نقاش شبهة إباحة نكاح المرأة المتزوجة

وجد رجل كندي ادعى أنه كان مسلماً لمدة ستة عشر عاماً وبعد ذلك اكتشف أن الإسلام دين يقوم على العنف والجنس؛ بل الهوس الجنسي وإذلال النساء، والدليل هو وجود السبي للنساء في الحروب وبيعهن في سوق النخاسة ونكاح ملك اليمين؛ بل السماح بنكاح النساء المتزوجات!
والمصدر الذي اعتمد عليه هذا الرجل كما ادعى هو القرءان، ولكن عمليا نشاهد أنه اعتمد على التراث وتفسير القرءان وماقيل هنا وهناك والتطبيق التاريخي المروي في كتب التراث.
وبما أن مصدر الدين هو القرءان فقط ولايشاركه في ذلك أي مصدر آخر مهما كان ومن أي كائن صدر لا التاريخ في أحداثه، ولا الروايات ولو نسبت للنبي سقطت معظم شبهاته وادعاءاته ولاتصلح للنقاش بصرف النظر عن حصول هذه الأحداث في التاريخ أو نفي حصولها، ونحن نشارك الرجل الكندي في الكفر بهذا الإسلام المفترى التراثي الذي يخالف القرءان ونعذره في موقفه ، ونأخذ عليه عدم التأكد والبحث والتحري ونقاش العلماء المعنيين ليفهمومه الإسلام الحقيقي غير أن الإسلام الوارد بالقرءان هو دين يقوم على الفطرة والمصلحة والإنسانية ، والقرءان يهدي للتي هي اقوم، وكان عليه أن يرفض أي مفهوم أو حكم يخالف الفطرة والإنسانية والمنطق لا أن يرد القرءان ويكفر به ويترك الإسلام ، رغم أني على يقين أنه لم يترك الإسلام كمضمون ولايستطيع إلا إن صار مجرماً ،لأن الإسلام كمضمون يقوم على السلم والسلام و التفكير والحرية ومنظومة القيم والأخلاق والنفع للناس، ويتعامل مع الإنسان كجنس بنوعين (ذكر وأنثى) لايفرق بينهما إلا بما هو حاصل من الفرق في الواقع .
وسأتناول شبهة قوله: إن الإسلام أباح النكاح من النساء اللاتي مازلن متزوجات، وذلك من خلال نقل رأي تراثي يتعلق بفهم نص قرءاني وهو: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}النساء24
ينبغي أن نتجنب طريقة تعامل معظم المسلمين مع القرءان بشكل مجزء ، واقتطاع جملة من نص أو سياق وفهمها بمعزل عن ذلك وبعيد عن المنظومة التي تنتمي إليها المسألة، فهذا عمل اعتباطي يوصل إلى مفاهيم أو أحكام شيطانية كما تلاحظون في التراث، ولذلك أول خطوة هي إرجاع الجملة إلى محلها من النص وقراءتها وفق السياق وملاحظة علاقتها بالنص الذي قبلها وتشكيل رؤية عامة من خلال المنظومة.
النص هو:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء23{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }النساء24
النص يعدد محرمات النكاح الدائمة وبدأ بتحريم الأمهات واستمر بذكر البقية وانتهى بذكر تحريم الجمع في نكاح واحد بين الأختين وأنهى النص وبدأ بنص جديد ذكر فيه تحريم آخر وهو ( والمحصنات من النساء ..) وهذه الجملة معطوفة على ماقبلها في التعداد وتابعة لبدء النص الأول وهي جملة ( حرمت عليكم) ، وهذا يعني أن النساء المحصنات محرم نكاحها، والنص هذا هو نص عام ودائم وإنساني لاعلاقة له بحرب ولا سبي نساء ولا أي شيء مما ذكر في التراث، ولذلك يجب استبعاد فهم التراث وعدم نقاشه لأنه أقحم بالموضوع إقحاماً ودساً، وخاصة أنه لايوجد في القرءان كله مفهوم يتعلق بسبي النساء ولا حتى ذكر لكلمة سبي.
ومفهوم إحصان المرأة يكون على عدة أوجه:
– إحصان عفة وإخلاق ، وهو أصل واجب على المرأة بصورة دائمة بصرف النظر عن مقامها الاجتماعي.
– إحصان إجتماعي وأسري، وهذا يرجع لطبيعة مقام المرأة في المجتمع ومكانتها، وهذا ينطبق على الرجل ايضاً.
– إحصان زواج، شمل دعم لإحصان العفة و الأخلاق، وشمل الإحصان الاجتماعي لأن الزوج يمثل الحصان للزوجة التي تحتمي به .
وبناء على تلك الصور للإحصان يكون المعنى في تحريم نكاح المرأة المحصنة ضرورة ليس إحصان العفة لأنه أصل، ولا إحصان المجتمع فهذا طبيعي، وإنما إحصان الزواج ، وبدليل أن النص القرءاني أحل نكاح المحصنات في نص آخر {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ …}النساء25
ويتابع النص الآخر التفصيل واستثنى من جملة (حرمت عليكم ) بعد أن ذكر محرمات النكاح وأنهاها بذكر تحريم نكاح المرأة المحصنة بالزواج، نكاح من ملك اليمين بقوله ( إلا ماملكت أيمانكم) فتكون هذه الجملة راجعة لبدء النص الأول ( حرمت عليكم) وليس للجملة التي قبلها مباشرة ( والمحصنات من النساء)، والحكم هو خطاب للرجال عموماً ذكر محرمات النكاح وصوره وتفصيله يخبره أن هذه الصور محرمة ومستثنى منها ملك اليمين من غير هؤلاء المذكورين ، بمعنى لو كانت أحد النساء المذكورات بالتحريم من ملك اليمين يحرم نكاحها، وأحل له ما وراء ذلك خارج دائرة محارم النكاح التي منها ضرورة المرأة المحصنة بالزواج بصرف النظر عن مقامها الاجتماعي أو وضعها.
أما مفهوم ملك اليمين فله بحث آخر ولاعلاقة له بالرق وأسرى الحرب قط.
وهذا رد على شبهة واحدة كنموذج لسوء التطبيق التاريخي وخطأ فهم التراث لمفاهيم القرءان التي تدفع المسلمين للكفر وتمنع غير المسلمين من الإيمان به !