مفهوم الدخول بالنساء وحكم الربائب

لقد اشتُهرت في الفقه التراثي قاعدة تقول:

العقد على البنات يحرِّم الأمهات، والدخول بالأمَّهات ُيحرِّم البنات. لنرَ ذلك من خلال دراسة الموضوع في النصّ القرآني الآتي:

قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء23إن كلمة (نكاح) في الاستخدام القرآني تُطلَق على ثلاثة أوجه:

الأول: انعقاد عقد الزواج فقط دون مس المرأة يسمَّى نكاحاً؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُموهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }الأحزاب49

الثاني: العلاقة الجنسية ذاتها تسمَّى نكاحاً؛ قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً } (النساء 22).

الثالث :بلوغ الإنسان عمر القدرة على النكاح {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } (النساء 6). 

فالأصل في دلالة كلمة (النِّكَاحَ) هو الوظيفة الجنسية حسب مفهوم كلمة (نكح)، وتُستخدم بدلالة عقد الزواج من باب ذِكْر الشيء بمآله؛ لأن الأصل في النكاح أنه ماينبغي إلا بعد عقد الزواج شرعاً، ولفَهْم دلالة كلمة النكاح لابد من دراسة سياق النصّ، وما يرافقه من قرائن عقلية، أو نقلية.

فنلاحظ أن حُكْم تحريم نكاح المرأة (زوجة الأب) متعلّق بعملية المس لها حسب فهم كلمة النكاح الأصلي، وليس مجرّد العقد عليها، ومن هذا الوجه يظهر قصور وخطأ القسم الأول من القاعدة الأصولية؛ إذْ علَّقت التحريم على مجرّد انعقاد العقد، وكان ينبغي أن تكون متعلّقة بعملية النكاح، وتصير كالتالي:نكاح البنات يحرِّم الأمهات، أمَّا القسم الآخر من القاعدة؛ فهو بحاجة لضبط مفهوم الدخول بالنساء أولاً.

الشارع عندما يريد الكلام عن العملية الجنسية ذاتها يستخدم كلمة( المس) كما في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُموهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }الأحزاب49

{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً }مريم20

ولايستخدم كلمة (الدخول)، فماذا تعني كلمة (مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) هل مس الرجل لزوجته يسمى دخول بها؟

حرف (الباء) يدل على الاتصال أوالأداة، وهذا يدل على أن الرجل استخدم أو استعان أو جعل المرأة وسيلة للدخول على شيء معين ، والذي يحدد مفهوم الدخول بالنساء هو استحضار حكم تحريم نكاح الرجل لأم زوجته (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ)، وحكم تحريم نكاح الابن أو الابنة مانكح الأب أو الأم{وَلاَ تَنكِحواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً }النساء22

وحكم تحريم نكاح الأب لزوجة ابنه من صلبه (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ). والخطاب{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ… } صيغته موجهة للذكور ولكن يشمل الإناث أيضا لأن النساء محل تعلق النكاح، فكما أن الرجل يحرم عليه أن ينكح أمه، أيضا يحرم على الأم أن تنكح ابنها، وهذا يوصلنا إلى ضبط المحرمات المعنية بدراسة مفهوم ( الدخول بالنساء).

يحرم على الرجل أن ينكح زوجة أبيه، ويحرم على الأب أن ينكح زوجة ابنه، والتحريم متعلق بالمرأة أيضاً ضمناً .

يحرم على المرأة أن تنكح زوج أمها ، ويحرم على الأم أن تنكح زوج ابنتها.

يحرم على الرجل أن ينكح أم زوجته، ويحرم على المرأة أن تنكح والد زوجها.

ونصل من خلال هذه المحرمات إلى قاعدة وهي: نكاح الأصول يحرم الفروع ، ونكاح الفروع يحرم الأصول.

وابنة الزوجة لايجوز لها أن تنكح ما نكحت أمها لأنها مشمولة بالتحريم بنص         {وَلاَ تَنكِحواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً }النساء22

وكذلك لايجوز لزوج الأم أن ينكح ابنة زوجته سواء أكانت ربيبة عنده أم لا وذلك لشموله بالحكم.

ومن هذا الوجه، ينبغي أن تصير القاعدة الأصولية في تحريم نكاح البنت والأم هي:

[نكاح(المس) البنات يُحرِّم الأمهات، ونكاح(المس) الأمَّهات يُحرِّمن البنات]

وهذا يوصلنا إلى أن مفهوم نسائكم في جملة (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) لاعلاقة له بالنكاح أو المس لهن ، لأن ابنة الزوجة سواء أكانت ربيبة أم غير ربيبة فهي من محارم النكاح، وكلمة (حجوركم) لاتعني منازلكم أو بيوتكم وإنما هي من الحجر التي تدل على المنع والحجز للحركة بجهد وقوة بشكل مستمر، والحجر على السفيه معروف وهذا يدل على أن كلمة (نسائكم) جمع نسيء وليست جمع امرأة، وكلمة (اللاتي) الثانية في النص لاترجع لكلمة (نسائكم) وإنما ترجع إلى كلمة ( ربائب) ليصير فعل    (دخلتم بهن) متعلق بالربائب وليس بالنساء، ويصير المعنى هو:

يحرم نكاح الربيبة التي تعيش مع الرجل وتلتزم بحدوده ويصير لها أباً،  وهؤلاء الربائب صرن من نساء الرجل بمعنى متأخرين تابعين له وهو قوَّام عليهن، والدخول بهن بمعنى الحاقهن بنسائه كمعيشة ، فإن لم يلحقهن بنسائه وبقين خارج دائرة النساء (التابعين له ) لاجناح على الرجل أن يتزوج هذه الربيبة التي تربت خارج دائرة نسائه وبالتالي لم يصر لها أباً اجتماعياً وإنما صار معيلاً لها من بُعد.