العمل الصالح يستمر أجره بعد موت صاحبه

يظهر كل حين ومين رأي من أحد القرءانيين غريب وعجيب ، وينشره بين  الناس على أنه تدبر قرءاني ويتحدى الناس ويصول ويجول ، ويقرأ الناس الرأي ويستغربون  كيف وصل لهذا الرأي ويرفضونه بفطرتهم، ولا يدرون كيف يردون عليه لأن صاحب الرأي اختبأ وراء  كم من النصوص القرءانية العامة ، والقرءان له هيبة وقداسة، ويغلب على القراء الضعف في التقويم للأفكار لعدم دراستهم وتدريبهم على التعامل مع القرءان ومنهجه ،وصار يتحدى ويطالب بالنصوص على خلاف رأيه ويريد نصاً خاصاً مفصلاً على حسب فهمه ومستواه، وإن لم تأتوا بذلك فقوله الحق وما دونه الباطل، ولم يعدم من وجود مصفقين له .

ورغم  تنبيهنا أكثر من مرة، وفي كثير من منشوراتي على أن القرءان له منهج خاص في تعامله لا يدركه كثير ممن يسمون أنفسهم قرءانيين لأنهم يتعاملون معه بشكل سطحي ومجزأ، وكثير من غيرهم الذين  لا يتعاملون مع القرءان أصلاً وإنما مع الروايات التراثية ويبنون مفاهيمهم بناء عليها.

القرءان كتاب متماسك يقوم على المنظومات ويحكم دراسته السنن والمنطق والواقع، ولا يصح تقطيعه أو عضوضته أثناء الدراسة، ويوجد نصوص محكمة تحكم النصوص المتشابهة ، ويوجد نصوص عامة لها تفصيل في نصوص خاصة ، ويوجد أفكار أو مفاهيم غير منصوص عليها حرفياً ولكن معلومة منطقياً أو استنباطاً أو استنتاجاً وفهماً من المنظومة القرءانية عموماً أو من روح منظومة أسماء الله الحسنى ، أو منظومة المقاصد، مثل أتى النص بنهي عن القول للوالدين أو لأحدهما أف{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23، فقال العلماء فهماً من مقصد النص: إن  تحريم الضرب لهما أو لأحدهما قياس أولوي وهو من باب أولى . وكذلك عندما حرموا نكاح الجدة قالوا : الجدة أم، ونص تحريم نكاح الأمهات يشمل الجدة من الطرفين . وكذلك قالوا بحرمة الجمع بين البنت وخالتها أو عمتها في النكاح اعتماداً على نص تحريم الجمع بين الأختين ، لأن علة التحريم هو صلة الرحم ، وحفظ الرحم مقصد تشريعي ، والخالة و العمة من الأرحام وبالتالي يشملهم حكم تحريم الجمع في النكاح.

وكذلك دخول العم والخال في محارم الزينة رغم عدم وجود ذكر لهم في النص{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31، ودخلوا تحت مفهوم ( أَوْ آبَائِهِنَّ) فالعم والخال من الآباء.

لذلك؛ ليس من أسلوب القرءان ذكر كل شيء صراحة وحرفياً في حال كان الحكم أو المفهوم مندرج تحت نص عام أو يدركه المتلقي من خلال الفهم المنطقي.

فالمطالبة بنص حرفي في حكم مسألة أو بناء مفهوم ليس تصرف باحث قرءاني حر يتعامل مع القرءان بشكل منطقي ولساني وكوني ومنظوماتي.

المفهوم العام في مسألتنا هو ليس للإنسان إلا ما سعى وكل إنسان يحاسب عن عمله ، ولاتزر وازرة وزر أخرى،ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.

