الطلاق في القرءان مشروع بمراحل وليس مجرد نقض عقد
الطلاق هو فعل يعني توقف العلاقة الزوجية الاجتماعية بين طرفين وانفصالهما عن بعض بشكل كلي فيما يتعلق بالحياة الزوجية الأسرية.
وهذا يعني لامانع من العلاقة بين الطرفين في أمور أخرى خارج الحياة الزوجية، مثل العناية بالأولاد أو عمل اقتصادي أو علمي و ما شابه ذلك.
هل الطلاق السائد بين الناس من كون حصول الطلاق بالتلفظ به سواء لفظة واحدة أو ثلاثة ألفاظ متتالية هو الطلاق الذي شرعه المشرع في القرءان؟
لنرى ذلك في القرءان ذاته
وقبل أن ندخل في التفاصيل ينبغي العلم أن عقد الزواج ليس مثل عقد البيع و الشراء، فعقد البيع يتم بين طرفين فقط ولو بالسر بينهما ولا حاجة لتوثيقه وخاصة إن كان الأمر متعلقاً ببيع الحاضر يداً بيد، بينما عقد الزواج هو عقد اجتماعي وليس عقداً اقتصادياً، وهذا يعني حضور المجتمع من خلال مؤسساته ولو بالحد الأدنى الذي هو مؤسسة الأسرة في عقد هذه العلاقة الاجتماعية.
من يقرأ القرءان يجد أن الزواج يحصل من خلال عناصر تتضافر مع بعضها لصحة هذا العقد وحفظه. ومن الطبيعي أننا نتكلم عن زواج يتعلق بين نوعين مختلفين في الجنس الواحد (ذكر وأنثى) ولا يوجد عقد زواج بين المثليين بالنوع، أو عقد زواج مع جنس آخر مثل الكلاب ، كما أن محل عقد الزواج هو النساء المباح الاقتران بهن ، وهذا يدل على أن كل عقد زواج يخالف العقد الشرعي فهو باطل أو فاسد حسب تعلقه ، ولا قيمة له وينقض فوراً أو يتم تلافي الفساد وإصلاحه.
أولا: ينبغي أن يصل محل طرفي العقد إلى بدء سن الرشد وهو العشرين من العمر، وطبيعي أن يكونا قد تجاوزا سن البلوغ الجنسي.
ثانياً: رضا طرفي العقد بإنشاء هذه العلاقة الزوجية من خلال القَبول والإيجاب بينهما.
ثالثاً: أخذ الميثاق من الطرفين بحفظ العلاقة الزوجية والاعتناء بها على الأصعدة كافة وعدم خيانة أي طرف لآخر
رابعاً: التوثيق الاجتماعي لهذا العقد بالوسيلة المتاحة كحد أدنى وجود شاهدين عدلين معروفين من الطرفين متوفرين حين اللزوم.
خامساً: المباركة الأسرية لكلا الطرفين في زواجهما
سادساً: الإشهار لذلك الزواج من خلال إقامة حفل مهما كان صغيراً ليعلم الأصحاب والأقارب والأصدقاء بهذا الحدث ويكونوا هم دائرة توثيق اجتماعية أخرى لهذا العقد
فعلاقة اجتماعية أنشئت بهذا الشكل هل يعقل أن تنقض بلفظ كلمة واحدة أو ثلاثة بين طرفين في غرفة نومهما؟
عقد الزواج عقد اجتماعي ولا ينقض إلا بالرجوع في عناصره بالعكس ، والقواعد الأصولية القرءانية في هذا الموضوع من خلال رؤية مقصدية لنصوص التشريع هي :
– ماعقد بشاهدين لا ينقض إلا بشاهدين.
– ماعقد بحضور الأهل لا ينقض إلا بحضور الأهل.
– ماعقد بين طرفين لاينقض إلا بحضور الطرفين.
