الخنزير صفة أم اسم حيوان أم كلاهما

القرآن قد ذكر اسم مجموعة من الحيوانات،نحو الحمار {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5 ، والبقرة، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }البقرة67، والكلب {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176 وبالتالي فلا مانع من ذكر اسم حيوان معين، والسؤال المعروض هو: هل ذكر القرآن كلمة الخنزير اسم حيوان أو صفة للخنزرة أو كلاهما ؟
بداية ينبغي أن نعرف أن حيوان الخنزير معروف قبل نزول القرآن ، وورد اسمه في كتب النصارى القديمة، وكان يُطلق عليه اسم الخنزير، ونزل النص القرآني وذكره{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } (المائدة60)، فالقردة حيوانات معروفة، وكذلك الخنازير، فهذا النص صريح في أن كلمة خنزير تُطلق على حيوان معين ، ومعروف من قبل الناس ، أما عملية الجعل لمجموعة من الناس قردة ، وخنازير التي حصلت ، وما زالت تحصل، فهي لا شك بأنها للوظائف أو الطباع، وهذا دلالة كلمة ( جعل ) التي تدل على تغير في الصيرورة ، انظر إلى قوله تعالى لإبراهيم:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } البقرة (124)، فعملية الجعل توجهت نحو الصفة ، لا نحو الصورة ، فإبراهيم مازالت صورته البشرية كما هي ، ولكن صار إماماً للناس ، ولمعرفة عملية الجعل التي تمت لهؤلاء ، يقتضي دراسة وظائف وطباع القردة والخنازير سلوكاً أو وظيفة ، وملاحظته في سلوك البشر، وكيف صاروا قردة وخنازير من حيث المضمون؛ مع محافظتهم على الصورة البشرية ظاهراً .
إذاً ، الخنزير كلمة تُطلق على حيوان معين لتحقق صفة الخنزرة فيه، لأن كلمات اللسان العربي مرتبطة بمحل خطابها بعلاقة علمية منطقية ، وليست اعتباطية، والقرآن ذكر كلمة الخنزير دلالة على الحيوان المعروف بهذا الاسم ، كما ذكر كلمة الحمار، والبقرة ، دلالة على الحيوانات المعروفة بهذا الاسم ، فدلالة كلمة (الحمار) في القرآن؛ هي ذات الدلالة الثقافية السائدة بين الناس ، وبالتالي فهي تدل في الواقع على الحيوان المعروف باسم الحمار، أما عملية استخدام هذه الكلمات ، هل كان على وجه الحقيقة، أو على وجه التشبيه ، والتمثيل بالصفات ، والطباع ، فهذا يُعرف من خلال سياق النص ، ومحله من الخطاب ،نحو {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } (الجمعة 5)، { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ } (الأعراف 176)، فحرف (ك) يدل على التشبيه، وليس على الحقيقة، فهؤلاء شاركوا الحمار بصفاته دون صورته ، ودلالة كلمة الحمار في النص تدل على حيوان معروف في ثقافة اللسان العربي، ومن هذا الوجه نصل إلى إمكانية وجود حمير، وكلاب ، وقردة ، وخنازير بصورة بشرية، تتشبه بالإنسان ، وتلبس الملابس، وتعيش بين الناس .