وفي تفصيل يتعلق بهذا وهو مفهوم ثابت أيضاً بالتعامل مع العباد، أن الحسنات يضاعفها الله وينميها لكل عباده، بينما السيئات الأصل بها المعاملة بالمثل {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160، {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }غافر40،

{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة261

ويوجد تفصيل أيضاً يتعلق بالمعصية و السيئة لنوع معين من المجرمين يضاعف لهم العذاب

{أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }هود20، {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً }الفرقان69، وهذه المضاعفة ليس لكل أهل النار وإنما لفئة مجرمة فقط وهذا النص لا يتعارض مع نص {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160، لأن هذا نص تفصيل لحدث خاص مع استمرار نفي الظلم عن هؤلاء المجرمين رغم مضاعفة العذاب لهم فهم يستحقونه بما قدمت أيديهم.

ونفع العمل الصالح المستمر أو العلم النافع أو دعاء الولد لأبيه كله متعلق بأن الإنسان الميت صاحب العلاقة هو رجل صالح وليس فرعون أو هامان أو قارون أو أبو جهل…فهؤلاء لاينفعهم شيء وحبط عملهم.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }آل عمران116.

يقول بعضهم: إن الميت لا ينتفع بسعي غيره واحتجوا بآية النجم وهي قوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} على أن الميت لا ينتفع بسعي الأحياء، فاللام هنا لام الملك أو التمليك، ومقتضى هذا أن الإنسان إنما يملك سعيه، والحقيقةَ أن الملك شيء والانتفاع شيء آخر، فهذا الانتفاع ينتفع به الغير وإن كنت مالكاً له فلو أن شخصاً عليه دين ألف جنيه وقضيت أنت الدين عنه سواء أكان حياً أو ميتاً، فإنه تبرأ ذمته فهو انتفع بعملك أنت، فمن يملك المال؟ الشخص الذي دفع –هو مالكه- لكن الانتفاع لمن؟ لغيره.  فالذي انتفع به هو المدين فعلى هذا يكون معنى الآية نفي ملك سعي الغير{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فهو لا يملك ما عند الغير ولكنه ينتفع بما عند الغير.

ولنضرب مثلاً للنقاش لتوصيل الفكرة.

إنسان يتعامل مع آخر في التجارة بيعاً وشراء هل تبطل ما بينهما من معاملات مالية وذمم  بوفاة أحدهما؟ والجواب قطعاً بالنفي لاتبطل لأن المعاملات لاعلاقة لها بحياة الشخص أو بوفاته فهي منفصلة عنه.

إنسان وضع مالاً يستثمره مع تاجر ويأخذ أرباحاً منه كل عام ،توفي الرجل المستثمر هل يتوقف استثمار المال وأرباحه، أم يستمر ذلك للورثة ؟

إنسان بنى مشفى كعمل خيري طوعي لعلاج  الفقراء المرضى، وجعل له دعماً مالياً بطريقة أو بأخرى مستمرة،  أليس له أجر وهو حي رغم انفصاله عن المشفى ؟ وفي حال توفي الرجل هذا هل أجره يتوقف من عمل المشفى ؟

المنطق يقول إن المشفى قائم بشكل منفصل عنه وأجره عند الله لاعلاقة له بحياة المتبرع به أو بموته، وافتراض توقف الأجر للميت يلزم له أحد من ثلاثة أمور:

1- المستثمر عنده العمل توقف أو هلك .

2- توقف العمل الخيري عن العمل.

3- هلاك الشخص ولا رجعة له قط، بمعنى لايوجد بعث له بعد وفاته، وبالتالي لا قيمة للأجر أن يستمر لرجل هلك دون رجعة.

المستثمر عنده الفعل حي قيوم لا يموت وهو الذي يحفظ العمل والأجر وينميه.

الاحتمال الثاني باطل كون البعث بعد الموت حق والأجر لاعلاقة له بموت أو حياة الشخص في الدنيا. العمل الصالح مستمر في الحياة وفي حال توقف لظرف ما، الله الحي القيوم لايضيع أجر من أحسن عملاً ولايظلم ربك أحداً

ولنقرأ من القرءان لنعلم هل صلاح الرجل الميت يؤثر على حياة أبنائه ويحفظهم الله إكراماً له.

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف82، نلاحظ في النص أن صلاح الرجل الميت أثر على حفظ المال لابنيه اليتامى.

