نقد مفهوم الطاعة المستقلة للنبي محمد الذي قال به عدنان إبراهيم
بداية ينبغي أن نعلم أن المفهوم الأصولي والإيماني لا يؤخذ من أهداب نص واحد بمعزل عن المنظومة التي ينتمي إليها ناهيك عن بناء مفهوم من لفظة واحدة، فهذا عمل عشوائي غوغائي يمكن أن نصل منه لمفاهيم مضحكة ومخالفة للقرءان ذاته مثل من يأخذ فقط ( فويل للمصلين ) أو (لا تقربوا الصلاة ) أو ( لا إله )، فنصف الكلام لا جواب له ولو كان كلام الله .
وأريد من القارئ أن يكون حراً في تفكيره ولا يطلب أدلة على البداهة والأمور المسلم بها منطقياً، وليشاركني في الفهم و التدبر ويسير معي بوعي وبينة لأني لن أدخل بالتفاصيل كثيراً وسوف أعتمد على ذكاء ونباهة القارئ ومعلوماته .
مفهوم الطاعة كأمر يتعلق بكائن حي حتى يعلم الواقعة ويعلم حكمها وينطق بالحكم ويشرف على تطبيقه، وهذا أمر بديهي، ولذلك أتى الأمر بطاعة الله وهو حي لا يموت، وأتى الأمر بطاعة أولي الأمر وهم الأحياء المشرفون على زمام أمور المجتمع والقائمون بأمره ، وليس الأموات، فالميت لا يمكن أن يكون محل طاعة، وهذا غير مفهوم تنفيذ الوصية للميت فهي من باب الاتباع لرغبته وتنفيذ أمره فيما وصى به، ولا علاقة للميت في غير ذلك من شؤون الحي وما يظهر معه من مشكلات أو أحداث، ولذلك لم يأت أيضاً الأمر بطاعة النبي إبراهيم وهو إمام النبيين والناس جميعاً ، وإنما أتى أمر باتباع ملته{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95، حتى أن الأمر بالاتباع أتى للنبي محمد نفسه {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، لذلك لم تأت صيغة الطاعة في القرءان متعلقة بكلمة نبي أو اسم شخص بعينه مثل ( أطيعوا النبي ) أو ( أطيعوا محمداً) ، وهذا يدل على أن كلام الناس – والنبيين منهم- وأوامرهم ليس حقاً بذاتها ولا برهاناً على شيء إلا إن اعتمدوا على كلام الله أو العلم أو المصلحة للناس، وحينئذ تكون طاعتهم ليس لشخصهم وأقوالهم ورأيهم وإنما طاعة لله أو العلم أو مصلحة الناس، وكل ذلك يكون ببرهان وعن بينة وبصيرة {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108.
يؤخذ مفاهيم ومعاني كلمات القرءان من القرءان وفق اللسان العربي المبين الذي نزل به فهو حجة وبرهان على كلام الناس واستخدامهم وما شاع بينهم أو ما وضعوا من قواميس وليس العكس، فكلمة السنة أتت في القرءان بمعنى الطريقة الثابتة المستمرة، وفي اللسان العربي هي الطريقة العملية الثابتة ، اقرؤوا:
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح23، فسنة الله هي أمر سنني وليس قولاً أو حديثاً، وهي بمعنى القانون الثابت الذي يستخدم في خلق الأشياء أو تسييرها
هذا مفهوم السنة ولا قيمة لأي اصطلاح وضعي خلاف ذلك وليس ملزماً لنا ، وما ينبغي أن نستخدمه في الدراسة القرءانية على أساس أنه أمر مسلم به ، والقرءان بلسانه العربي المبين الذي نزل به هو الحجة و البرهان.
فما ينبغي أن نقول إن السنة هي أقوال وأفعال وإقرار النبي وما همَّ به وصفاته الخَلقية والخُلقية وغزواته وما شابه ذلك، وما تركوا شيئا ً إلا وألحقوه بالسنة حتى حال بوله وبرازه ونومه وأكله وزواجه……الخ.
ولم ترد كلمة السنة مضافة للنبي أو الرسول أو محمد في القرءان البتة ، فالسنة في القرءان هي سنة الله خلقاً في عالم الآفاق والأنفس.
وكذلك كلمة الحديث وهي تدل على الحداثة في الشيء قولاً أو فعلاً ، ولم تأت كلمة الحديث في القرءان مضافة للنبي أو الرسول أو محمد ، وإنما أتت مضافة لله وتعني القرءان ذاته .
