نقاش Taki Benfifi (رد على شحرور)

 Taki Benfifi                                                                            

إن ما يقوله محمد شحرور و أتباعه في أنه اخذ الجانب العلمي من المادية الجدلية أمر لا يمت للعلم بصلة، فلا المادية الجدلية في الواقع علمية و لا ما استعمله الدكتور محمد شحرور علمي، و لما كان الأصل باطلا كان الفرع أبين في البطلان، و لما كانوا يقولون أنه أخذ من الماركسية و كان هذا اعترافا وجب علينا أن نعرج على بعض مفاهيمهم و مقولاتهم

إن قانون “صراع المتناقضات” أصل الديالكتيك لدرجة أنه يسمى “نواة الديالكتيك و جوهره”، و ليس المقام مقاما للاستشهاد بأقوال مؤسسي المذهب، و هذا الأصل لم يكن ماركس هو المبتكر له، بل أخذه عن فلسفة هيجل، الذي بنى فلسفته على الأصول الثلاثة:

-الحركات تنشأ من التناقض و التضاد الداخلي في جوهر الأشياء أي أن للتضاد دور الخالقية للحركة فهو الموجد لها.

-الحركة العامة في الطبيعة.

-إن كل حركة متصاعدة نحو التكامل.

ثم اخذت المركسية هذه الأصول و عدلت فيها حسب مزاجها، و عممتها على سائر الأشياء و الواقع و المفاهيم، فقالت ان لكل شيء من هذه الأمور ثلاث مراحل:

-مرحلة الإثبات، “تز”.

-مرحلة النفي، “أنتي تز”.

-مرحلة نفي النفي، “سنتز”.

بيان هذا:

المرحلة الأولى هي وجود الشيء و هويته، ثم ينبع من صميم الشيء ما يضاده و يناقضه و يصارع ذلك الشيء و يسعى لنفي وجوده و الأول “تز” و الثاني “أنتي تز”.

ثم يتولد من هذا الصراع شيء ثالث هو “سنتز” و هو عبارة عن نفي النفي، و هكذا تنشأ جميع الحركات و التكاملات في ظل الصراع الداخلي في جوهر الشيء بين “تز” و “أنتي تز”.

نأتي لتطبيق محمد شحرور لهذه النظرية الباطلة.

قال محمد شحرور: “أما القول بأن “سبحان الله” هو تنزيه الله من النقائص والعيوب فهو قول قد مضى زمانه،إذ أن النقائص والعيوب تحمل معنى معرفيا وهومعنى اجتماعياً إنسانياً فهي تحمل مفهوم النسبية حيث تتغير هذه المفاهيم من مكان لآخر ومن زمن لآخر. إن التسبيح الحقيقي للأِشياء كلها في وجودها منذ خلق الله هذا الكون المادي وهو منزه عن هذه الحركة في ذاته لأنه واحد “أحد صمد” “ليس كمثله شيء” حيث أن هذه الحركة تؤدي إلى هلاك الأشياء “الموت””.

أقول: هل هذا هو مبلغ علم الرجل، !! ، إذ كيف يكون قولنا “سبحان الله” و ذلك تنزيه له عن الكذب و الخيانة و النقائص و العيوب و الجسمية و الجور و الظلم من القضايا النسبية المتغيرة من زمان لآخر. !!