هل يوجد نص يدل فهماً أو استنباطاً على أن الميت له أجر من عمل صالح تركه بعد وفاته للناس ليستفيدوا منه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له؟

المنطق العملي يقول : إن العمل الصالح (صدقة جارية) أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لوالديه، هي أعمال مستمرة وحدها فكما تفيد الشخص الحي تفيده أيضاً وهو ميت لأنها منفصلة عن شخصه، فكيف لعمل يأتي بالربح لصاحبه وهو حي يتوقف إذا مات ؟ هل حياة الإنسان وموته له علاقة بثواب العمل المستمر صلاحه؟

لنقرأ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24

هل هذا النص يحصر الدعاء للوالدين بحالة الحياة فقط؟ من أوقف فائدة الدعاء لهما بعد وفاتهم أليس محل الدعاء هو الله وهو حي لا يموت؟ أليس الوالدين سوف يبعثان بعد موتهما أم هلكا لغير رجعة وبالتالي لا فائدة من الدعاء لهما ؟

لنقرأ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة84

أليس هذا دليل من خلال مفهوم الخلاف الحض على الصلاة على المؤمنين الذين ماتوا؟

ما معنى أن يصلي النبي على المؤمنين الذين ماتوا، أليس الدعاء لهم وطلب الرحمة و المغفرة

لنقرأ: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10

هل يوجد في النص ما يحصر الدعاء لقوم أحياء سبقونا بالإيمان زمنياً أم هو عام يشمل الذين سبقونا من الأحياء والأموات؟ أليس القاعدة القرءانية للتدبر هي بقاء العام على عمومه ما لم يأت نص يخصه ؟

لنقرأ: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }النحل25

أليس النص واضح إن هؤلاء سوف يحملون أوزارهم ويحملون أوزار من يضلونهم سواء بشكل مباشر شفهياً أو كتابة  من خلال كتبهم وأفكارهم سواء أكانوا أحياء أو أمواتاً.

لنقرأ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }التوبة113.

هل يوجد في النص أن الاستغفار خاص بحياة المشركين أم يوجد دلالة على أنهم ماتوا بدليل جملة{مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }ومتى يتبين لنا أن فلان من أصحاب الجحيم ونحكم عليه بذلك ؟ لاشك عندما يموت مجرماً عدوا لله والحق، ومفهوم الخلاف يدل على أن الاستغفار للمؤمنين الذين ماتوا جائز ومفيد ونافع لهم في آخرتهم.

لنقرأ : {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }إبراهيم41

أليس واضحاً في النص أن طلب المغفرة له ولوالديه يوم الحساب أن ذلك بعد وفاة الوالدين والمؤمنين؟

لنقرأ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً }نوح28 أليس جملة (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) بعد ذكر ماسبق في النص برهان على عموم المؤمنين والمؤمنات الأحياء والأموات؟

لنقرأ: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة261

{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245

هذا أصل في تعامل الله مع حسنات عباده النمو والمضاعفة ، وعندما يكون للإنسان عمل صالح مستمر أو علم ينتفع به فهو من هذا الباب أيضاً يحفظه له وينميه ويضاعف أجره ولو مات الشخص فهذا لايؤثر على مضاعفة الأجر له وتنميته لأن من يقوم بذلك حي قيوم  لايموت، وصاحب الأجر مات في الدنيا وسوف يبعث في الآخرة ليجد أجره قد تضاعف،  ولا ينفي كتابة الأجر له  بداية حين حصول العمل كحد أدنى ومن ثم يبدأ المضاعفة، وهذا رد على من ذكر شبهة إن الله يكتب الأجر النهائي الذي يريده للإنسان وتطوى صفحته بموته.

لنقرأ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }البقرة161

النص صريح بموت الكافرين مع استمرار اللعنة عليهم بعد موتهم، واستمرار الرحمة للمؤمنين بعد موتهم من باب أولى.

