كلمة توحيد الله شرك

تمهيد : 

صيغ الكلام المتعلقة بالله سبحانه وتعالى مهمة جدا , فلا يصح مثلا أن نقول :  “ماشاء الله وشئت ” , ولا يصح أن نقول  ” توكلت على الله وعليك ” , لأن واو العطف من فوائدها المعية بين المعطوفين , ولا يصح هذا بين الخالق والمخلوق , و لكن الصواب : ” ما شاء الله ثم شئت ” , و” توكلت على الله ثم عليك ” .

وهذا من تعظيم الله تعالى  وتفرده , ومن أدب الحديث معه جل ذكره .

ولا يلتفت لقول القائل : بأن ” المهم هو النية و لا قيمة للمبنى ” , فهذا تبرير قد يكون مقبولا بين الناس فيما يتخاطبون فيه بين أنفسهم , أما الكلام المتعلق بالله والدين والعلم والدراسات القرآنية فلا بد من الدقة وضبط الكلام فيه , وذلك لاستخدامه بالشكل الصواب للحفاظ على المعنى صافيا وطاهرا من شوائب الخطأ والشرك .

أولا : معنى كلمة وحد :

كلمة ” وحد ” تدل على الوحدة , والوحدانية , والتفرد , ومنها الواحد , ولتأكيد النفي عن تعددها نستخدم كلمة الأحد .

أمثلة :

                   ·لا يوجد في البيت واحد :  نفهم من هذه الصيغة وجود واحد , ولكنها تحتمل وجود أكثر من واحد .

                   ·يوجد في البيت واحد :  هذه الصيغة بصيغة الإثبات , فهي لا تنفي وجود أكثر من واحد .

فهاتين الصيغتين ليستا قطعيتين في نفي أو إثبات الوحدانية .

                   ·أعطي زيدا دينارا واحدا :  لا يفهم السامع نفي إعطاء زيد أكثر من دينار , فلو أعطاه مثلا عشرة دنانير فيكون قد نفذ المطلوب منه وذلك بإعطائه دينارا واحدا ضمن العشرة , ولم يخالف الأمر بالزيادة لعدم وجود النفي عنها , لذا يستخدم أهل الحساب التفقيط في كلامهم لمنع الزيادة في العطاء فيقولون : ” أعط زيدا دينارا واحدا فقط لا غير ” , وبهذا التفقيط منعوا الزيادة بالعطاء , وحصروا المعنى بالقول تماما .

                   ·هل يوجد في البيت أحد ؟ :  هذا سؤال عام , فيمكن أن يكون الموجود واحد أو اكثر , فنقول : نعم يوجد واحد , أو نقول نعم يوجد عشرة , ولتحديد العدد نستخدم التفقيط , فنقول : يوجد واحد فقط لا غير . أو ننفي بقولنا : لا يوجد في المنزل أحد , فنكون بذلك نفينا من البداية صفة الوجود عن الجميع .

ثانيا : أسلوب القرءان في إثبات الوحدانية لله :

أسلوب القرءان في الوحدانية لله يأتي دائما بصيغة الحصر , قال الله تعالى :

( قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون ) }  سورة الأنبياء : 108  {

( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ) }  سورة إبراهيم : 52  {

و صيغة الحصر للوحدانية لله في الآيات هي مثل صيغة التفقيط عند أهل الحساب التي أشرنا لها سابقا , وذلك لمنع أن يفهم أحد منها التعدد أو الاستمرار أو الإضافة .

ثالثا : تدبر سورة الأحدية :

( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد )

تعالوا نتدبر سورة الإخلاص أو الوحدانية أو الأحدية أو الصمدية :

 ( قل هو الله أحد ) :

لقد اتت صيغة ( أحد )  ” أتت للاستمرار و لتمنع التعدد بذاتها دون الحاجة لأداة أو صيغة حصر معها “ , ولكن لو جاءت بصيغة ( واحد ) لما دلت على التفرد بذاتها , بل كان لا بد لها من الحصر ( التفقيط ) , فتصير الصيغة مثلا : ( قل هو الله واحد لا إله إلا هو ) .

