حوار مع عابد للمثناة،

وقصة اللاءات الثلاثة التي يفترضون وجودها في القرءان

ذات مرة ناقشني أحدهم حول وجوب نقاب الوجه للمرأة واستدل بالنص القرءاني المتعلق بالجلباب، وقال: جملة (أن لا يعرفن ) هي دليل على وضع النقاب على الوجه.

قلت : ولكن النص لا يوجد فيه حرف(لا)

قال: كيف غير موجود، لماذا تتكلم دون علم ولا تتثبت من النص القرءاني، أنتم أبعد الناس عن القرءان ولا تحفظونه أصلاً!!!!

قلت: تمهل قليلاً واصبر ولا داعي للجعجعة ولا نرى طحيناً فكل كلامك لا قيمة له علمياً، وكان الحري بك أن تطلب مني المصحف لنرى هل حرف (لا) موجود في النص كما ذكرت أم غير موجود

فضحك وقال: أنا أحفظ كتاب الله كله وإمام مسجد في التراويح برمضان وأقرأ القرءان بشكل دائم وأتعهد حفظه، فهو في قلبي .

قلت: لا بأس سوف أطلب منك تلاوة النص دون أن تفكر به قط

قال : نعم ، وقام بتلاوته: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب59

قلت له: قف هنا وأعد الجملة من عند كلمة (ذلك)؟

فأعادها ولم ينتبه لشيء!!فقلت بنفسي لامناص إلا من إحضار المصحف وجعله يرى بنفسه عدم وجود حرف (لا)، وفعلا أحضرت له المصحف ونظر إلى النص مراراً وتكراراً وهو مشدوه!! ثم قال: عجيب وغريب كيف موجود بذهني حرف(لا) وهو غير موجود بالنص القرءاني؟

قلت له: أنت تحفظ النص القرءاني صح وتتلوه صح، ولكن تقرأه خطأ من ذهنك اعتماداً على الروايات و الأفهام من الكتب والتراث، وينبغي عليك أن تصفي ذهنك حينما تتلو القرءان وتقرأ النص كما هو دون زيادة أو نقصان أو تحريف لحركة قوى الكلمة من تشكيل لأن ذلك يغير المعنى وتصل إلى مفاهيم غير قرءانية ولا تعتمد على حفظك أو سماع النص من غيرك وقم انظر بالمصحف بنفسك ولا تقتطع أي كلمة أو نص من السياق .

قال: سوف أراجع حكم النقاب فيما بعد وأنظر ما هو الدليل الذي اعتمده الفقهاء في ذلك ، وسررت بتنبيهك لهذه النقطة هل عندك مثل آخر يتعلق بسوء قراءة النص القرءاني وتحريفه في الفهم والتدبر على غرار ما ذكرت ؟

قلت : نعم يوجد وهو نص }أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة184ماذا تقول بمفهوم كلمة (يُطيقونه) ؟

قال: حسب ما أعرف أنه بمعنى (لا يطيقونه) أي لا يستطيعونه.

قلت : من أين جئت بحرف النفي(لا) وأدخلته في النص وحرفته كمعنى واستبدلت كلمة الطاقة بكلمة الاستطاعة؟

قال: هو ضرورة معنى النص يلزمه حرف (لا) حتى يتم المعنى

قلت: عندك النص قاصر لم يؤد المعنى وأنت تفاديت نقصه ورفعت مستواه كمبنى .

قال: حاشا لله أن يكون كلامه كذلك ، ولكن …

قلت: لا داعي لتقول لكن وتستثني وتستدرك على القرءان ، فما قولك حاشا لله إلا كلام فقط دون واقع له ، وينبغي عليك أن تقرأ القرءان كما هو وتدور حيث دار وتقف حيث يقف ولا تقدم فهمك على قوله أبداً.

قال: طيب ما معنى النص؟

قلت : سوف أنبهك على نقطة استخدمها وحدك بالدراسة وافهم النص فيما بعد.

كلمة(يُطيقونه) من الفعل الرباعي أطاق وهو لازم غير متعدي.

قال: طيب هل ممكن مثل ثالث ولو أثقلت عليك؟

قلت: اقرأ قوله تعالى :{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79، وأخبرني عن إعراب حرف (لا) في النص؟

قال: حرف نهي.

قلت : لاتتسرع أعد تلاوة النص بهدوء وانتبه لحركة الكلمة بعد حرف (لا)؟

قال: لحظة ؛ وأعاد التلاوة بهدوء وفكر ثم قال : عفواً إنه حرف نفي .