لنقرأ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169

لاشك أن هؤلاء القتلى في سبيل الله خرجوا من الدنيا وهم بحكم الأموات من حيث توقف عملهم وانقطاعه، ومع ذلك نهى المشرع عن عدهم أموات وذكر أنهم أحياء عند ربهم، وأثبت استمرار الفائدة لهم والإكرام رغم خروجهم من الحياة الدنيا بكلمة يرزقون.

لنقرأ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الحج58

كلمة (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً) فعل مضارع مستمر يدل على حصول الرزق بعد موتهم واستمراره، وهذا مصداق لنص القتل في سبيل الله ، ولو كان الرزق بمعنى الأجر المتوقف لأتى كلمة الأجر بدل كلمة الرزق.

لنقرأ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4، كلمة (فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) بمعنى لاتضيع أو تفنى ، والسؤال أليس توقف الأجر لها بعد القتل هو ضلال للأعمال؟ أليس الوعد بنفي الضلال عن الأعمال هو دليل على استمرار الأجر لها؟

لنقرأ: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء100

النص يتكلم عن إنسان خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت قبل أن يصل لمراده يخبره الله أن أجره محفوظ له بعد موته وكأنه قام بالفعل حقيقة، وهذا لأن الله حكيم رحيم عزيز قدير غني

لنقرأ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }الانشقاق25

هل كلمة (ممنون) يتوقف دلالتها بموت الإنسان ؟ هل الذي قال ذلك يموت أو هو حي لا يموت وهو صاحب الملك والعطاء والأجر وقوله حق ووعده صدق؟

لنقرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }الطور21.

أليس النص صريح بإلحاق الذرية وهي كلمة تشمل استمرار الأولاد إلى الأحفاد الصالحين بآبائهم الصالحين كرامة لهم دون نقصان أجر أكرامة لهم دون نقصان أجر احد منهم ناء حد منهم ؟

لنقرأ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }غافر8.

هل الدعاء هذا خاص للأحياء ولا يشمل الأموات؟ أليس المخاطب بالدعاء حي لا يموت؟ أليس الميت سوف يبعث حياً؟

وبناء على المفهوم القرءاني والمنطقي صح عندي  مضمون الحديث الذي يقول: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به ، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له.

وإن صح سند الحديث للنبي على الغالب فهو مقبول ولا مانع من نسبته للنبي فهو تأويل لمفاهيم قرءانية .

ولا قيمة للشبهات والإشكاليات التي يعرضها بعضهم مثلاً رجلين بنى كل واحد منهم مشفى فتم هدم مشفى أحدهم وبقي الآخر فما ذنب من هدم مشفاه أن يتوقف أجره بينما الآخر يستمر أجره؟

هذه الشبهة وأمثالها لاتنقض المفهوم الثابت سواء علم الإنسان بحلها أو لم يقتنع بجوابها، لأن الأصل بقاء اليقين على ثبوته ولا ينقض اليقين إلا بيقين مثله ، والشبهة ليس يقيناً هي مجرد تساؤل ليس أكثر لا ينقض اليقين ، وعدم العلم ليس برهاناً على إثبات أو نفي شيء.

ومع ذلك نقول: إن الله لا يظلم أجر من أحسن عملاً وهو حكيم عليم عزيز قدير يحفظ حق كل من عمل صالحاً، وهذا من شأن الله وفعله وهو يقدر ذلك بعلمه وحكمته ورحمته ولا يوجد عنده مشكلة في ذلك وإنما المشكلة في ذهن المتكلم الذي بناء على عدم فهمه نفى استمرار الأجر بعد وفاة الإنسان.

لذلك ؛ أهيب بمن يكتب متسرعاً لخاطرة مرت في ذهنه أو فهم نص عام دون أن يدرس المنظومة والتفصيل أن يهدأ ويدرس بعمق برؤية كلية شمولية قرءانية منظومية منطقية ، ويعرض رؤيته للحوار والنقاش وليس  عملاً منتهي منه ويعده بحثاً قرءانياً  يتحدى به ويصول ويجول ، وعمله هذا إساءة للقرءان والقرءانيين ويخلق للخصوم والمخالفين أسباب للنقد والسخرية من جراء هذه الأعمال السطحية البسيطة جداً.