الفرق بين تعلق الطاعة وتعلق الإتباع
فعل الطاعة يتعلق بوجود جهة حاضرة الحدث بعلم تأمر وتنهى ، وهذا يعني أنه لا يصح تعلق الطاعة بغائب عن الحدث أو ميت، فالحضور العلمي والواعي للحدث شرط لحصول الطاعة، ولذلك لا نجد في القرءان تعلق فعل الطاعة بميت قط ، هل مر معكم أمر في القرءان تعلق بطاعة النبي إبراهيم أو النبي موسى أو النبي عيسى أو النبي محمد كشخص؟ و فعل الطاعة يتعلق بالأوامر والنواهي وهي تصدر بالكلام والقول وليس بالفعل أو المنهج ، ولذلك لا نجد في القرءان تعلق فعل الطاعة بغير كائن عالم أو عاقل، بمعنى لا تتعلق الطاعة بالشهوات والهوى، فهذا اتباع لها وليس طاعة، ولا يصح عد وصية الميت هي أمر بطاعته، لأن وصية الميت هي شيء يتعلق برغبته في توزيع ثروته أو تحقيق رغبة له ونحن ننفذها له إن كانت مشروعة ،ولا تتعلق وصيته في تدبير شؤون حياة الناس ونظامهم ونهضتهم ودينهم.
والوصية عادة تكون بالحض والنصيحة على الالتزام بالحق والصواب والخير والعمل الصالح ، وهي ليست تنظيماً لسلوك الناس ولا تشريعاً لهم كأمر ونهي، ولاهي خارج عن معلومات الناس
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }البقرة132
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13
بينما الإتباع نجد أنه يتعلق بمنهج وفكر وطريقة وليس بأقوال أو أحاديث، وهذا يعني أنه يصح تعلق الإتباع بميت أو حي، لنقرأ:
{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95
لاحظوا أن الإتباع ليس لشخص النبي إبراهيم وليس لحديثه، وإنما هو لملته الحنيفية
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي }طه90
لاحظوا تعلق الإتباع بكائن حي ولكن ليس لقوله وإنما لما يدعوا إليه، ولذلك أتى في آخر النص كلمة (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) بمعنى أطيعوا أمري في إتباعي، وهذا يدل على أن تعلق الطاعة غير تعلق الإتباع
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
الإتباع للرسول هو اتباع للرسالة وليس لشخصه ولا لحديثه
والنبي محمد نفسه قد أمره الله أن يتبع ملة النبي إبراهيم {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123
وأمر الله المؤمنين بذلك أيضاً {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125
{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95
هل يوجد في نصوص الأمر بالاتباع أي دلالة على تعلق الاتباع بشخص النبي إبراهيم أو أحاديثه وقوله ؟
الاتباع يتعلق بالمنهج والطريقة والهدى {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90
والاتباع يمكن أن يتعلق بمنهج كائن عاقل وملة وطريقة وهدى ، ويمكن أن يتعلق بشيء غير عاقل مثل الشهوات و الضلال {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27
وصلنا إلى أن لا طاعة لغائب أو لميت في شؤون حياة الناس وتنظيم أمورهم ، والاتباع يتعلق بالمنهج والطريقة و الملة ولا علاقة له بالأقوال والأحاديث ويصح لميت أو حي أو جهة غير عاقلة ، بينما فعل الطاعة لا يتعلق إلا بكائن عالم أو عاقل.
اضف تعليقا