نقاش مع دكتور أزهري يحترم علمه

قال الدكتور: أنت تنكر السنة .

قلت: أتريد أن أناقشك كرجل باحث دكتور متعلم أم أعاملك كعامي ؟

قال: أنا دكتور في أصول الفقه، وحبذا لو تحدثني كذلك .

قلت: سهلت علي النقاش كثيراً فسوف تفهم بسرعة.

ماتقول بالقاعدة اللسانية المنطقية : إذا اختلف المبنى اختلف المعنى؟

قال: قاعدة صواب وهي علمية وأنا أتبنى ذلك.

قلت : أحسنت رائع، أخبرني ما الفرق بين السنة و الحديث إذاً؟

قال: أتريد التعريف الاصطلاحي؟

قلت: هل الاصطلاح برهان أو دليل على شيء أم هو مجرد اصطلاح لمن يستخدم الكلمات حسب مايريد ولايلزم إلا قائله ، والمقولة تقول: لامشاحة في الاصطلاح طالما لاتغير من الحقيقة شيء ولايوجد فيه لبس أو إشكال.

قال: لاشك الاصطلاح ليس برهاناً ولايلزم إلا صاحبه .

قلت : إذاً ؛ تحدث معي بعلم وأخبرني بالمعنى لكلمة سنة وكلمة حديث والفرق بينهما ؟

قال: السنة معروفة لسانياً أنها الطريقة وهكذا أتت في القرءان ، والحديث هو الشيء الجديد سواء أكان فعلاً أو قولاً أو شيئاً.

قلت: هل ورد في القرءان إضافة كلمة سنة أو حديث للنبي محمد تحت أي اسم له ؟

قال: أكيد لم يرد هذا في القرءان، والذي ورد إضافة كلمة سنة وحديث لله .

قلت : أتوافقني بقولي إن معظم العلماء دلسوا عندما قالوا إن مصادر الدين أو التشريع أربعة وذكروا: القرءان و السنة و الاجماع والقياس، وعند التطبيق استبدلوا السنة بالحديث؟.

قال: نعم أوافقك، ولاأدري لماذا فعلوا ذلك هل هو عمداً وبسوء نية أم في أسباب أخرى مجهولة . قلت: لن نحاكم رجال التاريخ الآن ولانريد أن ندخل بالنوايا، المهم أنت تدرك هذا الخطأ الفادح والتدليس الذي وقعوا فيه عندما استبدلوا السنة بالحديث ونشروا بين على الأمة على أساس أنه علم وحقيقة ودين ؟ قال: نعم أدرك ذلك وبوعي .

قلت: إذا حصل عندك جواب لسؤالك الأول الذي بدأت به نقاشك معي وهو أنت تنكر السنة ؟ وعلمت أن الامر ليس فيه إنكار وإنما فيه ضبط لمفهوم السنة و الحديث .

قال: أخبرني عن موقفك من سنة النبي و حديثه باختصار؟

قلت: حسناً ، إذاً مفهوم سنة النبي أو حديثه ليس مفهوماً مؤسساً على القرءان.

قال: تأسسس من مفهوم الأمر بطاعة النبي واتباعه.

قلت: هل ورد في القرءان صيغة فعل أمر بطاعة النبي أو محمد أو اتباعه كشخص؟

قال: فهمت عليك ماذا تقصد، لم يرد فعل الأمر بالطاعة مقترنا بكلمة النبي أو محمد أو شخصه بمعنى ( أطيعوا النبي ) أو ( أطيعوا محمداً)، ولكن ورد مقترنا بكلمة الرسول ( أطيعوا الرسول).

قلت: هل تجيز منطقاً تعلق الطاعة بميت ؟ قال: الطاعة هي فعل يتعلق بأمر أو نهي وهذا لابد له من كائن يأمر وينهى ، ولذلك لايتعلق فعل الطاعة بميت ولابد أن يكون حياً ليأمر وينهى ويعلم جدوى أمره أو نهيه . قلت: رائع ، وأنا مسرور جداً بالنقاش معك وبتجاوبك ومرونتك وتفعيل علمك .

قال: إن لم نستخدم علمنا والمنطق فلماذا درسنا إذاً  وحصلنا على شهادة الدكتوراة!!

قلت: إذاً، لاتجيز تعلق الطاعة بميت ، فكيف تفهم نص ( وأطيعوا الرسول)؟

قال: النص القرءاني{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59 أتى بفعل طاعة لله مستقلاً، وأتى بفعل طاعة للرسول وأولي الأمر ، وهذا يدل على استقلال طاعة الرسول عن طاعة الله وهذا تأسيس لطاعة للرسول غير طاعة الله ، وليس هي إلا ما أمر به الرسول أو نهى في أحاديثه .

قلت: لن أخوض معك بتفاصيل في مفهوم الرسول وصواب اطلاقه على الرسالة ذاتها وخاصة بعد فصلها عن حاملها البشري فهذا موضوع كبير وطويل، ماتقول بقاعدة أن المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه ؟

قال: لاشك قاعدة صواب.

