هل القرءانيون معتزلة

  قال أحدهم لي: هل القرءانيون معتزلة؟

قلت: لا، القرءانيين مختلفين عن المعتزلة مع وجود قاسم مشترك بينهم ،ولايخلو جماعة من تشابه مع أخرى بشكل من الأشكال وهذا لايجعل الجماعة تنمحي وتندمج مع الثانية أو تصير تابعة لها.

ونحن نرى أن المعتزلة كجماعة فكرية نشأت كفكر معارض للاستبداد الأموي وتصدت لهم وعالجت مفاهيم معينة أهمها مفهوم الجبرية وان الحاكم ظل الله في الأرض ، ونادت بالحرية ومسؤولية الحاكم وتبلور فكرها حول هذه النقطتين ومايخدمها حتى مفهوم خلق القرءان وأزليته هو لتثبيت حرية الإنسان ومسؤولية الحاكم

قال: ولكن أنت قلت في أحد تعليقاتك، لو شئنا لقلنا إن القرءانيين هم امتداد للمعتزلة الحقيقيين.

قلت: نعم قلت هذا ولكن انتبه لكلمة( لو شئنا) يعني اننا ليس كذلك ولكن هذا أتى بسياق التعليق لأخبر القارئ أن القرءانيين هم أهل العقل والفكر والحرية ، وهذا الذي تميز به المعتزلة تاريخياً كرمز، ولايعني أن كل فئة عقلانية تدعو للحرية الفكرية أنها معتزلة ، ولكن هذا صار اصطلاح بين الناس كل من يدعو للفكر الحر العقلاني من المسلمين يقال عنه معتزلي أو امتداد لهم ولو أنه ليس من المعتزلة كجماعة ، ونحن كذلك ، مع العلم أن النبي محمد هو أول عقلاني وصاحب تفكير حر قرءاني، وإن كان ولابد من التصنيف فنقول : المعتزلة سابقاً هم جزء من القرءانيين كفكر ومنهج ولو أنهم قاصرين في المنهج عموماً.

واعلم أن المعتزلة هي فكر عقائدي وعلم كلام فقط وليس عندها أصول ولا فقه فهم يتبعون المذاهب الفقهية يعني هم مقلدون في الفقه ويهملون العقل رغم أنهم ينادون بالعقل والحرية ، وهذا من أهم الفروق بيننا ، فالقرءانيون عقلانيون بالإيمان والأصول والفقه ولايتبعون إلا القرءان.

والفرق الثاني وهو جوهري قولهم إن مصادر التشريع أربعة ويقدمون ذكرالعقل وبعده القرءان والسنة و القياس، وعند التدقيق والدراسة تعلم ان القياس ليس مصدرا وإنما آلية تفكير، والسنة يلحقون بها القول والاقرار يعني تشمل الحديث فهو مصطلح هلامي سطحي وغير منضبط وتتفاجأ عندما ينفون عن السنة أنها وحي أو محفوظة أو أنها ثابتة بذاتها أو أنها تؤسس حكماً شرعياً أو مفهوماً إيمانيا أو تثبت خبراً غيبياً، فكيف مصدر وينتفي عنها كل هذه الصفات ؟ وكيف مصدر وهي لا تبثت حكماً شرعياً ولاغيره ، فقولهم بمصدرية السنة قول مفرغ من محتواه وتدليس ، وبقي القرءان والعقل، يقولون إن العقل هو مصدر والقرءان يكشف عن مايقول به العقل، يعني حتى القرءان مضطربين فيه هل هو مصدر يؤسس حكم شرعي ام العقل الذي يؤسس والقرءان كاشف له فقط، والعقل عندهم مصدر ، ويضطربون في مفهوم العقل ولايضبطونه ، فيوجد فرق بين مقولة إن العقل يدرك حسن وقبح الشيء من خلال الواقع و التجربة وأثر الشيء ونتيجته، وبين حكمه حرام وحلال، فتمييز العقل بين حسنها وقبحها لايجعله مصدراً تشريعيا ، وإنما يجعله دليلاً تمييزياً والمصدر هو الواقع والعلم والتجربة والخبرة ، وتمييزه بين حسن الشيء وقبحه لايجعله مصدراً تشريعياً يطلق الأحكام حرام وحلال وواجب ، وإنما يعطيه صلاحية اطلاق عليه الذم والمدح لفاعله وذلك نتيجة الواقع والعلم فهو المصدر وليس العقل، وهذا شيء آخر غير الحكم الديني.، فهذا من الفروقات المهمة بين المعتزلة والقرءانيين فنحن نقول إن القرءان هو المصدر التشريعي الديني الوحيد ، ولاننفي مصادر أخرى للعلم و المعرفة مثل التاريخ والواقع والعلم والتفكير، ونعد العقل فعل أو وظيفة للقلب الذي هو الفؤاد المتموضع في الدماغ، ويتم تفاعل الاثنين مع الحواس والواقع الخارجي والمعلومات من خلال لسان (لغة) يتم التفكير به كحقل ومجال له فيميز بين حسن أو قبح الشيء ويحكم عليه بناء على ذلك بالذم أو المدح لفاعله .

ويوجد تفاصيل غيرها محل اختلاف بيننا، ولانعد كتب المعتزلة مصادر او مراجع لنا ندرسها أو نتثقف بها رغم أهميتها كتراث فكري ولكن تجاوزناها.

ولانرى أن للمعتزلة أي وجود حالياً على أرض الواقع ومن يدعي ذلك هو مهرج وهربان من التاريخ يحاول أن يبعث فكر الاعتزال وينفخ فيه ولكن هيهات فالميت لايتحرك ولايمكن أن يرجع للحياة .