سامر إسلامبولي

فهم الشحرور لكلمة سبحان نفي الحركة و التغير عن نفس الله الذي يؤدي للتطور والهلاك، و هذا أصل المفهوم وهو ثابت لكلمة سبحان الذي يتعلق بنفس الله، أما المعنى التراثي التنزيه عن النقائص والعيوب فهو مبني على مفهوم الكمال والقدرة والغنى والصمد وليس  مفهوم سبحان، ومااستخدامه إلا تساهل منهم لينفوا صفات النقائص والضعف عنه، وهذه الصفات يوجد منها ما هو ثابت مثل ماذكرت من الكذب والغش والظلم ومنها ما قد يكون نسبي حسب فهم الناس للكمال والنقص الذي يتعلق بهم ومايعدونه بحق أنفسهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن هذا القول بلا شك مستفاد من أوهام الماركسية، إذ قد ثبت عندهم أن الأخلاق مفاهيم نسبية متغيرة من زمان و مكان لآخرين، و لما كان تنزيه الله عن ما يجب أن يتنزه عنه من الحقائق المطلقة –الأخلاق المطلقة- توهم كذلك أن تنزيه الله عن النقائص و العيوب يدخل في عموم هذه المقولة، فقال أن تنزيه الله عن النقائص قضية نسبية متغيرة !!

سامر إسلامبولي

الأخلاق تقوم على محور ثابت إنساني ومحور نسبي متحرك حسب ثقافة كل مجتمع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قال: “لقد عبر القرآن بشكل مباشر عن قانون صراع المتناقضات الداخلي في قوله:{إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون} (الأنعام 95).

وفعل “فلق” في اللسان العربي أصل صحيح يدل على فردة وبينونة في الشيء، وعلى تعظيم شيء، والفلق هو الخلق كله كأنه شيء فلق عنه شيء آخر حتى أبرز وأظهر. وفي الآية جاءت “فالق” بمعنى شيء أبرز وأظهر منه شيء آخر

“ومعنى الفلق قريب من معنى الخلق لأنهما يشتركان في حرفين ويتميزان بحرف واحد”. و”الحب” جاءت في اللسان العربي من “حبب” وله ثلاثة أصول صحيحة أدها للزوم والثبات، والثاني الحبة في الشيء ذي الحب، والثالث وسف. وهنا المعنى هو الثاني كحبة الشعير والقمح. أما فعل “خرج” فلها في اللسان العربي أصلان: الأول النفاذ عن الشيء والثاني اختلاف لونين، الإخراج كأن ينفذ شيء عن شيء آخر وهنا استعمل الشيء والشيء الآخر وهما الحي والميت.

أقول: إن ما قاله في أن “معنى الفلق قريب من معنى الخلق لأنهما يشتركان في حرفين ويتميزان بحرف واحد” لا يمت لقواعد اللغة بصلة، فهل بمجرد وجود تقارب في الأحرف يصير المعنى متقاربا، إن كان ذلك كذلك، فهناك الكثير من الكلمات تقترب أيضا في المبنى و من حيث الاشتراك في الأحرف فلماذا لا نقول أنها ذات معنى واحد و هذا من قبيل “حلق، سلق، زلق…” فلماذا لم يطبق عليها مثل هذه القاعدة !!؟

سامر إسلامبولي

كلام الشحرور بوادي وكلامك بوادي آخر وتحريف لكلامه، ألا يوجد فرق بين كلمة (التقارب) وكلمة (التطابق)؟

قال الشحرور: “ومعنى الفلق قريب من معنى الخلق لأنهما يشتركان في حرفين ويتميزان بحرف واحد”. قلت حضرتك: فهناك الكثير من الكلمات تقترب أيضا في المبنى و من حيث الاشتراك في الأحرف فلماذا لا نقول أنها ذات معنى واحد.

ولو عندك علم بالألسنية واللسان العربي المبين لعلمت أن كل الأصوات العربية  لها مفاهيم فيزيائية ثابتة لاتتغير أينما أتت في الكلمة، وكل كلمة تشترك بصوتين متتابعين مع غيرها يدل على وجود دلالة بينهما بالصوتين والصوت الثالث يحدد الاختلاف وتوجه الكلمة حسب تموضعه في الكلمة في أولها أو آخرها . فلايصح القول إنهما متطابقين بالدلالة كما افترضت وإنما الصواب هو التقارب والاشتراك مع المحافظة على الإختلاف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 التناقض عند كل من له أدنى اطلاع يعني أحد شيئين: إذا كان في جانب الوجود كان الآخر منها في جانب العدم حتما بالوجوب العقلي كالتناقض بين الوجود و العدم فالشيء الواحد إذا كان موجودا فهو ليس بمعدوم حتما و إذا كان معدوما فهو ليس بموجود حتما و كالتناقض بين الموت و الحياة فالشيء الواحد بالذات إذا كان حيا لم يكن ميتا حتما في آن واحد و إذا كان ميتا لم يكن حيا حتما في آن واحد.