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ }الجاثية6
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً }الكهف6
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23.
ومن خلال ذلك نصل إلى أن القرءان لم يعط أي قيمة علمية أو دينية لما يسمى اصطلاحاً سنة النبي أو حديثه عند الناس ، والسنة و الحديث في القرءان هما لله فقط.
وبالتالي لاقيمة للمصطلح الشائع بين الناس سنة للنبي عملية وسنة قولية ، فالسنة لا تكون إلا عملية حصراً، ولا يوجد سنة نبوية تكون مصدراً للدين أو التشريع ، فهذا ينقض القرءان أساساً غير أن السنة كمفهوم لاعلاقة لها بمفهوم التشريع حرام وحلال وواجب فهي مجرد طريقة ثابتة كفعل ، وعلى افتراض ثبوت الفعل ذلك عن النبي تتابعاً في الأمة فهي ليست مصدراً دينياً وطبيعي ليست مصدراً تشريعياً والفعل ليس ملزماً لأحد.
كلمة الرسول واضحة من معناها تعني حمل رسالة معينة ، ولا تعني أبداً أن حامل الرسالة مشرع ، لأن ذلك ينقض رسالته ووظيفته أصلاً، والقرءان حدد وظيفة الرسول فقال:
{وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }العنكبوت18
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ }النمل92
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151
فمهمة الرسول التبليغ والتلاوة لما نزل عليه من الذكر ، ولم يطلب الرب منه تبليغ فهمه الشخصي أو قوله أو حديثه للناس.
وصلنا الآن إلى مفهوم عظيم ومهم وهو تعهد الرب بحفظ الذكر الذي أنزله فقط ، ولم يتعهد بحفظ كلام أحد أو فهمه أو حديثه ….الخ،{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9، وصدق الرب في ذلك وفعلاً تم حفظ الذكر الحكيم كمبنى في الأمة وتتابع ذلك في ذاكرتهم الحفظية وتلاوته في صلاتهم{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ }العنكبوت49
وتم الحفظ أيضاً لمفاهيمه ومعانيه في ثنايا المبنى المرتبطة بالواقع كآفاق وأنفس، ولذلك نزل بلسان عربي مبين يُدرس وفق منهج حنيف على محور الثابت و المتغير والمقاصد والمنافع، ويُصَحِّح فهم المجتمعات كلما أخطئوا وابتعدوا عن القرءان
بينما الواقع يشهد أن أحاديث النبي تعرضت للاندثار والتحريف والكذب والافتراء بسبب عوامل كثيرة أهمها عامل السياسة و شرعتنها وإعطائها مفهوم ديني مقدس و ظهر على أثر ذلك مفهوم العصمة والإمامة وعدالة الصحابة وتعدد المصادر الدينية التشريعية ، وهذا غير الدس لمفاهيم إيمانية في القرءان من باب التأويل والتدبر مثل مفهوم المهدي ونزول المسيح أو شبيهه واخترعوا أحاديث لذلك ….الخ.
فهل برأيكم يمكن أن يعلق الله فهم دينه وكتابه بقول أو حديث بشر لم يتعهد هو بحفظه ؟
أليس القاعدة تقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟
فهل تعهد الله بحفظ حديث نبيه أو فهمه ؟
هل من الحكمة ونفي الظلم عن الله عن أن يحاسبنا على فهم لم يحفظه لنا وتحرف في الواقع؟
إن قال أحدهم : نعم حديث النبي محفوظ، فقد اتهم الله بالكذب وإخلاف وعده لأن الواقع يقول غير ذلك ، ولا قيمة علمية لمن يذكر مقولة : إن الخطأ الجزئي في فكرة أو مصدر أو كتاب لا ينفي الصواب والفائدة فيما بقي منه، فهذا الكلام صواب على فعل البشر لأن الأصل في فعلهم الخطأ والقصور ولا يمنع ذلك من الفائدة من أعمالهم ولكن وفق البرهان والبينة فكلامهم ليس حجة بذاته ولا برهان ، ولكن المقولة غير صواب على المصدر الديني الرباني لأن أي خطأ فيه على مستوى المبنى أو المعنى مهما صغر كاف لنقضه وسحب الثقة منه {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82، على صعيد المبنى الصوتي والمعنى مع محل الخطاب من آفاق وأنفس.