ونصل الآن إلى النص الذي ذكر تحريم تناول لحم الخنزير طعاماً وهو:
1- {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (الأنعام 45)
2-{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } (المائدة 3)
أول نقطة ينبغي تثبيتها هي أن كلمة ( الخنزير ) في اللسان العربي قرآناً وثقافة تُطلق على حيوان معين لتحقق صفة الخنزرة فيه، والنص المعني بالدراسة يذكر حكم طعام أشياء مادية، وأتت كلمة (خنزير) بصياغة المضاف إليه ، ما يدل على أن كلمة خنزير في النص، لا تدل على صفة، وإنما تدل على الحيوان المعروف في اللسان العربي، ولو كانت كلمة خنزير في النص تدل على صفة اللحم ؛ لا على حيوان معين ومعروف ، لكان ينبغي أن تأتي صياغة الجملة (لحمَ خنزيرٍ) مثل صياغة ما قبلها من الكلمات أي (أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحماً خِنزيراً (أو مُخَنزراً) )، وبالتالي يكون صواباًً فهم من قال :إن التحريم متعلق باللحم المخنزر؛ لا بالحيوان المعروف،ولكن أتت بصيغة { و لَحْمُ الخِنزِيرٍ} وكذلك النص الآخر كان ينبغي أن يأتي بصيغة (حُرمت عليكم الميتةُ والدمُ واللحمُ الخِنزيرُ (أو المخنزرُ) ، ولكن أتى بصيغة المضاف{ وَلَحْمَ خنزير}، ومن المعروف أن المضاف سُمِّي كذلك لأنه أضيفت دلالته إلى ما بعده؛ الذي سُمِّي مضاف إليه ، وبالتالي فمحل الحكم تَقيَّد بالمضاف إليه؛ لا بالمضاف، نحو قولنا: لحمُ البقرِ، فالكلام محصور بحيوان البقر، { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } الحجرات(12، فالخطاب متعلق بكلمة (أخيه) لا بكلمة (لحم) ، وذكر كلمة (ميتاً) لبيان صفة الأخ؛وذلك لإعطاء المعنى والمقصد صفة الكره ، والنفور، والتقزز (فكرهتموه) ولا يمكن فهم أن أكل لحم الأخ وهو حي مباح!.
ومجيء كلمة خنزير دون ال تعريف في النص الآخر( لحم خنزير) لتدل على صفة اللحم المخنزر عموما وهي تشمل حيوان الخنزير كون لحمه مخنزرا ولكن هذا لايعرف إلا بالنص لذلك أتى نص بكلمة ( لحم الخنزير) بالتعريف ليثبت حكم التحريم له.
وكان الأَولى على من قال بأن دلالة الخنزير صفة؛ لا حيوان معين، أن يُثبت ما أثبته النص من تعلق حكم التحريم بحيوان الخنزير، ومن ثم تفعيل مقصد التحريم، والقول: بأن كل لحم يتخنزر يحرم أكله، وهذه الصفة (الخنزرة) للحم هي عارضة وليست لازمة، وبالتالي يدور حكم التحريم معها، ويزول بزوالها، بخلاف حيوان الخنزير؛ فصفة الخنزرة صفة لازمة لبنيته الجسمية،حيث أنها نظام وقانون تحكم حياة جسمه، لذلك أتى ذكره في النص عَيناً ، وسُمِّي هذا الحيوان خنزيراً ، وبالتالي يستحيل رفع أو إزالة هذه الصفة عنه بواسطة التطهير، أو التعقيم، أو المعالجة.
مفهوم كلمة لحم الخنزير
ربما يسأل أحدهم؛ لماذا تم ذكر كلمة (لحم) قبل الخنزير؛ ولماذا لم تأت صياغة الجملة كالتالي (حرمت عليكم الميتةُ والدمُ والخنزيرُ )؟ وما نفهمه من دلالة كلمة الميتة ينسحب على دلالة كلمة الخنزير؛ ويتم الوصول إلى حكم تحريم أكل حيوان الخنزير لحماً، وشحماً ، ودهناً، وهذا سؤال في محله، ولكن؛ ما ينبغي نقض ما هو ثابت لمجرد اعتراض شبهة أو سؤال، فاليقين لا يزول إلا بيقين مثله، والظن والشبهات مهما كَثُرت لا ترفع أو تنقض اليقين ، وغير مطلوب من الدارس أن يقوم بعملية الجواب على كل ما يخطر في ذهن الناس من شبهات ، وإنما يطلب منه إثبات رأيه ببرهان، فإن حصل ذلك، يتم تثبيت الرأي ، وتفعيله، والتعامل معه ، والبناء عليه ، مع محاولة دراسة الشبهات والأسئلة التي تُثار حول الموضوع لرفع مستوى البحث وتطوره ، أما رفض الفكرة المبرهن عليها بحجة أنه يوجد كثير من الأسئلة والشبهات التي لم يتم الجواب عليها ، فهذا موقف غير علمي ، وسوف يبقى السائل واقفاً في محله لا يتطور، ولا يستفيد من الصواب ، والعلم شيئاً ، والثابت في مسألتنا أن حكم التحريم متعلق بالخنزير (الحيوان المعروف ) لما مرَّ ذكره آنفاً من مجيء صياغة التحريم بالإضافة؛ لا بصياغة الصفة، أما ذ كر كلمة (لحم) قبل الخنزير؛ فهي لا تدل على حصر التحريم باللحم المعروف فقط، وإباحة أكل شحم الخنزير أو دهنه أو شرب حليبه، ولمعرفة ذلك لابد من دراسة أسلوب خطاب القرآن ومحله من الواقع كيف يتم عملية إسقاطه وفهمه، انظر إلى { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء 23)، فمن خلال عملية إسقاط النص على محله من الخطاب نصل إلى أن المنهي عنه هو جزء لا يتجزأ من كل، ألا وهو الأذى للوالدين، فنقول : إن النهي عن الضرب أو الركل للوالدين من باب أولى، ونصل إلى أن أحد أساليب الخطاب القرآني هو: ذكر الجزء ويقصد به الكل، لأن الجزء متعلق بالكل ضرورة، وانظر أيضاً { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } ( نوح 7)، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } (يوسف 82).