هذا هو التناقض و به يكون تحقق أحد الوصفين ناقضا لتحقق الوصف الآخر.

و بتعبير منطقي هو الاختلاف الحاصل في الكم و الكيف و الجهة بين قضيتين، إحداهما موجبة و الأخرى سالبة، مما يقتضي لذاته، أي لذات الاختلاف، صدق إحداهما و كذب الأخرى، و ذلك مهما كانت مادتهما، و مهما كانت النسبة بين الموضوع و المحمول (موجبة كلية و سالبة جزئية، سالبة كلية و موجبة جزئية، موجبة جزئية و سالبة كلية، سالبة جزئية و موجبة كلية).

أما المضغة المخلقة و غير المخلقة و المتشابه و غير المتشابه و الصنوان و غير الصنوان و المعروشات و غير المعروشات فهذه عند الفلاسفة متغايرات كما نقول اليقطين غير رأي الحمار و رأس الحمار غير رأس ماركس هذه متغايرات لا متناقضات.

المغاير للشيء هو المغاير له في الذات و لو كان مثله في الصفات أو المغاير له في الوصف و لو كان مجتمعا في ذات واحدة كالطول و السواد هما متغايران و قد يجتمعان في شيء واحد فيقال هذا عمود طويل أسود ، السواد غير الطول، و لا تصارع و لا تنافر بل هما في العمود الأسود مؤتلفان.

أما الضدان فهما اللذان لا يجتمعان في الشيء الواحد وجودا و لكن قد يرتفعان معا إذا وجد ضد ثالث لها في الشيء.

إن كل متعدد –و لنفرض أنها اثنان- إما أن يشتركا في تمام الماهية فهما متماثلان، و إما ألا يشتركا في تمامها، فهما متخالفان.

و المتخالفان إما أن يشتركا في بعض من أجزاء الماهية دون بعضها الآخر، فهما متفاوتان و قد يسميهما البعض بالمتعاندين كلوني الأحمر و الأزهر، و إما ألا يشتركا في أي من أجزاء الماهية، فإن كان ذلك مشروطا بإضافة كل منها إلى الآخر، فهما المتضايفان، كالأبوة و البنوة، فليس بينهما أي اشتراك في الماهية إذا لاحظت نسبة الابن إلى أبيه و الأب إلى ابنه، و لكن إذا أهملت هه النسبة فإنهما قد يشتركان، كل منهما في ماهية الآخر، فيكون الأب ابنا بقطع النظر عن أبيه، أما أن كان ذلك غير مشروط بالتضايف، أي الاشتراك بينهما في الماهية مطلقا، بحيث يكون كل منهما سلبا للآخر، فهما ضدان، إن كان قابلين للارتفاع معا، كالسواد و البياض، إذ يمكن أن يرتفعا و يحل محلهما لون ثالث، و هما نقيضان إن كان غير قابلين للارتفاع معا كالحركة و السكون و الليل و النهار، و الاحساس و عدم الاحساس، إذ كل متقابلين من هذه الأمثلة غير قابلين للاجتماع، كما أنهما غير قابلين للارتفاع معا أيضا. (1)

لكن الماركسيين لا ينفكون يقولون أن أصغر جزيئات المادة في أضيق وحدات الزمان ليس إلا ملتقى للأضداد المتصارعة، و ذلك هو المعنى المراد بكلمة “وحدة الأضداد” و يقول لينين “الديالكتيك هو دراسة التناقض في جوهر الأشياء عنها” (2)

فإن قيل: ” أن قانون الجدل (قانون الاضداد) هو قانون مادي كوني ، وقانون التناقض قانون عقلي محض

ولا يوجد في الكون تناقضات وتوجد اضداد.