قلت: أتى بالنص أمر بطاعة الرسول وعطف عليه أولي الأمر ليشاركوه في فعل الطاعة ذاته، ولمعرفة طاعة الرسول في النص هذا نعرف محل تعلق طاعة أولي الأمر، وبعد تحديدها نسحبها على طاعة الرسول كونه معطوف عليه وهو الأصل، أليس كذلك ؟

قال: تفضل تابع. قلت أخبرني محل تعلق طاعة أولي الأمر هل هو بالدين و التشريع الإلهي أم بأمور الدنيا وتنظيم ممارسة الحلال منعاً أو سماحاً أو تقييداً؟

قال: طالما أن الأمر بطاعة الله أتى منفرداً وحده ومستقلاً فلا شك لاشريك معه بالتشريع الثابت الدائم المتعلق بالواجب الديني أو الحرام أو الحلال للناس، وهذه الدائرة مغلقة غير مسموح بالدخول إليها وممارستها من قبل أحد.

قلت: رائع جداً، إذاً، ماهو مفهوم تعلق أمر أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم؟

قال: بناء على ذكرك محل تعلق طاعة أولي الأمر وهم معطوفين على الرسول يكون محل طاعة الرسول هو أيضا ً في ذات الدائرة خارج الدين وهي دائرة الحلال كما ذكرت، ولكن لماذا أتت كلمة رسول ولم تأت كلمة نبي أو محمد؟

قلت: ملاحظة جيدة ودقيقة ، أنت تعرف أن المفهوم الإيماني أو الأصولي لايبنى من أهداب كلمة لسانياً فقط بمعزل عن السياق ومحل الخطاب والمنظومة التي ينتمي إليها المفهوم ، وفي مسألتنا هذه لابد من استحضار المنظومة التي تضبط مفهوم الطاعة ومفهوم الرسول،  وقد فعلنا أثناء حديثنا وقررت أنت بنفسك أن طاعة الرسول المستقلة هي خارج دائرة الدين المتعلقة بطاعة الله وحده لاشريك له ، وتكون في مجال دائرة الحلال فقط، واستخدمت كلمة الرسول في النص لتشمل النبي محمداً في حياته وتستمر بعد وفاته لكل من يحمل الدين علماً ودعوة إيماناً وطوعاً وتكون طاعتهم في دائرة الحلال وفق علم وعن بصيرة محكومين بطاعة الله الأساسية ويعطف عليهم بالطاعة أولي الأمر.

قال: ولكن الأحاديث أتت تشرح وتفسر وتخصص نصوص القرءان ، فهي لازمة له.

قلت : كلامك هذا يدل على أن الحديث محفوظاً وجوباً من باب مالايتم الواجب إلا به فهو واجب، ولايتم فهم القرءان إلا بالحديث فيصير حفظ الحديث واجب على المشرع مثل حفظ القرءان أو يصير المشرع ظالماً وينتفي عنه الحكمة في حال ترك حفظ الحديث للناس والواقع يثبت أن الناس أهملوه وحرفوه وكذبوا على لسان النبي، وهذا يعني ان الحديث غير محفوظ وليس من الدين بشيء، وهب أن الحديث صحيح ووصل لنا هل تقول باستقلاله بالتشريع عن القرءان ؟ قال: لايستقل الحديث عن القرءان بالتشريع أبداً، وإنما هو تابع له وبين يديه ، يشرح معنى النص ويقربه للناس. قلت:إذا تقول إن  النص القرءاني قائم بذاته مستغني عن غيره من كلام البشر ويحمل مفاهيمه ومعناه في مبناه ومحل تعلق الخطاب من الواقع؟

قال : نعم الامر كذلك . قلت: ألا تجد أن منهجنا وقولنا هو ذات ماتقول أنت ولايوجد فرق بيننا إلا إننا نقول : بصراحة إن السنة غير الحديث ، وأن الحديث ليس مصدراً دينياً ولاتشريعياً والقرءان يستغني عنه ولاحاجة له وهو غير محفوظ  ، وهو – الحديث- تفاعل النبي مع القرءان والواقع بزمنه حسب قانون النفعية و الأحسن والأنسب لقومه، وكل عالم يقوم بهذا التفاعل مع القرءان بزمنه ويختار الأنفع والأحسن  والأنسب .

قال : أنا أفهم الأمر هكذا وأضرب لطلابي مثلاً لأقرب لهم مفهوم السنة و الحديث ، فأقول لهم: إن مرضت أذهب للطبيب لأتعالج وأتحدث معه في شأن مرضي وآخذ الدواء المناسب لي، مفهوم السنة أن تعملوا مثلي حين مرضكم وتذهبوا لطبيب مناسب لكم ، فالعمل هذا هو السنة، أما حديثكم مع الطبيب عن المرض فهو خاص بكم ولكل مرضه ودواءه وعلاجه، ولا أستطيع أن أقول لهم بصراحة إن الحديث النبوي هو أمر خاص به وبقومه وهو مادة تاريخية تفاعلية غير ملزمة لمن بعده، والملزم أن نفعل مثله بتفاعله مع القرءان وندرسه نحن بأدواتنا المعرفية . قلت: المسؤولية كبيرة ولابد من تقوى الله، والله أحق أن تخشاه. وانتهى الحوار والنقاش على أفضل وجه، وكان من أروع النقاشات التي حصلت معي من دكتور أزهري  يحترم علمه ويقف عنده ويفعل التفكير الحر المنطقي والقرءان بلسانه العربي المبين.