مفهوم ضرب الرقاب والأعناق

{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد 4 .

(إذا لقيتم) تعني إذا حصل مجابهة  مع الذين كفروا وهو حاصل لطبيعة الكفار لا يتركون المسالمين بحالهم ويريدون قتالكم فلا مفر من القتال وهو كُره لكم ،  وكلمة (ضرب الرقاب) لا تعني بتر الرقبة التي تحمل رأس الإنسان ،وهي اسمها في القرءان (عنق) {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً }الإسراء29، وكلمة (ضرب) تدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً بالغاً، وكلمة (الرقاب) جمع رقبة وجذر الكلمة (رقب) وتدل على ما يُنصب بقوة لحمل غيره ، وسياق الأمر بالضرب يتعلق بالحرب والمعركة، وليس بالحياة العامة الطبيعية ، وهذا يعني ضرب مراكز قوى الجيش من الآلة والعتاد أو البشر القادة وشل حركتهم وفاعليتهم، وليس المطلوب إزهاق حياتهم، فذلك ليس مطلباً دينياً، وحصوله في واقع المعركة هو عرضياً وظرفياً.

أما  الأعناق فهي جمع كلمة عنق  ، وذكر صاحب(مقاييس اللغة)

العين والنون والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على امتدادٍ في شيء، إمَّا في ارتفاعٍ وإمَّا في انسياح.فالأوَّل العنُق، وهو وُصْلة ما بين الرّأس والجسد، مذكّر ومؤنَّث، وجمعه أعناق.

عنق: تدل على بعد مستور منته بتوقف، وتطلق على الوصلة أو الامتداد بين شيئين من خلال تجمع معين.

{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }الشعراء4، بمعنى مراكز الصلة و التواصل بينهم والجماعة التي تحكمهم خاضعة للآيات.

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }الأنفال12

الضرب فوق الأعناق هو بمعنى توقيف بشدة لمراكز التواصل والصلة والتجمع لقوى العدو ولايشترط لذلك زهق الحياة لأن الضرب لايعني زهق الحياة كما أن القتل لا يشترط له زهق الحياة أيضاً.

فقتل الناس إلى درجة زهق حياتهم وموتهم ليس مطلباً دينياً، وإنما المطلب هو توقيف عدوانهم وقتله لا قتل الناس، فمفهوم ضرب الرقاب أو ضرب فوق الأعناق ليس المقصد منه بتر الرؤوس وليس هو مطلبا ًدينياً، والأمر هذا هو خطاب متعلق بحرب دائرة والقتال قائم وليس دعوة لبدء الناس بالحرب والقتال، فمعروف أن القتال شُرِّع في القرءان ظرفياً وطارئاً وليس أصلاً ،وهو لصد العدوان أو رفع الظلم {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194 ، وبعد ذلك الرجوع للأصل وترك الناس أحرار في كفرهم أو إيمانهم وفق محور التعايش السلمي والتعاون والتعارف {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.