نقاش حديث (أحل لنا ميتتان ودمان)
{ أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا.
زعم أهل المثناة أن هذا الحديث يستثني من نص تحريم الميتة و الدم ماذكر فيه، وهذا دليل على أن السنة (ويقصدون الحديث) مصدر تشريعي مكمل للقرءان يخص ويستثني من الحرام، وبالتالي يمكن أن يستقل مصدر الحديث بالتشريع عن القرءان وهو مثله بالدرجة وليس تبعاً له ؛بل هو(الحديث) حاكم على القرءان.
اقرؤوا ما قال الشيخ :” محمد ناصر الدين الألباني” في رسالته” منزلة السنة في القرءان”(ص17 – 18) أثناء رفضه لحديث معاذ المشهور وتحليله لمتنه:
أقول:
إن حديث معاذ هذا يضع للحاكم منهجاً في الحكم على ثلاث مراحل لا يجوز أن يبحث عن الحكم في الرأي إلا بعد أن لا يجده في السنة، ولا في السنة إلا بعد أن لا يجده في القرآن، وهو بالنسبة للرأي منهج صحيح لدى كافة العلماء وكذلك قالوا: «إذا ورد الأثر بطل النظر». ولكنه بالنسبة للسنة ليس صحيحاً؛ لأن السنة حاكمة على كتاب الله ومبينة له فيجب أن يبحث عن الحكم في السنة ولو ظن وجوده في الكتاب لما ذكرنا فليست السنة مع القرآن كالرأي مع السنة كلا ثم كلا، بل يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدرِاً واحداً لا فصل بينهما أبداً كما أشار إلى ذلك قوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «ألا إني أُتيت القرآن ومثله معه» يعني السنة وقوله: «لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح؛ لأنه يقتضي التفريق بينهما وهذا باطل لما سبق بيانه
فهذا هو الذي أردت أن أنبه إليه فإن أصبت فمن الله. وإن أخطأت فمن نفسي والله تعالى أسأل أن يعصمنا وإياكم من الزلل ومن كل ما لا يرضيه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهل فعلاً الحديث يحل دمان وميتتان كما زعموا ويستثني حكم التحريم العام الذي ورد في القرءان؟
لنرى هل الكبد والطحال هما دمان أصلاً؟
الطحال: عضو إسفنجي لمفي رقيق ، وهو جزء من الجهاز اللمفاوي و الجهاز الدوري ، وهو مستطيل الشكل ، لونه أحمر قاتم، يبلغ وزنه حوالي 180 غم ، طوله حوالي 12 – 15 سم ، عرضه حوالي 7 – 10 سم .
أما وظائف الطحال فهي تنقية إنتاج كريات الدم الحمراء أثناء المرحلة عندما يكون الإنسان جنيناً ويفقد هذه الخاصية بعد الولادة. كما يقوم بتنقية الدم من المواد السامة وبعض الفيروسات والبكتيريا الضارة كما يقوم بتجميع كريات الدم الهرمة ويتخلص منها. بالإضافة إلى تنظيم كمية الدم التي تمر بالأوعية الدموية.
ومن الجدير بالذكر أن الإنسان يستطيع العيش دون طحال لأن الكبد والنخاع يمكن أن يقوما بوظيفته في الجسم في حال استئصاله.
أما الكبد فيتمتع بوظائف أكثر بكثير من الطحال مع اشتراكه ببعض الخصائص مثل تنقية الدم من السموم والتخلص من كريات الدم القديمة لكنه يمتاز بالكثير من الخصائص التي تجعل الحياة مستحيلة في حال تعطل لمدة تقارب 24 ساعة. ومن أهم وظائف الكبد أنه يقوم بتحويل المواد التي يأكلها الإنسان إلى مواد يستطيع الإنسان الاستفادة منها. كما يقوم الكبد بتنظيم كمية السكر بالدم أيضاً. حيث يصل عدد الوظائف التي يقوم بها الكبد إلى خمسمائة وظيفة.
إذاً؛ الكبد والطحال ليس دماً وإنما عضوان ولهما وظائف في الجسم مثل أي عضو آخر، ويبدو أن بعض الصحابة أشكل عليه ذلك لأنه رأى نسبة الدم فيهما مرتفعة لطبيعة وظيفتهما فظن أنهما من الدم وسأل سؤاله وأتاه الجواب بإباحة أكلهما وأنهما ليس دماً ، ولكن لظرف ما تم قلب لفظ الحديث أو روي بالمعنى حسب مافهم الصحابي، ولذلك لايتعامل العلماء مع الحديث باللفظ والمبنى كالقرءان لوجود الرواية بالمعنى وتدخل فهم الراوي وهذا على الغالب، فكما لاحظنا أن نص تحريم الدم في القرءان عام ولايوجد له استثناء قط ، والحديث لا يستثني حكم إباحة دم معين وإنما يرفع شبهة الدم عن عضويين .
أما إباحة ميتة البحر فهي ليس استثناء من نص تحريم الميتة لتعلق نص التحريم بميتة البر مع ورود نص يبيح ميتة البحر بنوعيه العذب والمالح{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }فاطر12، فجملة (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً) على عمومها دون تحديد لطريقة الحصول على اللحم الطري منهما ، وعمليا ً طريقة صيد الكائنات البحرية تكون غالباً بإخراجهم من الماء فيموتون وحدهم دون ذبح أو قتل لكل كائن وحده، وطرق الصيد مختلفة بين الناس. {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }المائدة96، وجملة(وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ) تدل على إباحة ميتته ولو طفت وحدها على وجه الماء المالح أو العذب أو طفا جزء من كائن بحري مأكول من قبل غيره من الكائنات البحرية، وهذا بشرط عدم الفساد لأن الفساد يجعله خبيثاً ويحرم أكله.
إذاً؛ الحديث يدل على وجود سائل يسأل عن حكم ميتة البحر ظناً منه أن حكم تحريم الميتة يشمله، وأتى الجواب أن نص التحريم للميتة متعلق بميتة البر وما فسد من ميتة البحر يتبع حكمه نص تحريم الخبائث.
أما ميتة الجراد فهي تبع للحشرات ولا علاقة لها بحكم الميتة وهي تابعة لمفهوم الخبث.
{… وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157
نهاية؛ الحديث هذا إن صح فهو روي بالمعنى وحسب فهم الراوي وهو شرح ورفع التباس وقع في ذهن بعض الصحابة وليس استثناء لنص التحريم للميتة والدم، و لا يصح الاستدلال به على أن الحديث مصدر تشريعي أو مخصص للنص القرءاني فهذا فعل غوغائي وعمل اعتباطي يدل على جهل الذي يقول به،فكما لاحظتم أن نص تحريم الميتة و الدم عام و لا يوجد لهما استثناء قط، ولاعلاقة للكبد والطحال أو ميتة البحرين بالنص القرءاني ، فكيف لرواية ظنية غير محكمة كمبنى، ومختلف عليها كسند، وهي من كلام البشر ترتفع إلى مستوى القرءان وتصير مصدر تشريعي تحكم القرءان كما قال الألباني في رسالته؟
منقول من كتابي تحرير العقل من النقل
اضف تعليقا