الثابت والمتغير و العلاقة الجدلية بينهما
إن مفهوم الثابت والمتغير من المفاهيم المرتبطة بالواقع ارتباط اللازم بالملزوم، وكون الأمر كذلك فدراسته تصبح دراسة موضوعية للواقع المشاهد – آفاق وأنفس – .
إن الواقع كما هو عليه في الحال قائم على الحركة لا يقف أبداً
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }الأنبياء 33.
وهذه الحركة لا يمكن أن تكون في واقع الحال إلا إذا كان لها جانب ثابت يكون أساساً للحركة لأن غياب الجانب الثابت عن المتغير يلغي وظيفة الجانب المتغير ودوره ويصبح وجوده عبثاً وليس له دور يقوم به نحو افتراض انتفاء حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس وسيرها اللا متناهي في اللا اتجاه غير خاضعة لأي نظام، وإذا كان الأمر كذلك فيعني انتفاء الليل والنهار والفصول الثلاثة وتوقف الوقت لأن كل لحظة لحركة الأرض اللا نظامية هي وقت بحد ذاته قائم بنفسه لا علاقة له بما قبله أو بعده، ولو افترضنا وجود حياة عاقلة على هذه الأرض اللا نظامية في حركتها لكانت هذه الحياة أفقية في الوجود لا علاقة للمجتمعات ببعضها بل بالجيل نفسه تنتفي العلاقة، بل الإنسان الفرد يبقى طوال حياته جاهلاً لا يعلم شيئاً لأن كل ما حوله في تغير مستمر دون ثبات وتواصل!.
إذاً؛ غياب الجانب الثابت في الواقع مع وجود المتغير فقط يؤدي إلى غياب العلم والتواصل ويؤدي إلى الفوضى ليحل في هذا الوجود الهلاك أخيراً والتلاشي إلى لا شيء.
وغياب الجانب المتغير عن الواقع مع وجود الجانب الثابت فقط يؤدي إلى الجمود وجعل الحياة صورة طبق الأصل عن بعضها بعضاً، وإذا حصل هذا في الواقع انتفى عن الواقع صفة النمو والتطور ليحل محله الهلاك والتلاشي إلى لا شيء.
إذاً؛ الجانب الثابت لا بد منه لتحقيق العلم والتواصل، والجانب المتغير لتحقيق التطور والنمو، والعلاقة بين الثابت والمتغير علاقة جدلية يؤثر كل واحد منهما بالآخر بالنسبة لوجوده، فنظام سير المجموعة الشمسية ثابت على متغيرات تنتج منه وذلك متحقق بظهور الليل والنهار والفصول الثلاثة بشكل مستمر، ولو انتفت هذه الظواهر المتغيرة عن الظهور لانتفت صفة الثبات نفسها من حيث هي نظام دائم.
لذا فصفة النظام الثابت تُدرَكُ من خلال الظواهر المتغيرة بشكل دوري، فالثابت ينتج عنه المتغير، والمتغير يدل على الثابت كقوله : {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62
ومن هذا الوجه ظهر لنا علاقة الخالق المدبر بخلقه، فالله أحد صمد وذلك لم يدرك من قبل الناس إلا بوجود الجانب المتغير الذي هو فعل الله عز وجل – الآفاق والأنفس – فالثابت أصل ومرجع للمتغير ولولا وجود الثابت – الباطن – لما وجد المتغير – الظاهر – والمتغير دليل على الثابت ولولا المتغير لما ظهر الثابت لنا، هذه هي العلاقة الجدلية بين الثابت (الباطن) و المتغير (الظاهر)، فعلاقة الثابت مع المتغير علاقة وجود فلولاه لما وجدت الحركة والتطور، والمتغير علاقته مع الثابت علاقة ظهور فلولاه لما ظهر لنا الجانب الثابت.
فأي حركة وتطور إنما هي ظاهر لثابت باطن.
اضف تعليقا