والدارس لكتب محمد شحرور لا يجد هذا الخلط لا من قريب ولا من بعيد ويرى توفقه الى حد كبير في طرحه لتفسيره للكون وخلقيته بمنهاج الجدلية المادية.

ملاحظة:

أحمد ليس أحمد عبارة مادية لا تناقض الجدل المادي ( ففي أحمد توجد أشياء تجعله أحمد وفيه أشياء أو حتى عللا تجعله ليس احمد، (أحمد نفي أحمد عبارة صورية هي تناقض (التناقض المنطقي ولا يماري في تناقضها عاقل)” نقول:

علينا أن نعترف أن التضاد المصطلح عليه في المنطق غير التضاد المصطلح عليه في الفلسفة و الخلط بين الأمرين هو الذي سبب توهم “الماركسية” و “شحرور” بإمكان الجميع بين الضدين، فما يدّعونه من الضدين المجتمعين إنما هو من قبيل التضاد الفلسفي الذي لم يقل أحد بامتناعه، و إليك بيان هذا:

أولا: الماركسيون استعملوا في نصوصهم لفظي التناقض و التضاد معا و عطفوا أحدهما على الآخر و هم يظهرون بذلك أنهما مترادفان مع ما بين الأمرين من بون شاسع و اختلاف كبير، و الفلسفة الإسلامية تبحث عن الوحدة و الكثرة و تقسم الكثرة إلى أقسام منها التقابل و ينقسم التقابل إلى، تقابل التناقض و تقابل التضاد، و تقابل التضايف و تقابل العدم و الملكة، و أهل المعقول عرفوا كل واحد من أقسام التقابل بنحو يمنعه من الإختلاط بالآخر. و لا مانع من أن نبين للدكتور شحرور معنى هذا:

الأول: تقابل النقيضين (الإيجاب والسلب): “وهو التقابل بين الوجود والعدم، وهما أمران وجودي وعدمي لذلك الوجودي وهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ببديهة العقل، ولا واسطة بينهما”.

الثاني: تقابل الملكة وعدمها: “وهما أمران وجودي وعدمي لا يجتمعان ويجوز أن يرتفعا في موضع لا تصحّ فيه الملكة”.

الثالث: تقابل الضدين: “وهما الوجوديان المتعاقبان على موضوع واحد ولا يتصور اجتماعهما فيه ولا يتوقف تعقل أحدهما على تعقُّل الآخر”.

الرابع: تقابل المتضايفين: “وهما أمران وجوديان يتعقَّلان معاً ولا يجتمعان في موضوع واحد من جهةٍ واحدة ويجوز أن يرتفعا”.

ثانيا:تصر الدياليكتية على إمكان اجتماع النقيضين و الضدين و تنفي استحالة ذلك الاجتماع بل و تصر على أن عالم الطبيعة يقوم على أساس التناقض و التضاد فالحركة الموجودة في العالم نحو الكمال يحصل بسبب التصارع الموجود بين النقيضين و الضدين في صميم الأشياء و هي بذلك ترد على المنطق و الفلسفة التي تقوم على استحالة اجتماع النقيضين و الضدين.

أما استحالة اجتماع النقيضين فبديهي، لأن التأكيد على فكرة و الاعتقاد الجازم بصحتها لا يتم إلا بعد التأكيد على بطلان نقيضها و الاعتقاد الجازم ببطلانه، إذ لو صحة الفكرة و وضع في جنبها نقيضها لامتنع التصديق بصحة تلك الفكرة. و الموضوع مناقش بإسهاب أكثر في كتاب أصول الفلسفة و المنهج الواقعي.

و لذلك امتناع اجتماع النقيضين هو أم القضايا.

و بالتالي فإن الأصول التي يعتقد بها الماركسيون و التي يرون صحتها هل تصح نقائضها أم لا؟ أترك الجواب لهم.