فعندما نُسقط هذا الخطاب على محله من الواقع؛ نصل ضرورة إلى أن الأصبع كله لا يمكن وضعه أو إدخاله في الأذن، وإنما يُقصد بالخطاب أطراف الأصابع ونهايتها، وكذلك دلالة كلمة (القرية والعير) فالمقصد منها هو الناس ، وليس الجدران أو البعير، ومن خلال ملاحظة هذا الأسلوب نصل إلى أن من أحد أساليب الخطاب في القرآن هو استخدام الكل؛ ويقصد به الجزء منه ضرورة واقعية.
لذا،لا يمكن الاستغناء عن الواقع الذي هو محل الخطاب في عملية فهم ودراسة الخطاب ذاته، والفصل بين النص والواقع يقتضي عملياً القضاء على دلالات النص في الواقع، والوصول إلى أفهام وتصورات وهمية؛ لا تمت إلى روح النص بشيء؛ مع مخالفتها لمحلها من الخطاب.
وعود على بدء
إن كلمة ( لحم ) تدل على كل ما ينمو وينبني حول شيء ، ومن ذلك الوجه نستخدم كلمة(لحم) لوصل قطعتي الحديد مع بعضهما ، انظر إلى قوله تعالى : { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً } (المؤمنون14) ، وهذا يدل على أن كل مادة عضوية دخلت في عملية الإكساء تُسمى لحماً ، انظر قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } (النحل 14) ، فكلمة اللحم شملت كل ما تم لحَمُه على عظام الحيوان من أي مادة عضوية، شحماً أو دهناً أو لحماً .
أما استخدام كلمة (لحم) بين الناس على المادة العضوية الحمراء فقط ، فهذا استخدام عُرفي لما يهم الناس غذاء من نوع اللحم عموماً ، و هي المطلب الغذائي الأول ، والأهم في الحيوانات ، فهل يُعقل في واقع الإنسان أن يقوم بتربية حيوان أو صيده ليتغذى على شحمه ودهنه؛ ويرمي الباقي للكلاب !، فإباحة لحم حيوان دليل على إباحة كل ما يَلحُم في بنية جسم الحيوان من شحم أو دهن ، وما شابه ذلك من الأمور، التي يمكن أن يتغذى عليها الإنسان، ولولا وجود نص يحرّم الدم لدخل في حكم الإباحة العام، أما ذكر تحريم الجزء في بنية الشيء؛ فما ينبغي أن ينسحب الحكم إلى الشيء كله، وإنما ينبغي حصره في الجزء فقط ، مثل تحريم شحم الأنعام على بني إسرائيل سابقاً، { وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } ( الأنعام 146)، فمادة الشحم مادة جزئية ، بينما دلالة كلمة (اللحم) مفهوم عام في بنية الحيوان، فتحريم شحم حيوان؛ لا يفيد تحريم لحمه، بينما تحريم لحم حيوان ؛ يفيد حرمة كل بنية الحيوان، لأن اللحم هو المادة التي التحمت ونَمت على عظام الحيوان.