 ( الله الصمد ) :

وكلمة : ( الصمد ) من الصمود , وتدل على : القوة المجتمعة الشديدة الثابتة على ما هي عليه .

وقد فسرها بعض المفسرين بمآلها فقالوا : ( الصمد ) : تعني الذي اكتمل سؤدده وملكه وسيادته حيث صار هو المرجع والمصدر لقوة الناس والخلق وسد حوائجهم وضعفهم .

( لم يلد ولم يولد ) :

هي نفي لفعل الولادة عن الله نفسه , ونفي أن يكون هو ولد لغيره , وهاتين تنفيان معا صفة الولد أو الوالد والتغير والتحول و الحدوث وإثبات الأحدية والصمدية له سبحانه وتعالى .

(ولم يكن له كفوا أحد ) :

و ختمت السورة كما بدأت بإثبات أن الله أحد  (ولم يكن له كفوا أحد ) , فلو أتت كلمة ( واحد ) بدلا من ( أحد ) وجاءت بهذه الصيغة : (ولم يكن له كفوا واحد ) , لاحتملت وجود أكثر من كفئ لله , لأن المنفي هو واحد , ولا يشمل نفي الأكثرية , لذا بدأت السورة بإثبات الوجود الأحدي لله تعالى : ( قل هو الله أحد ) , وانتهت بنفي الكفؤ لله ( ولم يكن له كفوا أحد ) .

رابعا : معنى كلمة ( توحيد ) :

توحيد : هي من فعل ” وحد يوحد توحيدا ” , واسم الفاعل ” موحد ” وتعني : جعل الأمور أو الأشياء في حكم واحد ومتماثلة .

أمثلة :

                   ·توحيد ملابس الطلاب :  أي جعلها موحدة في اللون والشكل .

                   ·توحيد القيادة للقوم , أو وحد القوم قيادتهم :  أي جمعوها وضموها لجهة واحدة .

                   ·توحدت الدولتان مع بعضهما :  أي صارتا تحت قيادة واحدة .

نلاحظ من الأمثلة السابقة أن دلالة كلمة ” توحيد ” تدل بداية على الجمع والتعدد , وبعد ذلك يتم ضم التعدد والجمع لجهة واحدة . و بالتالي إذا قلنا ” توحيد الله ” فهذا هو الشرك ذاته , فلا يصح أن نقول ” توحيد الله ” لأننا لا نجمع الآلهة بإله واحد , ولا نوحد الآلهة بإله واحد .

إذن نخلص إلى أنه : من الخطأ القول ” توحيد الله ” والصواب هو ” أحدية الله أو وحدانيته ” .

توحيد العبادة :

التوحيد يكون لعبادته تعالى , فنقول : ” توحيد العبادة لله ” بمعنى جمع كل عباداتنا لله , ولا نصرف أي عبادة لغيره , وجميع النبيين خاطبوا قومهم مطالبينهم بـ ” توحيد العبادة لله ” لأنه لا إله غيره , قال تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون ) }  سورة الأعراف : 59  {.

العبادة متفرقة ويمكن توجيهها لأكثر من جهة , لذا فالمطلوب منا توحيد العبادة لله , بينما الله واحد أحد ولا يصح أن نقول ” توحيد الله ”

النهاية :

إن أحدية الله وصمديته هما برهان وسبب لتوحيد العبادة لله له سبحانه , بينما الله سبحانه وتعالى واحد أحد , فكيف نوحد الواحد ؟؟!! وكيف نوحد الأحد ؟؟!! وكيف نوحد الصمد ؟؟!!

ومن هنا نقول : أنه ينبغي علينا أن نتقيد بالصيغة الصواب , ولا نستخدم صيغة ” ما شاء الله وشئت ” ولا صيغة ” توكلت على الله وعليك ” , بل نقول : ” ما شاء الله ثم شئت ” , ” توكلت على الله ثم عليك ” , وكذلك لا نقول ” توحيد الله ” بل نقول ” وحدانية الله وأحديته ”

الله واحد أحد صمد , ولا يصح أن نقول ” توحيد الله ” .