و بالتالي فما تدعيه الماركسية من إمكان اجتماع النقيضين و ما يسوقه أصحابها لذلك من الأمثلة جميعا خارج عن نطاق المتناقضين اللذين ثبت استحالة اجتماعهما بالشروط المعروفة و هي:

 1ـ (الموضوع) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل: العلم نافع، الجهل ليس بنافع.

 2ـ (المحمول) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل: العلم نافع، العلم ليس بضار.

 3ـ (الزمان) فلا تناقض بين (الشمس مشرقة) أي في النهار وبين (الشمس ليست بمشرقة) أي في الليل.

 4ـ (المكان) فلا تناقض بين (الأرض مخصبة) أي في الريف وبين (الأرض ليست بمخصبة) أي في البادية.

 5ـ (القوة والفعل) أي لابد من اتحاد القضيتين في القوة والفعل فلا تناقض بين (محمد ميت) أي بالقوة وبين (محمد ليس بميت) أي بالفعل.

 6ـ (الكل والجزء) فلا تناقض بين (العراق مخصب) أي بعضه وبين (العراق ليس بمخصب) أي كله.

 7ـ (الشرط) فلا تناقض بين (الطالب ناجح آخر السنة) أي إن اجتهد وبين (الطالب غير ناجح) أي إذا لم يجتهد.

 8ـ (الإضافة) فلا تناقض بين (الأربعة نصف) أي بالإضافة إلى الثمانية وبين (الأربعة ليست بنصف) أي بالإضافة إلى العشرة.

 و بمثال يتضح المقال:

أمثلتهم كانت من قبيل:

-اجتماع الهجوم و الدفاع في الحرب الواحدة،

– اجتماع التقدم و التراجع في المعركة الواحدة،

– اجتماع الموت و الحياة في الجسم الانساني،

– مثال البذرة و الشجرة، وهو ما عبر به شحرور قائلا: “إن هذه العملية تتكرر كل يوم آلاف المرات. فإذا أخذنا حبة القمح ووضعناها في التربة المناسبة لها فإنها تجتاز تحولاً فتنتش وتكف الحبة في ذاتها عن الوجود فينتفي وجودها أي تهلك، وتظهر في مكانها النبتة التي نشأت عنها، ثم تستمر العملية الحياتية من نمو ونضوج كي تنتج من جديد حبوب القمح. وبمجرد نضوج الحبوب الجديدة تموت النبتة أي تهلك بدورها .. وهكذا نحصل من جديد على حبة القمح الأصلية ولكن نحل عليها أضعافاً مضاعفة، جاءت هذه الآية لتثبت للناس البعث وتنزع الشكوك بشأن بلوغه الحتمي فبدأت بقوله: {يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث} فإذا قال قائل: “أنا في ريب من البعث” فما علينا إلا أن نورد له بقية الآية.”

أولا هذه الأمثلة ضعيفة و واهنة ثانيا أكثرها ليس من مقولة النقيضين، نقول أن اجتماع النقيضين في هذه الموارد إنما هو لفقدان أحد الشروط و الوحدات الثمانية التي أشرت لها.

ففي الهجوم و الدفاع مثلا لا يتوفر شرط وحدة الزمان و المكان، و في مثال الحياة و الموت لا يتوفر شرط وحدة الموضوع و مثال البذرة و الشجرة لا يتوفر فيه شرط وحدة القوة و الفعل، فأين اجتماع النقيضين؟

ثالثا:

أما استحالة اجتماع الضدين، و قد أشرت أن المتضادين عبارة عن وصفين متزاحمين وجوديين لا يجتمعان في موضوع واحد و وقت واحد لما بينهما من غاية الاختلاف.

نأتي للتضاد الفلسفي و هنا الإشكال أكثر: عرفنا التضاد المنطقي فما هو التضاد الفلسفي:

التضاد الفلسفي عبارة عن الطاقات المختلفة المتنوعة الموجودة في الجسم و التي يؤثر بعضها في البعض الآخر و يحصل التفاعل و التمازج بينهما شيء ثالث.

