الوعد بالاستخلاف للمجتمع المؤمن الصالح
موضوع الخلافة للإنسان في الأرض متعلقة بجنسه وليس بفرد منه، قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30
ومقام الخلافة في الأرض ليس هو مقام دولة وسلطة بقدر ما هو مقام منحة وصلاحية في التحرك بشكل منضبط لعمران الأرض والمسؤولية من قبل المجتمع الإنساني ككل أمام المستخلف، والمجتمع هو تجمع إنساني وفق شبكة علاقات دائمة على جغرافية معينة تحكمهم سلطة تنفيذية .
فمقام الخلافة للجنس الإنساني أكبر من الدولة لأن الدولة هي تعبير عن تطلعات مجتمع وفق رؤيته الثقافية ضمن سلطة تنفيذية ، ولا تمثل الجنس الإنساني كله ، وإنما تمثل مجتمع معين ، وكل المجتمعات داخلة في مفهوم مقام الخلافة في الأرض.
وأتى الخطاب بمقام الخليفة للإنسان الحاكم لينفي عنه مقام الملك المطلق، ومقام المملوك الذي إرادة له، في قوله تعالى:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26
ومقام الخلافة هو بين المقامين ( الملك المطلق والمملوك الذي لا إرادة له) بمعنى أن الخليفة يملك صلاحية التحرك واتخاذ القرارات وفق حدود وضعها المستخلف له لا يتجاوزها، والذي يمثل خلافة المجتمع هو رأسه الهرمي فكان من الطبيعي أن يخاطب الله النبي داوود بمقام الخليفة لأنه يمثل سلطة المجتمع وهو المسؤول عن العناية به والإشراف على تطبيق نظامه والنهضة به وفق الرؤية الثقافية التي يحملها المجتمع المتضمنة رؤيته الدينية كون الدين أحد أهم مقومات الثقافة الاجتماعية ، ومن الطبيعي أن يصبغ الدولة ويكون مصدراً أولياً لدستورها وليس النهائي.
وكل مجتمع لا يمارس حريته في قيادة أموره ، ومحكوم بالقهر والغلبة والاستبداد والاستعباد فهو مجتمع مملوك مسلوب الإرادة ، وهذا المجتمع في حال غير ثقافته إلى ثقافة فاعلة إيجابية نهضوية إنسانية اجتماعية ورجع إلى استلام دوره الحضاري والقيام ببناء نهضته وفق رؤية الصلاح للمجتمع لاشك سوف يصل إلى مقام الخلافة كما منحه الله إياها ويمثله دولة تقوم على ثقافة الخلافة في الأرض من خلال صلاح المجتمع وعمران الأرض ، فالدولة هي نتاج طبيعي وضروري لمجتمع يحمل ثقافة الخلافة في الأرض ويمثل نفسه حراً كريماً لا ملك ولا مملوك.
وهذا المجتمع عندما يصل إلى مستوى الحرية وثقافة الخلافة في الأرض القائمة على الأمن والسلام وعد الله أن يستخلفه في أرضه التي يقيم عليها وليس على كوكب الأرض كله فقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) .
فالخلافة مقام إنساني تتمثل بالمجتمعات الفاعلة الحرة الكريمة ينتج عنها ضرورة دولة تحكم المجتمعات ، فالدولة ليست واجباً دينياً ، وإنما ضرورة اجتماعية محكومة بثقافته.
اضف تعليقا