ولذلك كان القرءان حجة بذاته لا يحتاج لمن يقول به ، ونستدل به ولا نستدل عليه .
فهل حديث النبي حجة بذاته كمبنى ومعنى وقائم وحده أم هو ظني كمبنى وكمعنى ويحتاج لغيره ليقوم صحة ؟
والدين قد كمل نزولاً في كتاب الله فصار هو الجامع والمكمل لما سبق وقد حوى بين دفتيه شرع الله وحفظه ولا يوجد دين خارجه ، فمفاهيم الإيمان هي ما أتت في القرءان ، والحرام و الحلال والواجب ما نزل بالقرءان وفق نظام منطقي تشريعي معروف لدى الباحث بالقرءان، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قاعدة : (الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص أو ما دل عليه النص استنباطاً قطعياً، والحرام مقيد بالنص أو استنباطاً قطعياً منه، و الحلال مطلق ولانطبق المباح إلا منظماً من قبل المجتمع) هذه القاعدة هي من أهم قواعد الأصول التشريعية.
التي على موجبها تم تحريم النكاح من جدة الزوجة استنباطاً من كلمة (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) وذلك لعموم دلالة كلمة أمهات والفرق بينها وبين كلمة الوالدات ، وكلمة أم تشمل الجدة وكل ما علا من الأصول، وتم فهم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير( البهائم اللاحمة) من نص تحريم الدم ، ونص ( أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )، وكذلك تحريم الجمع بالنكاح بين المرأة ومحارمها ( خالة وعمة ) مؤقتاً فهماً من نص ( وأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) [رغم أن لي رأي آخر وهو التحريم المؤبد وليس المؤقت وليس هذا مكان بسطه ونقاشه] ، فهذه الأمور لم تحرم بالحديث النبوي وإنما بالقرءان وفق فهم واستنباط قطعي للنصوص يقوم على المقاصد والعلل، ولا يؤثر على الفهم هذا رفض قوم للحديث النبوي أو ضعفه أو صحته عند آخرين ، فلا يتغير الحكم لثبوته بالقرءان ولكن يحتاج لمن يستنبطه ويعلمه .
وقد يقول قائل : (وهو قد انتظر كثيراً حتى نذكر ذلك) وكيف وصلت الصلاة لنا وعدد ركعاتها أليس من الحديث النبوي؟
والجواب باختصار هو أن الصلاة نزل حكمها بالقرءان وهيئتها العامة وأركان ما اصطلح على تسميتها بالركعة ( قيام وركوع وسجود) وأوقاتها ، وأتى التفصيل العملي بما سوف نصطلح عليه بالسنة الرسالية وهي تطبيق الرسول لأمر قرءاني ذو هيئة عملية ثابتة لا تخضع للتطور وهي متعلقة بالشعائر التعبدية فقط ( الصلاة و الحج)،وتتابع ذلك في مجتمعه بحضرته باستمرار دون انقطاع للمجتمع اللاحق، وهكذا تتابع في الأمة طريقة الصلاة والحج، وما أتى في داخلها من أذكار وأدعية هي اختيار نبوي تأول القرءان بها مثل عندما نزل قوله تعالى{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ }الواقعة96 ، قال : اجعلوها في ركوعكم، وعندما نزل قوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }الأعلى1، قال : اجعلوها في سجودكم، ولك أن تلتزم بذلك وهو الأولى، ولك أن تعمل مثله وعلى نمطه من القرءان لامانع من ذلك .
فأين المصدر التشريعي بما اصطلحنا عليه السنة الرسالية ؟ هل بدأت تشريع حكم واجب أو حرمت شيء ؟
وسواء أكانت السنة الرسالية فهم وتفاعل النبي مع القرءان واستنباط منه أم وحي عملي تعليمي نزل خارج القرءان فالنتيجة واحدة ولا يتغير شيئاً من كون السنة الرسالية ليست مصدراً دينياً تشريعياً وإنما هي طريقة عملية تعبدية فقط تابعة للمصدر الديني المتمثل بالكتاب الإلهي فقط .
أول من قال عن مفهوم الحكمة هي السنة – بمعنى حديث النبي – هو الشافعي في كتابه الرسالة حسب ما أعلم، وبقوله هذا ضل وأضل معه غالب الأمة بصرف النظر بقصد أو دونه فنحن ليس بصدد محاكمة شخصه، والحكمة في القرءان من الحكم وهي تدل على المنع ومنه قولنا نص محكم أي غير ملتبس الفهم ولا هو احتمالي، لنر كيف أتى استخدام كلمة الحكمة في القرءان.
