هل يوجد وحي تشريعي مُلزم خارج القرءان
سأناقش أهم ثلاث شبهات؛ يعرضها أهل الإسناد في الاستدلال على أن حديث النبي هو وحي من الله، وملزم لكل المجتمعات خلال الزمن.
الشبهة الأولى: استدلالهم على نزول الأمر الإلهي باستقبال جهة الشمال في الصلاة خارج النص القرءاني، وذلك فهماً من قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } ( البقرة144)
وتم نسخ هذا الحكم بالقرءان فيما بعد، وقالوا: هذا دليل على أن النبي كان يوحى إليه أحكاماً شرعية خارج النص القرءاني، ما يدل على أن التشريع الإلهي نزل بصورتين: أحدها في القرءان وهي الأساس، والثانية بواسطة الحديث النبوي، وبالتالي فحديث النبي وحي من الله ملزم لكل المجتمعات خلال الزمن.
والجواب على هذه الشبهة هو، أولاً، ينبغي أن نضبط محل النقاش، والحوار، فنحن لم ننفِ نزول وحي على النبي خارج النص القرءاني، وإنما ننفي نزول وحي تشريعي إنساني دائم خارج النص القرءاني، فهل يصح أن يلتزم أحد الآن باستقبال جهة الشمال في صلاته !؟ ولأن الله لم يرد لهذا الحكم صفة الديمومة والثبات؛ أنزله خارج النص القرءاني، وأنزل نَسخَه بالنص القرءاني ليعطي للحكم الجديد صفة الثبات والديمومة، ما يؤكد أن كل حكم شرعي دائم ينبغي أن ينزل في القرءان فقط، وما نزل في القرءان لا يصيبه النسخ أبداً، أما التشريع الإلهي الظرفي فقد نزل على النبي خارج النص القرءاني لأنه خاص بمعطيات وحيثيات معينة مرتبطة بزمن النبي، ولا يصح الالتزام بها بعد اكتمال نزول القرءان، وبالتالي فالقرءان قاضٍ على الحديث النبوي، وحاكم ومهيمن عليه.
ونحن لاننف نزول وحي خارج القرءان ولكنه غير ملزم لنا، فالنبي صار نبياً بتكليف من الله بواسطة الوحي، وبقي الوحي ينزل على النبي بالتأييد والتوفيق والتعليم و التوجيه والعناية وما يلزمه من أمور متعلقة بمهمته كنبي، ومن الأمثلة على الوحي الذي نزل خارج القرءان وهو خاص للنبي قوله تعالى:
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }التحريم3، فالإظهار لحدث نبأ نسائه نزل خارج القرءان وهو خاص للنبي وليس تشريعاً للأمة، وكذلك نزل أمر من الله بزواج النبي محمد من زينب خارج القرءان {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }الأحزاب37، وبعد حصول الحدث نزل القرءان يقص الحدث ويعاتب النبي لتأخير الزواج من زينب من خلال منع زيد من طلاقها.
فهذا الوحي خارج القرءان ليس تشريعاً للأمة وإنما هو وحي للنبي أو لقومه خاص بهم لا يتجاوزهم للمجتمع اللاحق، وهذا يعني أن ليس كل وحي خارج القرءان هو ملزم للأمة ليوم الدين، وإنما الوحي الملزم هو وحي القرءان فقط لذلك حفظه الله للناس.
اضف تعليقا