فذكر كلمة (لحم) في النص هي من باب ذكر صفة النمو والالتحام للمادة العضوية للجسم كله ، وهذا أسلوب قرآني ، وبالتالي الاعتراض على ذلك هو مثل الاعتراض على هذه النصوص{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } ، وانظروا هل كراهية أكل لحم الأخ الميت هو خاص بالمادة الحمراء ويمكن أن يحب الإنسان اكل الشحم و الدهن، أنزل الله نصاً عربياً ينبض بالحياة، خاطب به الإنسان، وجعله يشارك في تحديد معانيه ومقاصده من خلال إسقاط الخطاب على محله من الواقع، بصورة علمية منطقية، فالقرآن خطاب حيوي؛ صدر من حي إلى أحياء عقلاء.
أما شبهة أنه يوجد حيوانات أخرى أكثر قذارة وخبثاً من الخنزير، ومع ذلك لم ينص الشارع على تحريمها عيناً ، فالجواب على ذلك، هو أن الله قد وصف الخنزير بالرجس، التي تدل على الاختلاط والتداخل بين الطيب ، والخبيث مع غلبة الخبث على الطيب ، وعندما ذكر الشارع اسم الخنزير في النص؛ دل على أن صفة الرجس في هذا الحيوان صفة لازمة لا تنفك عنه أبداً ، وهي كامنة في بُنيته الجسمية بصورة قانون يحكم عملية نمو الجسم ، ويعلمنا من خلال ذلك أن نقوم بالامتناع عن تناول أي لحم رجس حتى يطهر؛ ويغلب عليه الطيب، فالحكم يدور مع العلة ثبوتاً ونفياً، ويصدر حكم أكل الحيوانات من نوعية غذائها، فإن كانت من الكائنات اللَمَّامَة ، التي تنظف البيئة من الجيف، والقاذورات ، والأوساخ يكون حكمها النهي عن أكلها، مثل جرذ المجاري، والعقبان ، والفئران ، والذباب ، والديدان ، والصراصير، فهي من الخبائث، ويلحق بها بهائم الأنعام التي تتغذى على القاذورات أو الأشياء العضوية، وينبني جسمها من ذلك، وتصير رجساً مثل البقر والغنم المجنون، ويرتفع عنها حكم النهي إن تم علاجها وعُلفت بغذاء طاهر، وغَلب الطيب على الخبث فيها، وإن حصل ذلك ينتفي عنها صفة الرجس، فالحكم يدور مع العلة، وبذلك يكون الشارع قد أعطى للإنسان معياراً يستخدمه في معرفة حكم تناول لحم الحيوانات الموجودة على الأرض، وهو نوعية الغذاء الذي تتغذى عليه الحيوانات .
والخنزير حيوان لاحم، نباتي، لمَّام ، فهو يأكل كل شيء أمامه، حتى أنه يأكل الأولاد الصغار إذا جاع، ويُشَّبهه العلماء بحاوية قاذورات متنقلة، ولا يمكن تغيير طباعه، ولو تم مراقبة علفه، فسرعان ما يعود إلى طبيعته القذرة، فهي صفة لازمة له، وبنيته الجسمية مخنزرة، لذلك تم إطلاق عليه اسم الخنزير.
مفهوم كلمة خنزير
ماذا تعني كلمة ( الخنزير ) ؟
أصل كلمة الخنزير، خنزر، وهي كلمة رُباعية مؤلفة من مقطعين ثنائيين، وهما:
خن + زر .
خ : صوت عربي يدل على رخاوة وضعف وليونة .
ن : صوت عربي يدل على ستر واختفاء .
ز : صوت عربي يدل على بروز متصل .
ر : صوت عربي يدل على تكرار .
وضد (خنز) مبنى ومعنى، هي كلمة (زنخ) التي تدل على بروز رائحة أو طعمة لشيء بصورة مستورة منتهية برخاوة وليونة وضعف، وتحقق ذلك بظهور فساد طعام أو خبثه ، فنقول عنه: طعام زنخ، إذا كان كريه الرائحة أو الطعم، وكلمة (خنز) من حيث المعنى (حركتها في الواقع) ضد معنى كلمة (زنخ) أي تدل ابتداءً على رخاوة وليونة في بنية الشيء تبرز بصورة متصلة فيه كله، وعندما شاهد الإنسان الفطري (كجنس) هذه الصفة متحققة بالحيوان الذي لا يقف عن عملية الخنز؛ أضاف للكلمة صوت (الياء) لتدل على جهد خفيف ممتد زمانياً، وأنهاها بصوت (الراء) لتدل على تكرار هذه العملية فصارت كلمة (خنزير) تدل بمجموع أصواتها على رخاوة وليونة تبدأ من داخل البنية إلى أن تبرز منه بصورة متصلة ممتدة بجهد خفيف، منتهية بتكرار العملية دون توقف.