قلت: أصبت وأحسنت، والآن قل لي هل يوجد في دلالة النص القرءاني هذا نهي عن مس المصحف؟

قال: صراحة؛ لا أدري

قلت: النص أتى بصيغة النفي وليس النهي، والمصحف ليس هو القرءان لأن القرءان هو الذكر الصوتي وما يحمل من معاني ومفاهيم وهو المقدس وليس الورق.

فقال : ما معنى المطهرون؟

قلت :  انتبه لكلمة (المطهرون) غير المتطهرين وهذا موضوع آخر وكبير، اتركه للتدبر وحدك وانتبه لتاء الجهد في الكلمة الثانية

فنظر بدهشة وصمت قليلاً وحك رأسه بيده ثم قال: لابد من إعادة الدراسة والتأكد من كثير من النقاط الأصولية واللسانية والفقهية.

– ومرة حاورني أحدهم على مفهوم الضرب للنساء المذكور بالنص القرءاني ، ورد على قولي أنه ضرب بمعنى معنوي من المقاطعة الاجتماعية المعيشية حتى تترك أثراً في نفس المرأة وترجع عن موقفها وليس بمعنى الضرب المادي.

قال: إن كلامك خطأ عن مفهوم الضرب أنه معنوي ، والصواب هو أن مفهوم الضرب بالنص بمعنى مادي وهذا واضح من السياق.

قلت له : أي سياق؟

قال : سياق النص.

قلت له اتلوه علي إن سمحت؟

قال: كيف تناقش وأنت لا تعرف النص ولا تحفظه؟

قلت: لا بأس اتلوه علي لأسمعه؟

قال: طالما لا تعرف النص لماذا تقدم نفسك كباحث إسلامي؟

قلت: لا داعي للجدل اتل علي النص وخلاص؟

قال: حسناً النص هو ( واضربوهن ضربا ً غير مبرح)

قلت : انسخ النص لي لأتلوه بنفسي كما هو؟

قال: ولا تعرف النص أيضاً وتريد أن تنكره؟

قلت : رجعت لتبجحك وأنت جاهل وتفتري على القرءان وتكذب بادعائك أن هذا نص قرءاني؟

قال: لنرى من هو الجاهل والكاذب والمفتري؟

وصمت ولم يعد يتكلم

قلت: أين أنت؟ انسخ لي النص لنرى من الكاذب والجاهل ؟

لم يرد والتزم الصمت

قلت : سوف أنسخ لك النص أنا لأبين لك أنك كاذب وجاهل وتحرف القرءان

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34

فقال: أخطأت هفوة مني ظنيت أن الحديث النبوي آية من القرءان .

قلت: المقولة التي ذكرتها ليست حديثاً أيضاً!!!هل علمت من الكاذب والجاهل بيننا والذي يتبجح بادعاء العلم ويحرف القرءان ؟

قال : هفوة مني وخطأ مسكتها علي ، المهم نتابع النقاش بمفهوم الضرب.

قلت: انتهى النقاش أنا لا أناقش واحد لا يفرق بين نص قرءاني وكلام بشر ،بل وينسب ذلك للحديث النبوي أيضاً دون علم فما كفاك أن كذبت على الله أضفت أيضاً الكذب على رسوله.

– وذات مرة أيضاً ناقشني أحدهم عن مفهوم طاعة النبي

قال: كيف تنكر طاعة النبي وأتى بالقرءان أمر بطاعته؟

قلت له: لم يمر معي نص يأمر بطاعة النبي؟

فضحك بصوت عال وسخر مني ، وقال عجيب تصفون أنفسكم بأنكم باحث إسلامي ولا تعرف أن في القرءان نصوص تأمر بطاعة النبي ؟

قلت: النسخة عندي من المصحف لا يوجد فيها أي نص يأمر بطاعة النبي.

قال: عجيب وهل نسختك غير نسخ المسلمين ؟

قلت: بل هي مثل نسخ المسلمين ولم أطبعها أنا !!

قال: كيف لم تجد فيها تلك النصوص إذاً ؟

قلت: بحثت فلم أجد

قال: انتبه ألم يمر معك نص: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ }محمد 33، ويوجد مثله عشرات ؟

قلت: هذا النص أعرفه !

