّم الأمهات بصورة أبدية، قال تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } (النساء 23).
والنصّ أتى بصيغة الجَمْع لكلمة (الأمّ) بالنسبة للنساء؛ ليُغطِّي الحالات في الواقع الاجتماعي، فأمّ الزوجة بالرضاعة تأخذ حُكْم أمّ الزوجة الوالدة، من حيث حُرمة نكاحها، كما أن جَدّة الزوجة تأخذ حُكْم والدة الزوجة من حيث حُرمة نكاحها، فنلاحظ أن جملة (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ) قد شملت أمّ الرضاعة، والجَدّة من طرف الوالدين ، ولم تُحصَر في الأمّ الوالدة (الحماية).
وفي الواقع؛ إن دلالة كلمة (الأمّ) أوسع من ذلك، فهي تشمل أخت الأمّ (خالة الزوجة)، فكلاهما من رحم واحد (الجَدّة)، التي يحرم نكاحها مثل أمّ الزوجة تماماً، فكيف تكون الجَدّة (الأصل) مُحرَّمة، وأمّ الزوجة المُحرَّمة ابتداء، وأخت أمّ الزوجة مباح نكاحها؟!
مع العلم أن أخت أمّ الزوجة – في الواقع الاجتماعي – مثل أمّ الزوجة تماماً (الخالة أمّ)، لذا؛ لا يصحّ قياس إباحة نكاح خالة الزوجة على نكاح أخت الزوجة؛ لأن الخالة أصل، بخلاف علاقة الأخت بأختها، فهما بالمستوى ذاته من حيث ترتيب العلاقات والقرابات.
ولذلك اختلف حُكْم نكاحهما، فخالة الزوجة تلحق بأختها والدة الزوجة (الحماية)، من حيث الحُكْم، كونها أصل مثلها، أمَّا أخت الزوجة؛ فتلحق بأختها من حيث إباحة نكاحها؛ لاشتراكهما بالمستوى ذاته، ولذلك أتى النصّ بتحريم الجَمْع بينهما في النكاح، مع إباحته في حالة التفريق بموت، أو طلاق.
وما ينطبق على الخالة ينطبق على العمّة تماماً من حيث كونها أصلاً للزوجة؛ إذْ جَدّة الزوجة من طرف الأب يحرم نكاحها بالنصّ ذاته (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) مثلها مثل جَدّة الزوجة من طرف أمّها، وبالتالي؛ فالحُكْم واحد للجدَّات، والأمّ، والخالة، والعمَّة، ويحرم نكاحهنَّ بصورة أبدية، وتصحُّ القاعدة التي تقول: نكاح البنات يُحرِّم الأمهات، و العكس صواب.
وأنا أرى إن القياس على حرمة الجمع في النكاح بين الأختين ينسحب على جمع ابنة الأصول مع بعض مثل ابنة العم وابنة العمة والخالة والخال للزوجة فهم مثل الأخت ويأخذون حكم التحريم المؤقت.
من كتابي القرءان من الهجر إلى التفعيل الذي صدر عام 2007