الحكمة التي نزلت على النبيين وحي وهي جزء من الكتاب الإلهي وليس خارجه، فهي ليس حديث النبي ولا قوله ولا سنته.
{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة231
{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113
وبعد دراسة مفهوم الحكمة في القرءان وجدنا أنها أتت على صنفين :
الأول: الحكمة هي وصف لآيات ونصوص متعلقة بالتشريع والتوجيه والتعليمات.
انظر سورة الإسراء من نص {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }الإسراء22، إلى نص {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء39
الثاني : الحكمة بمعنى المنهج وقواعد التفكير والحكم والفهم، وأوتيت للنبيين ولغيرهم وهي قابلة للتعلم و الدراسة و الاكتساب.
{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }لقمان12
فالحكمة بنوعيها التشريعي التعليمي والمنهجي كلاهما موجودين في القرءان وتعلمهم النبي من الكتاب ، مع إمكانية تعلم الحكمة المنهجية لغير النبيين دراسة وتعليماً وتدريباً .
مفهوم الطاعة للرسول في القرءان شكَّل لَبس عند كثير من الباحثين عبر التاريخ الإسلامي، ودراسته على درجة من الصعوبة ويحتاج لفهم عميق وتدبر، وسوف نقوم بدراسته بصحبتك أيها القارئ النحرير، فهيئ ذهنك وقلبك للتفكر والتدبر، وقبل ذلك أريد أن أذكرك بمفاهيم المنظومة التي ذكرتها ليتم استخدامها واستصحابها في الدراسة.
1- لا يصح دراسة كلمة أو نص بمعزل عن المنظومة التي ينتمي إليها.
2- المنظومة والواقع يحكمان فهم دلالة الكلمة لسانياً، ويقدم مفهوم المنظومة والواقع على دلالة الكلمة لسانياً.
3- الطاعة لا تكون إلا لحي.
4- الاتباع يكون لمنهج وملة وليس لشخص أو حديثه ولايهم حياته أو وفاته.
5- لم يرد في القرءان أمر الطاعة متعلق بكلمة النبي أو اسم محمد.
6- القرءان حجة بذاته في خطابه ومفاهيمه ولسانه الذي نزل به ، ولا قيمة لأي مصطلح وضعي متعارف بين الناس في الدراسة القرءانية وليس هو حجة علمية وغير ملزم لأحد.
7- لم يرد ذكر كلمة السنة أو الحديث في القرءان مضافين للرسول أو للنبي أو لمحمد قط.
8- كلمة السنة و الحديث في القرءان إنما هما سنة الله وحديثه.
9- دلالة كلمة الرسول بحد ذاتها تنفي التشريع وتدل على التبليغ و التلاوة فقط، الرسول مبلغ وليس مشرعاً.
10- السنة لا تكون إلا طريقة عملية ثابتة، ولا علاقة لها بالأقوال والأحاديث.
11- السنة كطريقة عملية متتابعة في الأمة لا تحتاج إلى عنعنة وسند ورواة.
12- تعهد الله بحفظ الذكر الذي أنزله فقط ولم يتعهد بحفظ فهم النبي أو قوله أو حديثه.
13- الكتاب الإلهي جمع و حوى كل التشريع الإلهي ولم يترك لأحد من الخلق حق التشريع الإلهي معه للناس ،وإنما أعطاهم حق التشريع الجزئي و التحرك ضمن حقل التشريع الإلهي وكلياته ومقاصده وحدوده تنظيماً وتطوراً وإبداعاً ومنعاً وسماحاً وفق مصلحتهم والأنسب لهم.
14- لم يؤمر الرسول إلا بتبليغ ما نزل عليه من ربه وهو الذكر الحكيم ، وبالتالي فقول النبي أو حديثه ليس من التبليغ الإلهي .
15- ينبغي أن نفرق بين حكم طبقه النبي تبليغاً لما نزل عليه من الذكر الحكيم مثل الصلاة و الحج، وبين حكم أو فهم طبقه النبي سياسة من خلال تفاعله مع الكتاب الإلهي والواقع واختار ما هو أنسب لمجتمعه ، فالأول من الدين والثاني من أمور المعيشة و السياسة والحياة الدنيا، ولكل مجتمع حياته ودنياه وسياسته.
