مفهوم القسم و الحلف في القرءان

حلف : كلمة تدل على حركة الأمر الشديدة بين نقطتين أو أكثر ومن ثم لزومها لنقطة واحدة بثقل واستمرارها على هذه النقطة منفتحة بخفة، ومنه الحلف والتحالف وهو اتفاق عدة أطراف أو قوى على التزام شيء معين بعد تداوله فيما بينهم.
والحلف بالله هو قيام الإنسان بضبط إرادته وتوجههه نحو التزام الصدق بقوله والتمسك به والاستمرار عليه .
لنقرأ كيف أتى استخدام كلمة (الحلف) في القرءان
1-{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }المجادلة18
2- {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }التوبة42
3- {وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ }التوبة56
4- {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }التوبة96
5-{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }المجادلة14
الملاحظ في النصوص كلها أن الإنسان يحلف لإثبات صدق قوله أو موقفه وهو مقابل نفي الكذب عنه .
فهل الله يحتاج لإثبات صدق كلامه أو قوله حتى يحلف وينفي عن نفسه الكذب؟
هل يوجد جهة أعظم أو أقوى من الله حتى يضطر أن يحلف لها ؟
هل الله مسؤول من قبل جهة معينة حتى يبرر فعله ويحلف لهم ؟
من يجرؤ أن يطلب من الله أن يحلف له على صدق قوله ؟
أليس قول الملك صدق بذاته كونه صدر منه؟
{اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً }النساء87
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }النساء122
إذاً، الله لايحلف وما ينبغي له أن يحلف فقوله وحديثه صدق بذاته {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة89 وكون الحلف يتعلق بإثبات صدق قول أو موقف وينفي عنه الكذب فلايجوز الحلف إلا بالله ، ومن هذا الباب أتى النهي عن الحلف بغير الله ، ومن حلف بالله على إلزام نفسه بموقف معين ثم لظرف ما لم يستطع فعله مع حرصه على الإلتزام به فكفارته كما أتى في النص.
قسم: كلمة تدل على حركة تقف بشدة وتتحرك بشكل حر لتجتمع متصلة باستمرار. وظهر ثقافياً هذا المفهوم بمعنى القسمة والتقسيم وهو التجزيء للشيء وتوزيعه ومن ثم جمعه باتصال لمن يستحقه أو صاحبه {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }الزخرف32 ، وظهر أيضا بمعنى عقد النية وجمع الإرادة على تنفيذ فعل معين {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ }القلم17 ومن هذا الوجه ظهر القسم كيمين يعقد نيته عليه المُقسم ويجمع إرادته على تنفيذ ما أقسم عليه . لنقرأ كيف أتى استخدام كلمة القسم في القرءان وبما تعلق
1- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ }الروم55
2- {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ }القلم17
3-{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }المائدة107
4- {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ }المائدة106
5- {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام109
6-{وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل38
الملاحظ في النصوص أن كلمة القسم تعلقت بالحكم على الشيء حق أو باطل وهذا واضح من جملة (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)، وتعلقت أيضاً بالتزام الموقف الحق والثبات عليه ، وهذا واضح في جملة (فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا) وجملة (فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ) إذاً؛ القسم يتعلق بتأكيد الحق وإثباته والإلتزام به ، ومن هذا الوجه كان رئيس الدولة يُقسم بالله على الإلتزام بالحق ولايحلف، وكذلك مسؤولي الدولة أصحاب المناصب الحكومية الفاعلة يُقسمون بالله ولايحلفون، وكذلك سفراء الدولة يقسمون بالله ولايحلفون . وكل مجتمع له قسم حسب ثقافته.
فهل الله يحتاج لأن يُقسم ليثبت حقاً ويؤكده أو ليلتزم بموقف ووعد لايحيد عنه أو يخلفه ؟
قول الله هو الحق {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام73، ووعده وعهده حق وصدق {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }آل عمران194، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }النساء122 {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }الأعراف44 {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111 {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ }النور25، فالله لايحلف ولايُقسم تبارك الله رب العالمين له المُلك وهو الحق المبين .
الحلف والقسم كلاهما أيمان حيث أتى ستخدام كلمة (أيمان) لهما ، ولكن الحنث بالحلف له كفارة ، بينما الخطأ في القسم له توبة ،وهذا واضح من نص الكفارة بجملة (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ){لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة89 {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل38 ولم يأت كفارة ليمين القسم ، مما يدل على نفي وجود الكفارة له في حال كان المقسم على باطل ، وعليه أن يتوب ويصلح ما أفسد ونشر من ضلال .