فكلمة (خنزير) لا تدل على قسوة أو صلابة أبداً ، ولا يوجد في اللسان العربي كلمة تبدأ بحرف ( خ ) تدل على قسوة أو تصلب ، ولو كانت تدل على ذلك لبدأت بصوت يدل على وقف أو قطع شديد الذي هو دلالة صوت (ق) أو بدأت بصوت يدل على حركة محددة متصلة وهو صوت (ص) انظر إلى دلالة كلمة (قاسي، صلب) أو انتهت الكلمة بأحد الأصوات التي تدل على القسوة والشدة والتيبس مثل (التشنج، القديد) فعندما نقول: خنزر اللحم، لا نقصد أنه صار قاسياًَ أو صلباً، وإنما نقصد أنه أصيب بصفة الرخاوة في بنيته من خلال تحلل ذراته داخلياً وتغير فيها إلى أن برز ذلك بصورة متصلة من الداخل إلى الخارج ، مع استمرار تلك العملية، ومآل هذه العملية في الواقع، هو الفساد والخبث للحم كله؛ ويمكن أن يظهر بصورة القساوة، أو التحلل لبنيته وتفككها، فهذه صور لظهور الخنزرة ، وليست دلالتها الأصلية، وبذلك يظهر لنا دلالة كلمة (خنزير) أنها تدل على كائن يقوم في بنيته الجسمية بعملية مد وصنع الفساد والخبث، ومن هذا الوجه تم إطلاق اسم الخنزير على الإنسان الذي صارت بنيته النفسية مصنع للفساد والخبث، بصورة لازمة فائضة، وظهرت بصورة القساوة للقلب، والفساد للطباع، وصارت كلمة الخنزير في معظم الثقافات الإنسانية شتيمة وذم وقدح ، بخلاف كلمة غزال أو حصان .
معلومات طبية عن الخنزير
1- الأضرار الصحية لتناول لحم الخنزير(1)
الفرق بين لحم الخنزير و غيره من اللحوم :
يحتوي لحم الخنزير على كمية كبيرة من الدهون، و يمتاز باندحال الدهن ضمن الخلايا العضلية للحمه ، علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية فيها.
بينما لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي، و لا تتوضع في خلاياه، وإنما تتوضع خارج الخلايا، و في الأنسجة الضامة .
و قد أثبتت الدراسات العلمية ، أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب فإن دهونها تستحلب في أمعائه و تمتص ، و تتحول في جسمه إلى خلايا إنسانية ،أما لحم الحيوانات آكلة اللحوم و الخنزير فأن استحلابها عسير في أمعائه و جزيئات الغليسرين الثلاثية لدهن الخنزير تمتص كما هي دون أي تحول و تترسب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية .
و الكولسترول الناجم عن تحلل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كولسترول جزئي كبير الذرة، يؤدي كثيراً إلى ارتفاع الضغط الدموي، وإلى تصلب الشرايين، و هما من عوامل الخطورة التي تمهد لاحتشاء العضلة القلبية ، و قد وَجد البروفسور roffo أن الكولسترول المتواجد في خلايا السرطان الجوالة يُشابه الكولسترول المتشكل عند تناول لحم الخنزير .
و لحم الخنزير غني بالمركبات الحاوية على نسب عالية من الكبريت، و كلها تؤثر على قابلية امتصاص الأنسجة الضامة للماء؛ كالإسفنج مكتسبة شكلاً كيسياً واسعاً، و هذا يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في الأوتار، و الأربطة، و الغضاريف بين الفقرات، و إلى تنكس في العظام .
و الأنسجة الحاوية على الكبريت تتخرب بالتعفن منتجة روائح كريهة فواحة لانطلاق غاز كبريت الهدروجين. و قد لوحظ أن الآنية الحاوية على لحم الخنزير، على الرغم من أنها مُحكمة السد إلا أنه يتعين إخراجها من الغرفة بعد عدة أيام نظراً للروائح الكريهة النتنة، و غير المحتملة الناجمة عنهاً.