16- الحكمة وحي وهي جزء من الكتاب وليس خارجه، ولا علاقة لها بسنة أو بحديث النبي ولا بغيره.
17- الحكمة المنهجية اكتسابية ويمكن أن يصل إليها الباحث دراسة وتدبراً وتعليماً .
18- النبي بشر وقد انتهى دوره الرسالي والدعوي والتعليمي بوفاته.
19- الدين مستمر بمعزل عن النبييين و الرسل ويسير بقوة ربانية علمية كونية .
20- العلماء والدعاة الراشدين هم حملة الدين إيماناً وطوعاً ودعوة و تعليماً.
21- كلمة الرسول في القرءان لا تعني النبي محمداً حصراً أينما أتت.
22- كلمة الرسول يمكن أن تطلق على القرءان ذاته كونه يحمل الرسالة بعد وفاة الرسول البشري.
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80
عود على مفهوم الطاعة
أطيعوا الله والرسول
وعند التقصي، والبحث في النصوص القرءانية، اخترنا نصين يمكن أن يكونا محور، وقاعدة للبحث ويتم فهم كل النصوص على ضوء تدبرهما:
1-{قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ( آل عمران 32)
2– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ أَطِيعواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (النساء 59)
وعلماء التفسير لم يفرقوا بين وجود فعل طاعة واحد مشترك لله والرسول في النص الأول، وتكرار فعل الطاعة وفصله للرسول، وعطف عليه أولي الأمر في النص الثاني، وأعطوا لمفهوم الطاعة للرسول في النصين معنى واحد.
وهذا العمل منهم خطأ فاحش، لأن أي زيادة في المبنى إنما هي زيادة في المعنى، ووجود هذه الكلمة مكررة دون معنى زائد، هو حشو، ولغو منزه عنه النص القرءاني.
إذاً؛ ينبغي أن يكون اختلاف في المعنى بين الآيتين.
فلو قال قائل: سافر زيد وعمرو إلى دمشق.
نفهم من ذلك أن سفر زيد وعمرو مشترك مع بعضهما في وقت واحد.
بينما لو قال: سافر زيد وسافر عمرو إلى دمشق.
لفهمنا أن سفر كل منهما مستقل عن الآخر، ومنفصلين.
فنصل من خلال هذا الشرح إلى أن طاعة الرسول في القرءان هي نوعين:
الأول: طاعة متصلة بطاعة الله-{قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ( آل عمران 32)
الثاني: طاعة منفصلة عن طاعة الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (النساء 59)
والطاعة المتصلة هي طاعة في أصلها لله عز وجل، وذُكر الرسول معه متصلاً، لأن طاعة الله لا يمكن أن تتم إلا من خلال طاعة الرسول فيما يتلو علينا من أوامر الرب، نحو قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ..}الأنعام151 ، ولاحظوا في بدء النص فعل الأمر ( قل أطيعوا الله والرسول..) بمعنى صار النص على الشكل التالي: قل يا محمد للمؤمنين أطيعوا الله والرسول، فكلمة الرسول لاترجع إلى شخص محمد فهو مأمور بالقول، والأمر بالطاعة يشمله هو نفسه كونه أول المؤمنين فيجب عليه طاعة الرسول الذي هو الرسالة ذاتها التي نزلت عليه ، وهو قام بفعل تبليغها وتلاوتها في مقام الرسول ، بينما الطاعة المنفصلة أتت بعد فعل الطاعة لله عز وجل في أوامره الشرعية، وبعد الانتهاء من ذلك جاء الأمر مستقلاً بطاعة الرسول، وعُطف عليه مباشرة أولي الأمر دون تكرار فعل الطاعة لهم، وذلك يدل على أن فعل الطاعة ذاته كمضمون مستمر من الرسول إلى أولي الأمر، ولنعرف محل تعلق طاعة الرسول المنفصلة عن طاعة الله ندرس محل طاعة أولي الأمر كونهم معطوفين على الرسول و المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه منطقياً، ودائرة طاعة أولي الأمر هي أمور المعيشة و الحياة الدنيا تنظيماً وسماحاً ومنعاً ، وهذا يدل على أن مادة الطاعة لهم غير متعلقة بالدين والتشريع من حرام وحلال وواجب، لأن ذلك داخل في فعل الطاعة لله الأول، وبذلك عرفنا أن طاعة الرسول يقصد بها دائرة المباح تنظيماً ومنعاً وسماحاً، ولم يأت في النص قرينة تدل على أن دلالة كلمة الرسول هو النبي محمد ،أما كلمة الرسول الثانية في النص ذاته فليس المقصد منها دلالة كلمة الرسول الأولى وإنما المقصد منها الرسول الذي هو القرءان فيكون المعنى إن تنازعتم في شيء مع الرسول البشري ابتداء من النبي محمد ومن يقوم مقامه من الدعاة و العلماء طوعاً وإيماناً وأولي الأمر منكم فردوه إلى الله ويكون ذلك إيماناً منكم، وإلى الرسول تعني القرءان الذي بين أظهركم لذلك لم تذكر كلمة أولي الأمر مرة ثانية لأنهم هم طرف بالنزاع .
