أساس دراسة الوحدانية سورة الإخلاص

إن الدارس لعلم الوحدانية يجد أن معظم الأبحاث والمؤلفات لم تعتمد في دراستها على سورة الإخلاص، وإنما انطلقت من مصطلحات وضعها من سبق، وتقيد بها من لحق، إما شرحاً أو اختصاراً أو وضعها بشكل منظومة، واستمر الأمر كذلك، فيعود الجيل اللاحق لشرح المنظمة واختصار الشرح وهكذا دواليك كل جيل يقوم بعملية علك المعلوك، فلا يضيف أحد منهم شيئاً مع العلم أن البحث السابق تأثر بشكل كبير في الوسط المعرفي والسياسي الذي انطلق منه، فأدخلوا فيه مالايكون من أسس البحث ولكن الظروف والملابسات التي يعيشها الباحث تجعله يتأثر في بيئته ويتفاعل معها بشكل مبالغ فيه فيضع في بحثه مسائل فرعية ليست هي من صلب البحث ولا من فروعه. نحو إقحام مسألة مسح الخف في بحث الوحدانية، ومسألة الدجال والمهدي، والتقية والإمامة، وما شابه ذلك من مسائل لا علاقة لها ببحث علم الوحدانية أو توحيد عبادة الله.
فلذلك يجب ضبط البحث، وعدم علك المعلوك لأن ذلك لا يزيد الأمة إلا نصباً، ولأن هذه العملية إنما هي طاقة تهدر من أجل لاشيء، فهي أشبه بعملية [ اللهاية] التي توضع للأطفال الرضع لإسكاتهم والخلاص من طلباتهم، فيقوم الطفل بعملية امتصاص جدي لها ظناً منه بخروج شيء منها، ويتابع العملية ويستمر في ذلك ويمضي الوقت وتنطلي عليه الحيلة، ولكنه معذور لأنه طفل رضيع لا يفقه شيئاً. ولكن ما بال شبابنا ورجالنا يقعون في شرك هذه الحيلة الاستعمارية لكي يضيع الوقت منهم، ولا يصلون إلى شيء، وإذا تململوا من عملية إخراج تراجم الرجال أو الغوص في جزئيات ظنية احتمالية، الاختلاف فيها شيء لازم لها، أو وعي أحدهم إلى عملية علك المعلوك، قاموا فوراً بتغيير المادة المعلوكة إلى مادة معلوكة أخرى بشكل خبيث وتدليس فظيع ليبقى الناس أسرى لهم وأتباعاً مقلدين ومستعمرين من قبل الطبقة المستبدة التي تستمد وجودها المعرفي والسياسي والاقتصادي من هؤلاء الأطفال الملتحين.
فلذلك يجب طرح علم وحدانية الله وتوحيد العبادة له انطلاقاً من القرءان، والقرءان فقط فإنه جامع مانع، والإعراض عن المصطلحات والتقسيمات التي لم تزد الموضوع إلا غموضاً وتعقيداً، بل أصبح علم الوحدانية علماً جافاً مرتبطاً بعلم الكلام لا علاقة للناس به، وإنما هو للخواص المتكلمين المتسفسطين، لا يمت إلى الواقع الذي نعيشه بأي شيء، فلذا يجب الانطلاق والاعتماد على ماأنزل الله عزوجل معرفاً به نفسه، فهو أعلم بالأسلوب والكلمات والمفاهيم التي تعطي معنى متكاملاً للوحدانية وتوحيد العبادة.
فكانت سورة الإخلاص هي القاعدة العامة التي احتوت الوحدانية لله كله ببضع كلمات بليغة عميقة لا يستطيع أي باحث أن يحيط بها.
فهي تغطي باستمرار معاني عظيمة تزيد من ساحة علم الوحدانية، وما الآيات الأخرى في القرءان المتعلقة بالوحدانية إلا شرحاً أو تفنيداً لعقائد الجاهلين والرد عليهم.
فسورة الإخلاص أو سورة الوحدانية هي السهل الممتنع، يحفظها الصغار والكبار، العرب والأجانب، وهي تشرح نفسها بنفسها، فلا يخلو ذهن قارئ لها من فهمها بشكل أو بآخر حسب أرضيته المعرفية وإدراكه، فالصغير يفهمها قبل الكبير، والجاهل يفهمها قبل العالم، وكل حسب فهمه ونصيبه من العلم وقوته في التمييز، ولكن لا يخرج عن إطارها أحد فمهما توسع العالم بدراسته فإنه يبقى ضمن أطرها وقواعدها.
فلذا يجب نشر علم الوحدانية من خلال سورة الإخلاص والحض عليها وإرجاع مسائل الوحدانية الفرعية إليها لأنها تضبط المسائل وتميز الصح من الخطأ، فإنها أشبه بالكشاف الذي ينير الدرب أمامك لتجتنب الحفر والاصطدام بالصخور.
لذا يجب الانطلاق منها وبصحبتها لا تفارق ذهن الباحث أبداً، فالصواب ماتقره سورة الإخلاص وينسجم معها، والخطأ ما تنكره ويختلف معها.