قال : كيف نفيت وجود النصوص إذاً المتعلقة بالأمر بطاعة النبي؟ وأنكرت وجودها؟

قلت: انتبه أنت لما تقول، أنت قلت : كيف تنكر طاعة النبي وأتى بالقرءان أمر بطاعته؟

وأنا نفيت وجود نص تعلق أمر الطاعة بالنبي، وأنت أتيت بنص ذكر تعلق الطاعة بالرسول، فهل عندك تعلق الخطاب بالنبي هو ذاته تعلق الخطاب بالرسول وكله صابون ، ولماذا يختلف في القرءان الخطاب بينهما ويتنوع ؟ هل للناحية الجمالية أو لضرورة القافية و الشعر  أو عبث دون حكمة ولا مقصد؟

النصوص التي أتت بالقرءان تأمر بالطاعة متعلقة بكلمة الرسول ولم تأت ولا مرة واحدة متعلقة بكلمة النبي، فهل هذا يدل على شيء عندك أم لا قيمة له ؟

قال: هذه مناورة لفظية وعبث ولعب بمعنى النصوص، هل عندك النبي شخص مختلف عن شخص الرسول؟

قلت : النقاش ليس على الأشخاص فمعروف أن الرجل يمكن أن يتعدد في مقاماته، انظر مثلاً زيد مهندس ومدير شركة وأب لأولاده وزوج، ولو قلنا لمن يعمل تحت أمرته أطيعوا المدير زيد، هل يعني أنه إن ذهب لمنزله يجب على زوجته أن تطيعه بصفته مديراً؟ هل يجب على أولاده أن يطيعوه بصفته مديراً؟

هل يجب على زملائه المهندسين أن يطيعوه بصفته مديراً؟ هل يجب على الناس في الحياة العامة أن يطيعوه في كل كلامه ببيعه وشرائه ؟

ألا ترى أن الطاعة متعلقة بمقام الإدارة فقط، ولا علاقة لها بكل المقامات الأخرى رغم أن الشخص هو نفسه؟

قال: ولكن ورد في القرءان: آية تطلب من الناس أن تطيعه وتقبل بكل ما أتى به.

قلت: جيد هات النص القرءاني هذا ؟

قال: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)

قلت: هذا ليس نصاً قرءانياً ولا آية

قال: رجعت لإنكارك وجهلك ، كيف لا تعرف هذه الآية؟

قلت: العجيب هو أنت الذي تأت بكلام من عندك وتنسبه للقرءان وتدعي أنه نصاً قرءانياً أو آية!!!

قال: انتظر قليلاً لأحضر لك النص القرءاني أين هو ؟ إنه موجود بسورة الحشر رقم 7

هل رأيت كيف أنك جاهل ولاتعرف القرءان وتدعي أنك باحث قرءاني!

قلت: اصبر لنفتح سورة الحشر على رقم 7 للنظر هل أنت صادق وأمين فيما تنقل أم أنت كاذب وجاهل وغير أمين في نقلك!!

وفعلاً فتحنا سورة الحشر وهذا هو النص : {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7

قلت: أين الآية التي ذكرت ؟

قال: ألا تراها في النص؟

قلت : أرى نصاً كاملاً فيه جزء تابع له وليس نصاً مستقلاً وحده، ولا يسمى الجزء آية باتفاق العلماء كلهم ، فمثلاً لا يصح اقتطاع جزء من نص ووصفه بأنه آية نحو( فانكحوا ما طاب لكم) ونحو

(فاقتلوهم حيث ثقفتموهم) فهذه الجمل ليست آيات ولا نصوص مستقلة ولا يتم المعنى بها ولا تدرس بمعزل عن النص والسياق وإلا وقعنا بالعضوضة التي نهى المشرع عنها مثل فهم ( فويل للمصلين). هل رأيت صدق كلامي كيف أن جملتك ليست آية؟ وكيف أنك جاهل وغير أمين ولا صادق في نقلك عن القرءان ؟

أرجع الجزء لمكانه واقرأ النص كاملاً بوعي وانظر هل يدل على ما أردت الاستدلال به ؟

قال: أنتم تلعبون وتدلسون على الناس بمناورة منطقية لتضلوا المسلمين عن دينهم وسنة نبيهم.

وانتهى النقاش عند هذه النقطة لصعوبة الاستمرار معه لعدم  وجود منهج علمي قرءاني عنده ولا يعرف كيف يتعامل مع القرءان فهو يبتر جزء من نص ويستدل بالجزء على مفهوم يخالف النص ذاته لو أرجع الجزء لمحله وقرأ النص كاملاً، غير تخبطه في مفهوم النبي ومفهوم الرسول ، ومفهوم السنة ومفهوم الحديث …وكله عنده صابون .

هذا المنشور نموذج للتدبر في طريقة تفكير عباد المثناة وكيف يتعاملون مع القرءان بشكل قاصر وجاهل ويسيئون للقرءان بشعور منهم أو دونه.