إذاً؛ طاعة الرسول وأولي الأمر في النص مشتركين بشيء واحد، ويقصد بها الدائرة التي هي خارج عن دائرة الدين، وليس هي إلا دائرة المباح، فتكون طاعة الرسول كنبي وقائد اجتماعي يأمر وينهى وينظم العلاقات ضمن دائرة المباح، وهذا مستمر من بعد النبي في كل رسول يقوم مقامه، وتم استخدام كلمة الرسول ليستمر المعنى زمانياً لأن كلمة النبي متعلقة بشخصه وينتهي دورها بوفاته.
الآن سوف نحدد النقاط التي هي محل النقاش التي ذكرها “عدنان إبراهيم” في فهمه للنص هذا فقال بما معناه:
1- الأمر بطاعة الرسول المنفصل عن طاعة الله يدل على وجوب الأخذ بالسنة وحجيتها في الدين
2- لا يعقل أن يستشهد الإنسان بقول أفلاطون وسقراط وغيرهم من العظماء ولا يستشهد بقول النبي العظيم .
3- طالما أتى في النص كلمة الرسول فتعني تعلقها بالتشريع .
4- كون كلمة الرسول أتت منفصلة عن طاعة الله بفعل مستقل يدل على وجود أمور في الدين والتشريع يقول بها الرسول وهي ليس تشريعاً مستقلاً عن القرءان لأنه ثبت لدينا أنه لامشرع إلا الله وحصل ذلك كله في كتابه العزيز، مما يعني أن هذه الطاعة متعلقة بفهم وتدبر النبي محمد لحكم شرعي يوسعه فهماً واستنباطاً مثل تحريم جمع المرأة وخالتها أو عمتها في النكاح أو تحريم البهائم اللاحمة…وادعى أن هذا الفهم لم يؤت لمن قبله حسب علمه.
وأخيرا وصل بناء على هذا أن السنة حجة في الدين وثابتة وما ينبغي أن ننكرها ، والقرءانيّون جهلة وربما حمقى ويسيئون الأدب لرفضهم السنة ، بينما هو لا ينكر السنة وينفي عن نفسه أنه قرءاني، وينفي عن قوله التناقض ويتهم المستمع بقصور فهمه ويطلب منه التواصل معه أو المجيء لعنده حتى يعلمه ويفهمه ، والموضوع كبير وربما يحتاج لسبعين أو ثمانين حلقة لتوضيحه.
فيمارس الإرهاب الفكري وإرعاب القارئ و المستمع ويوهمه أن الموضوع فعلاً لا يمكن فهمه ببضع جلسات.
عزيزي القارئ
أنا أرى أن الرد عليه حصل وانتهى من مجرد انتهائك من قراءة المنشور واستخدام ما عرضته من منظومة في الفهم و التدبر أعلاه ، ومع ذلك لنقم بنقد النقاط للتدريب على التحليل والنقاش، ولسهولة القراءة سوف أعيد نشر كلام عدنان إبراهيم وأعلق تحته.
1- الأمر بطاعة الرسول المنفصل عن طاعة الله يدل على وجوب الأخذ بالسنة وحجيتها في الدين
ج- الملاحظ أن “عدنان إبراهيم” يستخدم مفهوم السنة بالمعنى السطحي الشعبي السائد فهو لا يفرق بين مفهوم السنة ومفهوم الحديث ، ويقول بالسنة العملية والسنة القولية ، وهذا الاستخدام لا قيمة له علمياً ولا قرءانياً كما بيناً في الدراسة أعلاه، وفعل أطيعوا يتعلق بالأقوال والأحاديث وليس بالفعل مما يعني أنه لا علاقة له بمفهوم السنة قرءانياً ولسانياً كونها طريقة عملية ثابتة، وينبغي أن يحصر بحديث النبي فقط ويدرس على هذا النحو.