وصلنا الآن إلى قراءة تدبرية لنصوص أتى فيها القسم بشكل صريح أو كصيغة قسم، وينبغي أن نتدبرها وفق ما ثبت لدينا من نفي عن الله الحلف أو القسم أول نص هو:
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }الحجر72، كما تعلمنا سابقاً ينبغي قراءة النص في سياقه الذي أتى فيه لأن نصف الكلام لاجواب له .
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ{67} قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ{68} وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ{69} قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ{70} قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ{71} لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ{72} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ{73} فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ{74} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ{75}سورة الحجر
بعد قراءة النص في سياقه هل مازال يحتاج تدبر لمعرفة من الذي قال (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)؟
الذي أقسم ليس هو الله، وإنما الملائكة الموجودين عند النبي لوط، وبدليل جملة (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) فالفاعل هم الملائكة وأتى الكلام بصيغة الجمع (فجعلنا)،وسواء أكان القسم يتعلق بعمر النبي لوط أو بعمر النبي محمد كون الخطاب يحتمل كلا الإحتمالين وهذا يدل على أن القسم يجوز بغير الله مما هو عظيم عند الإنسان وله قيمة وقدر.
ونأتي الآن إلى نصوص أتت بداية باستخدام (لا) وهي نافية وليست ناهية لنرى فهم هذه النصوص. {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }الواقعة75{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }الواقعة76 .
بداية ينبغي العلم أن خطاب القرءان حق وصدق وليس عبثاً ولا لغواً ولايوجد فيه ترادف ولامجاز، وهذا يعني أنه لايوجد ما يسميه أهل النحو حرف أو كلمة زائدة تهمل أثناء الدراسة و التدبر كما لو أنها غير موجودة كما قالوا : حرف (لا) زائد ومعنى النص هو أقسم وليس لا أقسم، وهذه جرأة على كتاب الله وتحريف له.
وكما تعودنا لابد من قراءة النص وفق سياقه الذي أتى به لنعلم من هو المتكلم وماذا يعني الخطاب.
{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ{68} أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ{69} لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ{71} أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ{72} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ{73} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ{74} فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ{75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ{76} إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ{77} فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ{78} لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{79} تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ{80} أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ{81} سورة الواقعة
الملاحظ في النصوص هذه وماقبلها أيضاً أن الفاعلين هم جمع وليس فرداً واحداً، بمعنى أن هؤلاء الفاعلين هم المنفذون لأمر الله بالواقع، والمتكلم ليس هو الله وإنما من هو المسؤول عن الوحي بصرف النظر عن اسمه، وطبيعي هذا المتكلم أن يُقسم بالله أو بغير الله كما سبق في جملة (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) أو لايُقسم أصلاً، وأتى في النص المعني نفي القسم وليس القسم (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) والمقصد من نفي القسم هو لفت انتباه الناس إلى مواقع النجوم لأن تعلق القسم في حال حصل يكون عادة بشيء عظيم (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) وذلك لدراسته واستخدام تلك الدراسة آية وبينة على أن القرءان تنزيل من رب العالمين .
وبهذا التدبر للنص المعني نفهم كل النصوص التي أتت بصيفة نفي القسم مثل: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ }الحاقة38 {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ }المعارج40 {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }القيامة1 {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }القيامة2 {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }التكوير15 {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ }الانشقاق16 {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ }البلد1
وصلنا الآن إلى نصوص تبدأ بصيغة قسم {وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ{4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ{5} سورة الفجر
هذه الواو ( والفجر) تسمى واو القسم أو واو الابتداء والمعنى و السياق يحدد أي منهما ، وفي هذه النصوص واضح أن الواو هي واو القسم بدليل مجيء جملة (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) وهي جملة تنبيهية وتذكير ولفت نظر إلى عظمة المقسوم به وهي ظواهر كونية ينبغي دراستها واستخدامها آيات بينات للعلم أن القرءان تنزيل من رب العالمين ،وللقيام بمقام الخلافة في الأرض على أحسن وجه وفق ما أمر الله . والمتكلم ليس هو الله وإنما المكلف أو المسؤول عن الوحي بدليل جملة {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }الفجر13، وهي تدل على وجود متكلم يصف مافعل الرب .
وكل السور الأخرى التي تبدأ (بواو) تفهم على ضوء ماذكرنا آنفاً مثل {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا }الشمس1 ، {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ }البروج1
والحمد لله رب العالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقل نعمة من الله، والحرية كرامة طالب العلم يكفيه برهان واحد، بينما المجادل لايكفيه ألف برهان {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً }الأنبياء79