و هذا التضاد موجود في عالم الطبيعة بل هو قوامها و لم يُختلف فيه مطلقا بل منهم من جعله دليلا على وجود الله كالنظام المعتزلي، و أشار له صدر المتألهين …، الآن فما تدعيه الماركسية من مسألة التضاد و أن كل شيء يحتوي على ضده الذي ينبع من صميم جوهره و يصارعه و يناضله حتى ينفي وجوده و يحصل من هذا الصراع شيء ثالث يرجع في الحقيقة إلى التضاد الفلسفي الذي لا شك في وقوعه و هذا غير التضاد المنطقي.

و بمثال يتضح المقال: قال تعالى: “و هديناه النجدين” فهذه الآية مثلا تفيد بأن الفطرة الانسانية مركبة من القوى الداعية إلى الفجور و التقوي و ان الانسان يعيش دائما معركة حامية مع هذه القوى.

و هيجل قد أشار إلى “تز و “أنتي تز”، و هي مكان القوة و الفعل في الواقع، فالبيضة التي يمثل بها الماركسيون تتمتع بفعلية خاصة حيث إن لها صورة جوهرية محسوسة و ملموسة لكل أحد فإن لها قشرا سميكا في الخارج و جلدة رقيقة في الداخل و مائعين أبيض و أصفر في بطنها فهي تتمتع بالتالي بفعلية بيد أن فيها مع ذلك قوة أن تتبدل إلى فعلية أخرى و تقع في طريق التكامل لكن لا مطلقا بل في إطار شرائط خاصة، فإذا حصلت تلك الشرائط كان ما بالقوة بالفعل، فما يسميه هيجل بـ”تز” يعادل الفعلية الأولى، ما يسميه “أنتى تز” هو ما بالقوة.

و بالتالي لا جديد عند هيجل و لا ماركس سوى الأوهام.

فليس التكامل مبنيا على الصراع و التضاد بل هو القوة و الفعل.

بيان معنى القوة و الفعل:

فوجود الشيء في الأعيان بحيث يترتب عليه آثاره المطلوبة منه يسمى فعلا ويقال إن وجوده بالفعل وإمكانه الذي قبل تحققه يسمى قوة ويقال إن وجوده بالقوة بعد وذلك كالماء يمكن أن يتبدل هواء فإنه ما دام ماء ماء بالفعل وهواء بالقوة فإذا تبدل هواء صار هواء بالفعل وبطلت القوة فمن الوجود ما هو بالفعل ومنه ما هو بالقوة.

إن الحبة هي حبة بالفعل، لكنها نبتة بالقوة، كما أن النطفة نطفة بالفعل لكنها إنسان بالقوة إذا اجتمعت الشرائط، و ليس في الأمر صراع و لا شيء.

و قد ذكر شحرور هذا، فجعل التضاد هو الأصل، فهو يعتقد أنه يبعث من داخل كل واحد من هذه الأمور و من صميم ذاته ضده يعارضه و يناضله و يقع الصراع بين الضدين إلى أن يغلب الضد على الأول و يتبدل إلى شيء آخر و هو ما أشار إليه في “مخلقة و غير مخلقة”، أي أن هناك بين أن تكون مخلقة و مسرطنة “غير مخلقة”.

و هذا محض بطلان، فقد وضحنا أولا أن القصد من “الخلقة” و “غير المخلقة” أنهما من قبيل المتغايران.