هل حديث النبي عند “عدنان إبراهيم” حجة في الدين وثابت بذاته؟
والجواب معروف من خلال كلامه وتعامله مع الحديث النبوي فهو يرفض أي حديث يخالف القرءان أو حديث يخالف العلم، وينفي عن النبي صفة التشريع ويعد الرسول مبلغاً وليس مشرعاً ، فما معنى كلامه السابق ( السنة حجة في الدين وهي ثابتة)؟
2- لا يعقل أن يستشهد الإنسان بقول أفلاطون وسقراط وغيرهم من العظماء ولا يستشهد بقول النبي العظيم .
ج- هذا الكلام عاطفي وليس علمياً ولا برهاناً على شيء فليس هو محل النقاش والاختلاف ، فنحن لا ننكر ثبوت قسم كبير من الأحاديث عن النبي وفق منهج قرءاني وعلمي، ولا مانع من الاستشهاد بها في أماكن أو مواضع كثيرة على سبيل الحكمة و التربية ، ولكن ننفي قطعاً أن تكون مصدراً تشريعياً أو برهاناً بحد ذاتها ، وهذا هو نفسه ينفيه عموماً، وصار موضوع الاستشهاد بالحديث النبوي أمر شخصي لا نلزم أحد به ولا ننكر على من لا يستشهد به، فمادة الحديث النبوي مادة تاريخية معتبرة في تراثنا للباحثين والدارسين وليس للناس، وما صح منها وفق منهج علمي قرءاني هي تفاعل النبي مع القرءان والواقع واختيار الأحسن له وهي من مقام النبوة و ليس من مقام الرسول التبليغي.
3- طالما أتى في النص كلمة الرسول فتعني تعلقها بالتشريع .
ج- أكيد كلمة الرسول تعني يوجد كائن يحمل رسالة ، والنص لم يذكر أن الرسول هو النبي محمد نفسه ، ولفهم دلالة كلمة الرسول في النص ينبغي استحضار المنظومة وما ثبت لدينا لنفهم الدلالة على موجبها لأن النص وحده لا يبني مفهوماً إيمانياً أو أصولياً.
المفهوم الثابت عند كلانا هو : إن الرسول مبلغ وليس مشرعاً، وهذا يعني أن طاعة الرسول البشري المستقلة قطعاً لا يوجد فيها تشريع لاحق للقرءان واستدراك عليه ، وقد بينا سابقاً أن طاعة الرسول المستقلة بهذا النص كونها معطوف عليها أولي الأمر أخذت مفهوم تعلق الطاعة ذاته من منطلق أن المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه، فإذا لم نعرف تحديد حكم المعطوف عليه ندرس حكم المعطوف وما نصل إليه نسحبه للمعطوف عليه، ونحن عرفنا أن المعطوف له صفة الطاعة خارج حقل ومجال الدين ويكون في دائرة المباح تنظيماً ومنعاً وسماحاً ، وهذا يعني أن طاعة الرسول المعطوف عليه له الحكم ذاته خارج دائرة الدين وليس هو إلا الأئمة و العلماء والدعاة والمربون كونهم رسل يحملون رسالة الله إيماناً بها وتعليماً ودعوة وتزكية ابتداء من المعلم الأول النبي محمد وبعد وفاته يستمر ذلك الأمر بالطاعة لمن بعده من حملة الرسالة، وهذا المفهوم يفرضه المنظومة وهي أقوى من عزل كلمة من سياقها وفهمها وحدها .
4- كون كلمة الرسول أتت منفصلة عن طاعة الله بفعل مستقل يدل على وجود أمور في الدين والتشريع يقول بها الرسول وهي ليس تشريعاً مستقلاً عن القرءان لأنه ثبت لدينا أنه لامشرع إلا الله وحصل ذلك كله في كتابه العزيز، مما يعني أن هذه الطاعة متعلقة بفهم وتدبر النبي محمد لحكم شرعي يوسعه فهماً واستنباطاً مثل تحريم جمع المرأة وخالتها أو عمتها في النكاح أو تحريم البهائم اللاحمة…وادعى أن هذا الفهم لم يؤت لمن قبله حسب علمه.