و بالمقارنة، فإن لحوماً أخرى مختلفة خضعت لنفس التجربة ، فإن لحم البقر كان أبطأ تعفناً من لحم الخنزير، و لم تنطلق منه تلك الروائح النتنة ، و يحتوي لحم الخنزير على نسبة عالية من هرمون النمو، و التي لها تأثير أكيد للتأهب للإصابة بخامة النهايات، علاوة على تأثيره في زيادة نمو البطن ( الكرش)، و زيادة معدل النمو، و خاصة نمو الأنسجة المهيئة للنمو و التطور السرطاني .
و حسب دراسات roffo فإن تلك الوجبة الدسمة الحاوية على لحم الخنزير تُعَد الأساس في التحول السرطاني للخلايا لاحتوائها على هرمون النمو، علاوة على أثرها في رفع كولسترول الدم .
2- الأمراض التي ينقلها الخنزير
لقد حَرَّمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير ، و نفذها المتدينون امتثالاً لأمر الله الخالق سبحانه، و طاعة له ، دون أن يناقشوا العلة من التحريم ، لكن العلماء المحدثين توصلوا إلى نتائج مدهشة في هذا المجال : أليس من المدهش أن نعلم أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من (450) مرضاً و بائياً ، و هو يقوم بدور الوسيط لنقل (57) منها إلى الإنسان ، عدا عن الأمراض التي يسببها أكل لحمه من عسرة هضم، و تصلب للشرايين و سواها. و الخنزير يختص بمفرده بنقل ( 27 ) مرضاً وبائياً إلى الإنسان، و تُشاركه بعض الحيوانات الأخرى في بقية الأمراض، لكنه يبقى المخزن، و المصدر الرئيسي لهذه الأمراض : منها الكَلَب الكاذب، وداء وايل، والحمى اليابانية، و الحمى المتوهجة، و الحميرة الخنزيرية، و الإلهاب السحائي، وجائحات الكريب، و أنفلونزا الخنزير، و غيرها.
3- ماذا نعرف عن الخنزير:
الخنزير حيوان لاحِم عشبي تجتمع فيه الصفات السَبعية والبهيمية، فهو آكل كل شيء، وهو نهم كانس، يكنس الحقل والزريبة، فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات بشراهة ونهم، وهو مفترس يأكل الجرذ والفئران، وغيرها ، كما يأكل الجيف، حتى جيف أقرانه .
يقول الإمام الدميري : إنّ الخنزير شرس الطباع، شديد الجماع، شبق، تكتنف حياته الجنسية الفوضى، ولا يخصص لنفسه أنثى معينة.
ويروي د. هانس هايترش قصة طريفة جرت في أحد المشافي العسكرية، حيث كانت هناك حظيرة للخنازير ملحقة بالمشفى، وتعيش على النفايات والفضلات، ويُذبح أحدها كل شهر طعاماً للمرضى، والعاملين في المشفى. وفي أحد الأيام تدافعت الخنازير على الفرن المملوء بالضمادات المضمخة بالقيح، والمهيأة للحرق فالتهمتها.
وتوفيراً للعلف، قررت إدارة المشفى مَن ثم، أن يُصبح نصف الضمادات المبللة بالقيح طعاماً للخنازير، وهكذا أصبحت دماء تلك الخنازير مفعمة بالسموم والذيفانات. ولنتصور الآن مرضى هذا المشفى وأكثرهم مصابون بنواسير، كعقابيل للكسور الناجمة عن الطلقات النارية، إنهم يُغَذون بلحم خنزير مشبع بالسموم، فبدلاً من الشفاء، يُوَلد عندهم هذا اللحم هجمة جديدة من الالتهاب والتقيح.
ومن هنا نفهم كيف أن معاني الرجس قد استقر في أذهاننا التصاقها جميعاً بالخنزير، فهو لا يكاد يرى إلا وأنفه في الرغام. وإن نفورنا وتقززنا من هذا الحيوان ليس قاصراً علينا ـ نحن المسلمين ـ ففي كل من أوربا وأمريكا، ورغم أن تجارة الخنازير عندهم وتربيتها رائجة، ويتخذون منه دمى لأطفالهم ومع ذلك فأسماؤه، على اختلاف لغاتهم، تعد سبة لا يقذفون بها إلا كل زري ذميم ..‍