و نحن بدورنا نسأل المتخصصين في علم الأجنة: هل يوجد في داخل الخلية الواحدة صراع بين “المضغة المخلقة و غير المخلقة”؟

بالتالي نقول طالما أن هذا المنهج يشمل حتى الافكار و المناهج نسأل: هل يشمل هذا القانون نفسه ام لا؟

(1) (المواقف للإيجي،1, 366)

(2) (الدفاتر الفلسفية 2، 13)

هذا رد على بعض الجزئيات و المنهج بصفة عامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سامر إسلامبولي

لن أرد على التفاصيل الجزئية ولن أقحم ماركس وهيجل في الموضوع ، نحن يهمنا الفكر والحقيقة ، سوف أبين لك الفكرة بسهولة وبشكل مختصر حتى ترد على هذا الذي عرضته وكتبته وتترك المتاهات التي أقحمت نفسك بها وتريد أن تقحم القارئ بها وتضيعه دون شعور منك، ولايعني أنه لايوجد نقاط التقاء بيننا.

مفهوم التغاير عام ويشمل كل المفاهيم تحته، بمعنى: كل متغير يشمل مفهوم التغاير والضد والنقيض، حيث يصير النقيض تغير ، والضد تغير، والتغير تغير، وليس كل تغير نقيض أو ضد ، وهي صفات وحالات أو علاقات بين الأشياء.

1- نقول: التفاحة غير البرتقالة ، وهذه علاقة تغاير فقط وليس ضد ولانقيض ولامانع من وجودهما مع بعضهما أو أحدهما ولايشترط أي علاقة بينهما .

2-ونقول: الذكر والأنثى، وهذه علاقة تغاير ضدي تلاؤمي تعايشي تكاملي منسجمين مع بعض يوجدان مع بعضهما وهما عنصرين أو نوعين في جنس واحد .

3-ونقول: الماء لا ساخن ولا بارد، وهذه علاقة تغاير ضدي تعاقبي مع وجود نقطة لقاء بينهما هي بين بين لاساخن ولابارد، يعني يوجد الثالث المرفوع، لأن الحكم هو على الظواهر الطبيعية .

4-ونقول: زيد موجود أو غير موجود، وهذا حكم عليه وهو تغاير ضدي نقيضي مع نفي الثالث المرفوع لأنه حكم يتعلق بالفكر، وهذا هو مبدأ أرسطو: استحالة جمع النقيضين في الحكم على شيء واحد وهنا يجب نفي الثالث المرفوع.

5-ونقول: زيد ميت أو حي، وهذا وصف حالة متغايرة  ضدية نقيضية مع إثبات الثالث المرفوع ويكون هذا النوع في الوجود الكوني ذاته، وهو قانون التسبيح ( قانون الموت) الذي يؤدي للتغير والتطور ومن ثم إلى الهلاك، فالكائن حي في طريقه للموت كل لحظة، وهو بين الحياة و الموت إلى أن يموت كلياً وهذا اسمه الصراع الجدلي الناقضي.

والخلية المخلقة وغير مخلقة هي من هذا النوع التغير الضدي النقيضي في الشيء ذاته، وليس مجرد التغاير فقط، والخلية غير المخلقة تقوم بتفاعل جدلي (سرطاني) لتنتقل إلى مرحلة الخلية  المخلقة المستقرة على وجه معين وتأخذ دورها في الجزء الذي هي فيه وتقوم بوظيفتها ، وهذا الصراع الذاتي في الخلية بين المرحلتين هو العلاقة الجدلية النقيضية وهو قانون التغير والتجدد والتطور الذي يؤدي إلى الهلاك نهاية.

أما مبدأ الهوية عند أرسطو: ثبات الهوية ، أنت أنت، أحمد هو أحمد.

فينبغي أن ننتبه إلى أن هذا الكلام هو نظري وخارج تأثير الزمن، وهو يتعلق بالشخصية فقط دون الجسم ، ويمكن أن نعده يتعلق بالنفس دون الجسم، فأحمد كنفس هو أحمد ذاته بمفاهيمه وثقافته المتنامية وطباعه ولكن ليس هو بجسمه ذاته الذي كان فيه أمس فقد تغير مهما كان التغير صغيراً لايرى بالعين المجردة ، هكذا ينبغي أن نفهم مبدأ الهوية عند أرسطو