ج4- أقر عدنان بقاعدة إن الرسول مبلغ وليس مشرعاً ونفى عنه أي استدراك على القرءان أو استقلال بتشريع، وهداه فهمه لفهم الطاعة المستقلة للرسول عن طاعة الله إلى قوله : إنها فهم وتدبر توسعي في بعد وعمق النص القرءاني ، وليس إضافة له ، فالمعنى كامن في النص والنبي استنبطه، وهذا كلام صواب وصحيح ونحن نقول به ولا نرفضه ، ولكن يتابع فيقول وهذا الفهم و التدبر هو من التشريع وتابع له بمعنى أنه محفوظ مع النص القرءاني، وإلا لا قيمة لكلامه قط ،والواقع المعروف لديه قبل غيره أن الحديث النبوي ليس محفوظاً ، ولو كان كلامه صوابا ً لوجب على الله أن يحفظ فهم النبي وتدبره لنا لأن الحكمة الإلهية تقتضي ذلك ، فالحساب على شيء يقتضي حفظه لنا وإلا صار الله ظالماً يحاسب الناس على شيء لم يحفظه لهم ، فتدبر النبي وفهمه ليس من الذكر الحكيم وليس هو محفوظاً ولا يسمى سنة ، ولا يوجد أي نص قرءاني يدل صراحة على وجوب طاعة حديث النبي كما صرح عدنان نفسه بذلك عندما ناقش بعض نصوص القرءان ونفى عنها الدلالة على وجوب مصدر الحديث النبوي واختار هذا النص فقط ظناً منه أنه أقوى نص يدل على ذلك ومع ذلك صرف معناه من المصدر التشريعي إلى المصدر التعليمي والتوجيهي عندما حصر الطاعة المستقلة بتدبر النبي وفهمه ، وناور بذلك ليثبت مفهوم السنة باستخدام مفهوم الحديث وخلط بينهما خلطاً عجيباً ، ورغم نفيه لثبوت الحديث علمياً ،وعده آحاد بمعنى الظن الذي لايصلح للبرهنة وبناء أي مفهوم إيماني أو حكم شرعي، إلاَّ أنه قال بشرط قوة الحديث وارتقائه إلى درجة العزيز (بمعنى أن السند يكون عن أكثر من اثنين في كل درجة) لعلمه نفي التواتر عن الحديث أصلاً.
والسؤال لعدنان إبراهيم
هل فهم النبي وتدبره من الذكر الحكيم وتعهد الله بحفظه؟
هل ربط الله فهم كتابه حصراً بفهم شخص معين ولو كان النبي محمد؟
هل فهم النبي محمد لنص معين وحي أم استنباط واجتهاد منه؟
أليس المعنى والمقصد التشريعي كامن في النص الإلهي وبالتالي يمكن لعالم وباحث أن يصل إليه ؟
هل تستطيع أن تثبت لنا الأحاديث التي رويت عن النبي كفهم وتدبر للنص القرءاني بشكل قطعي الثبوت ؟
كيف نعلم أن هذا الحديث المنسوب للنبي كتدبر وفهم لنص قرءاني أنه قد أصاب بفهمه وهو المقصد الإلهي؟
الرد عموماً موجه لعدنان إبراهيم وأنا اعتمدت على علمه وثقافته في فهم كلامي وأبعاده، فعذراً من القارئ إن وجد بعض الصعوبة في الفهم أو عدم التفصيل للـأفكار.
وبعد قراءة الرد والنقد هل تجدون “عدنان إبراهيم” يؤمن بمصدرية الحديث النبوي ، وهل هو فعلاً ليس قرءانياً ؟
لماذا المناورة ونفي عن نفسه أنه قرءاني(مع العلم أننا نقدم أنفسنا باسم مسلمين حنفاء كما سمانا القرءان ذاته) واتهام الآخرين بالجهل أو الحمق كلما سنحت له فرصة بأي وسيلة إعلامية ؟
هل من يتصدر العلم و المنابر وهو بمستوى “عدنان إبراهيم” معذور بالجهل مثلاً، أو مسايرة العوام في مسألة إيمانية أصولية ومصيرية ؟
سوف أترك الحكم للقارئ فهو حر بتفكيره
ودمتم بخير
القاهرة 15/ 9/ 2015
هذا رابط محاضرة عدنان إبراهيم لمن يريد ان يتثبت من الفكرة
اضف تعليقا