ضرورة اندماج المسلم في ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه

ليس المطلوب من الإنسان – إنْ أسلم – أن يصير عربي القومية، ويُطلق لحيته، ويلبس الجلابية. فالإسلام ليس دعوة قومية، وإنما هو دعوة إنسانية، فعندما يسلم الإنسان – رجلاً أو امرأة – الفرنسي، أو البريطاني، أو الهندي، أو التركي… إلخ، ليس المطلوب منه أن ينخلع من قوميّته، ويترك لُغته، ويهجر عادات قومه في الملبس، أو المأكل، أو المشرب، أو في الآداب العامة، والتقاليد، ويصير بين قومه غريباً، ووحيداً، ينتمي إلى قومية أخرى، لا وجود لها بالنسبة له إلاَّ في الذهن فقط، بينما الواقع أنه يعيش ضمن نظام وعادات وآداب المجتمع الذي يقيم فيه، وإن حصل هذا الانفصام بين الانتماء القومي الذهني للعرب، والواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، سرعان ما يلفظه المجتمع، ويجتنبه، ويصير هذا الإنسان القومي مرفوضاً من المجتمع الذي يعيش فيه، وبالتالي؛ يقوم الفرد برَفْض المجتمع، ويتطرَّف في أفكاره، بل وممكن أن يصير عدوَّاً لهذا المجتمع، ويستبيح أمواله، ونساءه، ودماءه، رغم أنه يعيش في حمايته، وعنايته، وخيراته.

لذا؛ ينبغي التفريق بين الانتماء إلى الإسلام والانتماء إلى القومية العربية، فالإسلام دين الله للناس جميعاً، والقومية عِرْق مرتبط بجَغرافية وتاريخ وثقافة مجتمع معين، والإنسان في مشارق الأرض أو مغاربها عندما يدخل في الإسلام لا يشترَط له أن ينتمي إلى القومية العربية، ويحمل ثقافتها، وآدابها، وعاداتها، وتقاليدها، فينبغي تخليص الإسلام من هيمنة الثقافة العربية عليه، وإزالة عملية تعريب الإسلام ثقافة عنه، وإرجاع هوية الإسلام الحقيقية له هو دين إنساني عالمي، نزل بلسان عربي، وليس بثقافة القومية العربية، وبالتالي؛ فنحن مُلزَمُون بنظام اللسان العربي لنقرأ الخطاب القرآني من خلال إسقاطه على محلّه من الواقع، مع اجتناب الثقافة القومية العربية، كونها تفاعلاً قوميَّاً زمكانيَّاً، مع الخطاب القرآني الخالد، ومراعاة البُعْد الثقافي العربي للقرآن.

لذا؛ ينبغي على كلّ مسلم أن يحافظ على عملية انتمائه، وولائه للمجتمع الذي يعيش فيه، ويحترم قانونه، ويتقيّد بآدابه، وتقاليده، وعاداته، ما لم تخالف أحكام الدِّين الإسلامي، أو كانت تضر بالصحة العامة أو بالمجتمع، فإن عارضتْ أو خالفتْ أحكام الدِّين، يجتنب هذه الأمور المخالفة فقط، مع استمرار التزامه بالقانون، والآداب العامة، والتقاليد، ومن هذا الوجه؛ بعث اللهُ الأنبياءَ والرُّسل من قومهم، يتكلَّمون بلسانهم، ويتقيّدون بآدابهم، وتقاليدهم، وإن كان المسلم لاجئاً أو مهاجراً للمجتمع الجديد فينبغي أن يفهم عادات وتقاليد المجتمع والمعايير السائدة، ولايُقوِّم ذلك وفق معاييره هو من المجتمع السابق، فكل مجتمع له معاييره المختلفة عن الآخر، فقد يرى سلوكاً يعده سخيفاً في ثقافته السابقة ولكن هو مقبول في ثقافة المجتمع الجديد ، فعليه أن لاينكره أو ينقده ويكتفي بعدم ممارسته هو بنفسه لأنه حر في سلوكه مثل ما الآخرين أحرار في سلوكهم.

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(إبراهيم 4).

وقال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (التوبة 122).

ويكون مقياس ولاء الإنسان المسلم في مجتمعه هو العدل والظلم، فيشجب، ويستنكر، ويرفض أيَّ موقف ظالم صدر من دولته تجاه أيّ دولة أو مجتمع في العالم، بصرف النظر عن القوميات المختلفة، مع الالتزام بالقانون العام للمجتمع، وعدم الخروج عليه، وعدم الإفساد في المجتمع، بل؛ والمساهمة في بنائه ونهضته والمحافظة عليه.