هل كان النبي موسى ساحراً

السحر فعل مناف للنبوة كما الشعر مناف للنبوة ، وكلا الصفتين ينقضان النبوة ، ولذلك نفى القرءان عن النبي ممارسة السحر أو الشعر أو وقوعه عليه من قبل أي أحد.

{وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }الزخرف30

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }الصافات36

{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات52

وتهمة السحر أطلقها الكافرون على النبي لنقض نبوته وتكذيبه في دعوته {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }يونس2

{وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }ص4

ولذلك رواية السحر التي وردت في البخاري عن النبي محمد كذب وموضوعة قولاً واحداً لمنافاتها لمقام النبوة ومناقضتها للقرءان الذي نفى عن النبي وقوع السحر عليه أو ممارسته ، ومن يثبت تلك الرواية يصف مع فريق الكافرين في وصفه هذا.

والسحر المنفي ممارسته عن النبيين أو وقوعه عليهم هو السحر الذي يتعلق بالتأثير على العقل والتفكير والحكم على الأشياء، وليس سحر  الأعين الذي يعتمد على الخفة والخداع فهذا أمر عادي يصيب أي إنسان ولا ضرر منه ولا علاقة له بقوة التفكير أو العقل أو العلم ولا يؤثر على الحكم على الأشياء، وقد توسعت في شرح أنواع السحر في مقال منفرد .

لنرى كم مرة  تحولت عصا النبي موسى إلى أفعى :

المرة الأولى: عندما كان النبي موسى وحده وتحولت عصاه إلى كائن حي أخذ صورة الأفعى.

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى }طه17

{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى }طه18

{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى }طه19

{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى }طه20

المرة الثانية: عندما ذهب النبي موسى إلى فرعون وألقى عصاه بحضرته كآية على صدق نبوته ودعوته وتحولت إلى ثعبان مبين.

{حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الأعراف105

{قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }الأعراف106

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ }الأعراف107

المرة الثالثة: عندما اجتمع السحرة لتحدي النبي موسى وألقوا عصيهم وحبالهم، وقام النبي موسى بإلقاء عصاه، ولم يذكر النص عن أي تحول لعصا النبي موسى إلى أفعى قط ، وإنما ذكر أن عصا النبي موسى لقفت وأبطلت سحر السحرة .

{قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }الأعراف116

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }الأعراف117

نلاحظ أنه يوجد ثلاث أحداث مختلفة زمكانياً وأتت النصوص تتكلم عن كل واحد على حدة، وليست هي نصوصاً تصف حدث واحد من زوايا مختلفة ، وبالتالي لا يصح سحب نص يتعلق بحدث إلى حدث آخر، وهذا يعني أن الحدث الأخير غير موجود فيه تحول عص النبي موسى على أفعى لغياب ذكرها ، فما الذي حصل؟

انظروا كيف تأثر النبي موسى بسحر السحرة مثله مثل سائر الناس الحاضرين وهذا السحر هو سخر تخيل وليس سحر للعقل والتفكير، اقرؤوا:

{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } طه 66

فالنبي موسى عليه السلام ينطبق عليه ما ينطبق على البشر من كونه محدود الحواس فإذا مارس أحد أمامه خدعاً بصرية فإنه يرى ما يرى الناس {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } فصلت 6 ويتخيل ما رآه في ذهنه، أما عملية التصديق لما يرى فهذه مسألة ترجع إلى علم الرجل وعدم علمه، فإن كان غير عالم ولا يملك تفكير موضوعي فإنه سرعان ما يصدق وتنطلي عليه الحيلة والخدعة، أما إن كان من العلماء أو من ذوي التفكير الموضوعي فإنه يدرك أن هذه الأعمال السحرية مستحيلة الوجود لأنها لا تتجاوز الخيال.

وقد يقول قائل: ولماذا خاف النبي موسى عليه السلام؟

وذلك في قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى } طه 67

فنقول إن النبي موسى عليه السلام لا شك كان من العلماء ومن ذوي التفكير الموضوعي وخاصة أنه من أولي العزم فقطعاً كان يدرك إن هذه الأعمال إنما هي سحر أي خداع بصري وليس حقيقة ولو أنه قد رآها مثل ما رآها الناس وكذلك التخيل لصور الحيّاة والأفاعي نتيجة الخداع البصري ولكنه كان يعلم يقيناً أن الحبال والعصي ما زالت على حالها في الواقع أما خوفه فإنما كان من نتيجة المعركة بالنسبة للناس لأن الناس قد سحروا ورأوا العصي والحبال أفاعياً والنبي موسى في ظنه أن عصاه لا تزيد على أن تتحول إلى أفعى، ولكن في النتيجة الذي يراه الناس في الساحة هو حيات وأفاعي ولن يستطيعوا التمييز بين الأفعى الحقيقية والخيالية، وبالتالي فلن تحسم المعركة لصالح أحد، ويصير موسى ساحراً مثلهم وتثبت تهمة فرعون له.

فمن جراء ذلك أوجس في نفسه خيفة فجاءه الرد الإلهي مباشرة يبين أن الأمر ليس كما ظننت وإنما هناك تميز لحسم المعركة لصالحك أمام الناس، وظهور الحق {فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }يونس81 ، فأتاه الدعم والرد والأمر: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى }{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } طه 68-69، فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما صنعوا.

والسؤال هو هل تحولت عصا موسى إلى أفعى كما هو شائع في التراث وظاهر من الحدث؟

والجواب هو إن النص لايوجد فيه أي إشارة إلى تحول عصا موسى إلى أفعى، فماذا حصل حتى حُسمت المعركة لصالح النبي موسى؟

الذي حصل كان شيء غير متوقع من النبي موسى نفسه ولا السحرة، فقد ألقى موسى العصا فإذا هي تلقف ما صنع السحرة، والذي صنعه السحرة محله في مخيلة الناس وليس الواقع، وعندما ألقى النبي موسى عصاه لقفت صنع الساحر في مخيلة الناس وأبطلته ،  فالعصي والحبال لم تتغير إلى أفاعي، وعصا النبي موسى لم تتحول إلى أفعى كبيرة وتلتهم الحبال والعصي، وهذا يعني أن عصا موسى عندما ألقاها أبطلت تأثير السحر على الناس وأرجعتهم إلى طبيعتهم فرأوا العصي والحبال مازالت على حالها، ورأى السحرة ذلك فعرفوا أن موسى ليس كاذباً أو مدعياً أو ساحراً مثلهم لأن الإنسان المسحور لا يمكن أن يبطل السحر عن نفسه ومن باب أولى عن الآخرين، فآمنوا برب موسى وهارون  وسجدوا لله العظيم.  {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى }طه 70.