حوار صغير ومفيد مع دكتور شريعة ودكتور لغة عربية
كنت في بعض شأني عند محل تصليح كمبيوتر قاعد وجرى نقاش مع صاحب المحل واستغرب من عرضي الذي عرضته عليه ، وإذ يدخل رجل فوق السبعين من عمره فيرحب به صاحب المحل ويقول له: جئت بوقتك دكتور، وعرفني عليه بأنه دكتور شريعة ومؤلف وباحث وله مؤلفات وحصل على جوائز من الخليج على بعض مؤلفاته، وتوجه بالحديث للدكتور قائلاً:
كان الأستاذ يناقشني عن الحديث النبوي وحجيته وتطرقنا للحديث القدسي فقال هو: نوع من أنواع الحديث النبوي ولكن يختلف بصيغته ومحل تعلقه بالمواضيع. فما هو رأيك دكتور بها؟ الدكتور: لابد من تعريف القرءان والحديث القدسي والحديث النبوي.
القرءان: هو النص القرءاني الذي نزل لفظاً ومعناً من الله ويتعبد بتلاوته وهو معجز بصياغته المجموع بين دفتي المصحف المعروف المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس والمتواتر في تناقله .
الحديث القدسي: هو النص الذي نزل كمعنى من الله وقام النبي بالتعبير عنه بكلامه ، وهو غير معجز ولامتعبد بتلاوته.
الحديث النبوي: هو كل ما تعلق بفعل النبي وقوله وإقراره.
قلت: عفواً؛ ألا يقول علماء الحديث والأصول عند أهل السنة إن حديث النبي أيضاً المعنى من الله والتعبير من تأليف النبي؟
الدكتور: صح كلامك ؛ نعم المعنى من الله،و المبنى كصيغة لسانية من عند النبي. قلت: إذاً ؛ ما الفرق بين نوعي الحديث القدسي والنبوي؟
الدكتور: من حيث النتيجة لا فرق بينهما إلا شكلاً، فكلاهما المعنى من الله والمبنى من تأليف النبي ولكن الصيغة للحديث القدسي تظهر أو تبدأ بقول النبي: ( قال الله ) أو الرواة يقولون: ( فيما يرويه عن ربه).
قلت: أليس مواضيع الأحاديث القدسية تأت متعلقة بالله أو بالموعظة ولا تأتي بالتشريع وتفصيله؟
الدكتور: نعم؛ مواضيع الأحاديث القدسية تتعلق بالله أو الوعظ فقط ولا تتعلق بالتشريع وتفصيله، وهي إجمالاً قليلة العدد.
قلت: دكتور كيف برأيك تلقى النبي معنى دون مبنى يحمل المعنى ؟ وكيف استطاع النبي أن يعبر عن معنى إلهي و يصيغ له لفظاً يحمله؟
الدكتور: الله قادر على كل شيء!
قلت: أنا لا أعترض على قدرة الله على كل شيء ، وليس هذا محل النقاش، أنا أعترض أو أسال عن قدرة الإنسان والنظام الذي خلقه الله فيه ليتواصل مع الآخر ويتلقى المعلومات، هل يمكن أن يتلقى الإنسان معلومات دون مبنى لساني صوتي يحمل المعلومات بصرف النظر عن طريقة التلقي؟
الدكتور: نحن لا نخوض في مثل تلك المواضيع ولا نتدخل بها ، الحديث وحي من قبل الله بالمعنى وقام هو بالتعبير عنه بلفظه.
قلت: أليس النص القرءاني محفوظ بتعهد من قبل الله نفسه، فهل الحديث النبوي محفوظ مثل القرءان؟
الدكتور: حفظ النص القرءاني من قبل الله ، أما حفظ الأحاديث فقد وكل الله بها العلماء ليحفظوها، لذلك قام العلماء بجمعها وصنفوا الكتب وميزوا بين الصحيح والضعيف؟
قلت: أفهم من كلامك أن الله لم يتعهد بحفظ الأحاديث وإنما تركها للناس وهم قصروا بذلك بدليل الواقع وظهور الكذب والوضع على لسان النبي ؟
الدكتور : صح الله لم يحفظها بنفسه ولكن وكل الناس المسلمين بحفظها وصنفوا الكتب وميزوا بين الحديث الصحيح والضعيف . قلت: يهمني قولك الأول لم يتعهد الله بحفظها، هل برأيك من الحكمة و العدل أن يلزمك الله أو يحاسبك على شيء لم يحفظه بنفسه وتركه للناس وهم أهملوه وكذبوا على الله، وصار عند كل فئة وحي صحيح ووحي ضعيف حتى قام الشيخ الألباني وألف سلسلة الأحاديث الصحيحة وأخرى سلسلة الأحاديث الضعيفة وهذا يعني عملياً سلسلة الوحي الصحيح وسلسلة الوحي الكذب والضعيف؟ وكل فئة لها وحيها الذي تعتمد عليه؟
الدكتور : عذراً ؛ أنا مضطر أن أمشي فالموضوع كبير وقد خاض به العلماء كثيرا ً ومنتهي عندهم أن السنة هي الوحي الثاني ومصدر ديني متفق عليه .