– لاينقض العقد إلا وفق شروطه المعنية. لنقرأ:
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النساء25{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }النساء35
وكون الطلاق يتعلق بنقض علاقة اجتماعية يترتب عليها مصالح وشعور الإنسان وخاصة حينما يكون أولاد بين الطرفين وضع المشرع له مراحل لتنفيذه كفرصة للإصلاح بين الطرفين ولم يجعله مثل عقد الزواج يحصل في جلسة واحدة، فقال : {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة229
وكلمة مرتين دلالتها غير اثنتين، كلمة(مرة) تعني حصول الفعل الواحد وفق زمن منفصل بينهما، بينما كلمة اثنتين تدل على العدد وليس على الفعل ولا الزمن، فنقول: جئت لعندك مرتين وطرقت الباب في كل مرة اثنتين، وهذا يعني أن جملة (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ) لاتعني اثنتين وإنما تعني مرحلتين من الفعل حصلا منفصلين بالزمن، وبالتالي لاقيمة للتلفظ بكلمة الطلاق في المرة الواحدة مهما بلغ عددها ولو مليون مرة فهي كلها ضمن المرة الواحدة الأولى، وهذا الكلام ينقلنا إلى ضرورة معرفة الزمن الذي يفصل بين المرات.
لنقرأ:
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة232
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة231
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }الطلاق1
نلاحظ في النصوص أن الطلاق يتعلق بالعدة ولا طلاق دون عدة تأخذ مجراها زمنياً في كل مرة، وعدة المرأة المطلقة هي ثلاثة قروء.
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }البقرة228
وكلمة (قرء) تعني ثلاثة حيضات ولايصح البدء بمرحلة الطلاق إلا حينما تكون المرأة في حالة الطهر، ولايقع الطلاق وهي في حالة المحيض، وهذا يعني أن الطلاق ليس متوفراً في كل أيام الشهر، بل لابد أن يتأكد من زوجته أنها في حالة الطهارة وحينها يبدأ بمشروع الطلاق حسب ما أمر المشرع ووضع من حدود فيخبر زوجته بذلك ويطلب طرفاً من أهلها يمثلها ويكون أحد الشهود، ويأتي طرف من أهله ويكون أحد الشهود، ويعقدون جلسة الطلاق وتكون هذه المرة الأولى ، ومن الطبيعي أن يتدخل الطرفان لمحاولة الاصلاح بينهما ، وفي حال إصرار الطرفين على الطلاق يبدأ توقيت العدة ثلاثة قروء، وعندما تنتهي المرحلة الأولى( ثلاث حيضات) وتكون المرأة على طهارة حينئذ يجلسون للمرة الثانية الزوجان والطرفان من الأهل ويعرضون الصلح فإن تصالحا فبها ونعمت وإن أصرا على الطلاق ، يبدأ توقيت المرة الثانية أيضا ً ثلاثة قروء، وفي كلتا الحالتين لاتخرج المرأة من بيت زوجها{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }الطلاق1
وخلال مرحلة المرة الثانية عند انتهائها أراد الزوجان الرجوع لبعضهما فيرجعان ولايجوز منعهما من ذلك، {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء128، فالمشرع معهما ويبارك عملهما ، أما في حال انتهاء عدة المرأة في المرحلة الثانية ولم يرجعا لبعضهما وأصرا على الطلاق يكون الطلاق البائن قد وقع وانتهت العلاقة بينهما إلى غير رجعة ، ولايحل رجوعهما لبعض إلا بعد أن تدخل المرأة في تجربة زواج جديدة دائمة وجادة وتفشل أو يموت زوجها فلامانع من الرجوع لبعضهما إن أرادا ويكون قد تعلما درسا دفعا ثمنه باهظاً{فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }البقرة230.
إذاً ؛ الطلاق مرتان بثلاثة جلسات زمنية مختلفة عن بعضها يفصل بينها عدة المرأة ثلاثة قروء مرتين
المرة الأولى للطلاق وتعقد بجلسة مؤلفة من الزوجين وطرفين من أهل كل منهما.
العدة الزمنية ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر.
الجلسة الثانية بعد انتهاء المرة الأولى للصلح بينهما وفي حال أصرا على الطلاق
العدة الزمنية ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر
الجلسة الثالثة للمضي في الطلاق البائن أو الرجوع عنه
وفي حال رجوع الزوجين لبعضهما يلغى مشروع الطلاق بمراته وجلساته ولايحفظ في سجل الزوجين ، وفي حال حصول طلاق فيما بعد يتم إنشاء مشروع طلاق جديد ولايستحضر القديم لأنه ملغى .
هذه حدود الله في الطلاق فلا يجوز تعديها، وأي طلاق يقع في غير هذه الشروط هو طلاق باطل ولا قيمة له ويأثم من يفعله.
اضف تعليقا