الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص أو ما دل عليه

هذه القاعدة هي أحد أسس التشريع المهمة جداً التي لا يستغني عنها أي باحث في دراسته كونها أصل ومنطلق حياة الإنسان وحرياته الأربعة، ولكن بحاجة لضبط محل تعلقها وهل هي عامة في كل شيء أم لها مجال خاص بها ؟

نلاحظ أن القاعدة تتعلق بالطعام والشراب فالأصل بهما الإباحة إلا النص، وتتعلق باللباس والمركب والمسكن والعمل والزينة والتجارة والبيوع والملكية…الخ، لذلك أتى النص التشريعي وفصَّل ما حرَّم على الناس في الكتاب، لذلك حكم الإباحة لشيء مما ذكر لا يحتاج لنص بعينه فهو مباح بالمفهوم العام للتشريع ومن يدَّعي حُرمة شيء منها يلزمه الإتيان بالدليل العيني أو الاستنباط الصريح من نص ومقاصده.

بينما الأصل في الدماء وما يتولد منها وما يدخل في تركيبها كبناء مثل اللحوم الأصل فيها الحرمة وليس الإباحة ولذلك أتى النص القرءاني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }المائدة1، وحدد الشارع المباح من اللحوم ببهائم الأنعام فقط وهي بهائم نباتية {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ }النازعات33، وترك حكم لحوم البهائم اللاحمة على أصلها وهو التحريم.

ونجد أن حكم حقوق الناس وحياتهم وأعراضهم وأموالهم الأصل بها التحريم وليس الإباحة، كما أننا نجد أن تغيير خلق الله في الجسم من بتر أي عضو أو شق أو قرط أو قطع أو تشويه الأصل فيه التحريم وليس الإباحة، وتحريم هذه الأمور لا يلزمها نص عيني فهي محرمة وفق مفهوم الأصل التشريعي ، بينما إباحة شيء منها يلزم لمن يقول به الإتيان بدليل عيني على إباحته، مثل بتر يد السارق ورجم الزاني وقتل المرتد عن دينه والختان ونكاح البهائم والمثلية والإفساد في البيئة و المجتمع وما شابه ذلك من العادات الإفريقية وسكان الغابات من تشويه وجوههم وإطالة رقباتهم أو قرط شفاههم أو جدع أنوفهم أو مط شفاههم ….الخ، فهذه السلوكيات كلها محرمة بالأصل العام ولاتحتاج نص عيني على كل سلوك، ولا قيمة لتواتر ذلك السلوك في القوم أو آبائهم أو عدم ظهور أي ضرر حالي لأن المصدر التشريعي هو كتاب الله وليس رأي زيد ولاعبيد ولا التاريخ ولا التطبيق ولا مرور الزمن على أي عادة أو سلوك همجي، وهذا غير عمليات التجميل والعلاج لأي تشويه خَلقي فهو مباح لأنه ارجاع صورة الخلق لما كان عليه أو رفع مستوى الجمال في إنسان وفق خَلق الله السوي دون تبديل له ، لذلك ينبغي الانتباه حين استخدام قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص في محل تعلقها فقط وعدم سحبها لكل شيء، وإعطاء كل ذي حق حقه من العلم والقواعد وعدم الخلط بين الأمور.