قلت متوجها بحديثي لصاحب المحل بعد أن انصرف الدكتور: هل رأيت كيف انتقل بحديثه من استخدام كلمة الحديث إلى كلمة السنة وكأنه لايوجد فرق بينهما ؟
صاحب المحل: بصراحة أنا مذهول مما سمعت لم أتصور أن الموضوع بهذا التعقيد رغم أهميته!
قلت: الأمر ليس معقداً هو تفكير حر وفهم منطقي ولساني وقرءاني. وتطرقنا لمواضيع أخرى لشرح الفكرة وتوضيح الفرق بين مفهوم السنة و الحديث وضربت له مثلاً كلمة(قطع) وكلمة (بتر) وعرضت عليه القاعدة اللسانية المنطقية العلمية : إذا اختلف المبنى اختلف المعنى ضرورة ، وضربت له مثلاً بأن نظام جهاز الكمبيوتر ذاته يعمل وفق القاعدة أليس كذلك ؟ قال : كيف ذلك؟ قلت: هل يقبل نظام الكمبيوتر حفظ مجلدين بالاسم ذاته أم يرفض ويطلب منك حذف أحدهما أو تغيير اسمه لوجود الاسم مستخدم سابقاً؟
قال: لاشك يرفض ذلك .
قلت: يعني أن نظام ويندوز يعتمد في حفظ المعلومات على قاعدة نفي الترادف.
قال: نعم؛ القاعدة علمية والكون يقوم عليها أيضاً.
قلت: إذاً؛ مفهوم كلمة السنة غير مفهوم كلمة الحديث، ومفهوم كلمة قطع لاتعني بتر.
وإذا يدخل رجل بالأربعين من عمره ، فيبتسم صاحب المحل ويرحب به ويقول له جئت بوقتك تفضل دقائق فقط ، وعرفني عليه بقوله : دكتور في اللغة العربية .
وفعلاً قعد الدكتور وقال: خيراً إن شاء الله.
قلت لصاحب المحل: دعني أسأله أنا؟ فأجابني بالرضى والموافقة .
قلت: دكتور: كونك عالم لغة ما رأيك بقاعدة الترادف؟ الدكتور: يوجد مدارس ومختلفين بها…
فقاطعته بقولي : دكتور لا نريد أن تخبرنا عن تاريخية القاعدة ومن أثبتها ومن نفاها ، أنا أريد رأيك أنت فقط ؟
الدكتور: رأي أنه لا يوجد ترادف إلا قليلا في اللغة والشعر…. وأيضا قاطعته بقولي : دكتور هل يوجد ترادف بالقرءان أم لايوجد؟ الدكتور : لايوجد ترادف بالقرءان.
توجهت بحديثي لصاحب المحل : هل سمعت ذلك ؟ ثبت الفكرةو الجواب، واسمع تتمة الجواب عن السؤال التالي؟ قلت متوجها للدكتور: هل يوجد فرق بين دلالة كلمة ( قطع) ودلالة كلمة ( بتر)؟
الدكتور : طبعا يوجد فرق بينهما في اللغة طالما اختلف المبنى بين الكلمتين. تدخل صاحب المحل وقال : دكتور يمكن أن تشرح لي نص قطع يد السارق؟ الدكتور: قطع يد السارق يعني أن تقطع يده وتفصلها عن جسمه.
صاحب المحل: يعني قطع تدل نتيجة على دلالة بتر ؟
الدكتور: قطع غير بتر ولكن النتيجة واحدة.
تدخلت وقلت: دكتور دعنا نثبت القاعدة ونعمل بها هل غيرت رأيك بها ؟ الدكتور: القاعدة ثابتة ، ولكن فهم الأحكام الشرعية تؤخذ من كتب التفسير وما قال المجتمع الأول وكيف نفذوها.
قلت: هل فهم الناس زيد وعبيد قاعدة علمية وملزم لنا ؟ وهل فهم المجتمع الأول وحي وملزم للناس فيما بعد وهل هو محفوظ مع القرءان؟ وتابعت قولي: القرءان نزل بلسان عربي مبين وليس بفهم زيد ولا عبيد ولم يتعهد الله بحفظ فهم أحد لنا ولم يلزمنا به .
ودخل أحدهم للمحل، فقمت أنا واعتذرت أريد الانصراف فقد تأخر الوقت وتركت الدكتور وصاحب المحل ينظرون لبعضهم !!!!!
اضف تعليقا