كل ذي ظُفُرٍ حرام أكل لحمه

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام146
كلمة (ذي ظُفُرٍ) لاتشمل الأنعام التي هي كائنات نباتية وليست لاحمة بدليل مجيء بسياق النص تحريم شحوم البقر والغنم ، وهذا يعني أن البقر والغنم حلال وحرم منها الشحوم على الذين هادوا، ولا تسمى نهاية أقدامها أظفار وإنما تسمى(أظلاف) مثل كلمة ( الحوافر) للخيل والبغال والحمير، وهذا يدل على أن الكائنات التي لها أظفار هي التي تقوم بالظفر بفريستها مستخدمة ما هو معروف باسم المخالب لمسكها وتمزيقها مستعينة بأنيابها وهي معروفة باسم السباع عموماً وهي كائنات لاحمة مثل الأسود و النمور والضباع والذئاب والكلاب والقطط….
وجملة(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ) لاترجع لتحريم كل ذي ظُفُر وإنما ترجع لتحريم شيء مباح حُرِّم مؤقتاً عليهم وهو الشحوم بدليل إباحة لحم البقر والغنم لهم، وذلك عقوبة لهم فمنعوا من أكل بعض الطيبات ، والدهن و الشحم هو جزء من اللحم واسمه لحماً بالمعنى العام ، ولو أن اصطلاحاً خصصوا كلمة اللحم للمادة الحمراء، وبقي حكم التحريم لكل ذي ظُفُر مستمراً على الناس إلى أن نزل وحي القرءان فنسخ تحريم أكل الشحوم وأرجعه إلى حكم الإباحة، وأقر تحريم كل ذي ظُفُر ( السباع من البهائم والطيور الجارحة) بنص: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }المائدة1، وبهائم الأنعام هي بهائم نباتية وليست لاحمة (سباع) {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا }{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا }{مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ }النازعات31- 33، ومجيء كلمة( أحلت لكم) بخلاف أسلوب التشريع الذي يقوم على قاعدة تشريع الحرام وليس تشريع الحلال ( الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص)دليل على أنها كانت حراماً، والحرام لم يكن يتعلق بلحم البقر والغنم وما هو في حكمها ( بهائم نباتية) وإنما تعلق الحكم بتحريم أكل شحمها، فأتى النص بصيغة عامة ليرجع أكل لحم البقر والغنم ومن هو في حكمهم للإباحة دون استثناء للدهن أو الشحم منها، وإباحة أكل الدهن و الشحم دليل على أنها من الطيبات ومفيدة للإنسان، لأن الحلال يتعلق بالطيب ، والحرام يتعلق بالخبيث والضار والفاسد .
وبقي حكم تحريم أكل كل ذي ظُفُر (السباع) على ما هو عليه داخل تحت مفهوم نص المحرمات {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145 وهذه السباع ( بهائم برية أو طيور لها أنياب ومخالب) تتغذى على الدماء واللحوم ويبنى نظام جسمها من ذلك مما يدخلها أيضا تحت مفهوم (لحم خنزير) بمعنى لحم فاسد لايصلح للغذاء والطعام، وهذا يوصلنا لقاعدة في حكم البهائم أن لها حكم غذائها، فإن كانت تتغذى على طاهر وطيب فحكم أكل لحمها حلال ، وإن كانت تتغذى على الخبث أو اللحوم والدماء فحكم أكل لحمها حرام ، وهذا غير دلالة كلمة ( لحم الخنزير ) المعرفة بأل{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل115 فهي اسم كائن بهيمي بعينه المعروف لتحقق به صفة الخنزرة لزوماً.
فلا يوجد تعارض بين النصوص ولافتح حصر المحرمات ولاإضافة شيء لهم ، وإنما دلالات النصوص متداخلة مع بعضها، ونص المحرمات عناوين عامة ومفاهيم كلية تشمل تفاصيل وصور أتى تفصيلها في نصوص أخرى مثل تحريم المنخنقة و الموقوذة والمتردية ….فهي صور وأنواع للميتة .
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157 وجملة (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) لاتعني أن الرسول بشخصه ومن عنده يقوم بذلك ، وإنما تعني أن الرسول ينزل عليه الوحي (القرءان) فيحل لهم الطيبات به مثل نسخ تحريم أكل شحوم البقر والغنم ومن هو في حكمهم، ويحرم عليهم الخبائث مثل استمرار تحريم كل ذي ظفر، ويضع عنهم بذلك الفعل الأصار والأغلال التي كانت عليهم ببغيهم وظلمهم، ولذلك كان القرءان هو الكتاب المكمل لما سبق مع التعديل والنسخ الجزئي لبعض أحكامها العينية ، وهو المبين والنور لها ،فصار الكتاب (القرءان) الجامع للكتب الإلهية واحتواها.