الصيام مطلب ثقافي وضرورة صحية

   إن كلمة الصيام من صم التي تدل على تماسك الشيء, فتكون دلالة الصيام هي الإمساك الذاتي عن تناول أي شيء سواء أكان فعل الكلام أم فعل الطعام أم أي شيء آخر .

والصيام اصطلاحاً هو الإمساك عن تناول الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى الليل.

وفعل الصيام متعلق بالإنسان الواعي ، والإنسان هو نفس وجسم ولكل منهما نظام خاص به مع وجود علاقة جدلية بينهما ، فالنفس تتعلق بها الثقافة ، والجسم يتعلق به الصحة البدنية . فأتى الأمر بالصيام لكليهما معاً .

صيام الجسم عن الطعام والشراب ومنع الرفث مع النساء , وصيام النفس عن الأذى والشر والسوء , وإخضاعها لدورة ثقافية للحصول على الطهارة والتزكية النفسية, وتقليص وتخفيف صفة الأنانية عند الإنسان,وتفعيل الجانب الاجتماعي الكامن في نفسه بكونه كائناً ينتمي إلى مجتمع يتحرك وفق منظومته الإنسانية .

وما صيام الجسم إلا وسيلة لإطالة عمر الإنسان النفسي واستمرار فاعليته في الواقع لأن النفس لا يمكن أن تتواصل مع الحياة الفاعلة دون جسم سليم ومعافى ، ومن هذا الوجه تعلق الصيام بالجسم صيانة ورعاية وترميماً وتحديثاً له لتستخدمه النفس على أكمل وجه .

ونتيجة فعل صيام الجسم يُتيح للنفس مجالاً واسعاً من عملية الفكر والتأمل والتوازن النفسي,

لذا؛ نشاهد كل من يسلك طريق الفلسفة والعلم والمعرفة يقوم بعملية صيام للجسم بصورة معينة ، ومن هذا الوجه ظهرت العلاقة الجدلية بين النفس والجسم فكل واحد منهما يؤثر بالآخر سلباً أو إيجاباً .

قال تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ] البقرة 183، والتقوى ليست موجهة لله، وإنما متعلقة بالفرد على الصعيد النفسي والجسمي، وبالمجتمع ظلماً وغلاء، فإن أصاب المجتمع ظلماً أو غلاء الأسعار يقوم الإنسان – كمجتمع- بالصيام الذي هو امتناع عن استهلاك المادة التي ارتفع سعرها فتكسد فينخفض سعرها ضرورة، والامتناع السلمي والجلوس في البيوت وعدم عمل الشيء الذي ظلمتهم السلطة فيه، فتضطر السلطة مكرهة على التراجع عن الظلم، وكل ذلك بشرط الصيام الاجتماعي وليس الفردي، وبهذا العمل تتقون الأمراض النفسية والصحية ، والظلم الاجتماعي وغلاء الأسعار.

والصيام ليس خاصاً بأمة دون أخرى ، وليس هو حديث عهد في الإنسانية ,وإنما هو موغل في القدم يمارسه المجتمعات الإنسانية حسب ثقافتهم, بل إن الصيام يمارسه مجموعة من الحيوانات مثل الدب (سُبات شتوي) ! والصيام يتم استخدامه لعلاج كثير من الأمراض الجسمية ، فهو بمثابة الصيانة السنوية لأجهزة الجسم بجانب إعطاء الجسم إجازة ونقاهة مكافأة له لعمله المتواصل طوال العام . لذلك كان فعل الصيام ضرورة نفسية وصحية واجتماعية ، ولكن الذي يحصل في الواقع أن الإنسان يقوم في شهر الصيام باستهلاك أكبر كمية من الطعام المتنوع والمليء بالشحوم والدهون, مما يؤدي إلى نفي المقصد من الصيام ، ويقوم المجتمع برفع أسعار المواد الغذائية من خلال تزايد الطلب عليها، ويشجع السلطة على فعل ما تريد لمعرفتها إن المجتمع ضعيف الإرادة وفاقد الوعي بأهمية الصيام اجتماعياً، وهذا المجتمع لم يصم ! وإنما غير وقت تناول وجبات الطعام ,وضغط الوجبات إلى وجبتين مع رفع المستوى الغذائي والدسم فيها, فصار شهر الصيام عنده هو شهر الطعام المركز والمكثف ,وتضاعف مصروفه المادي عن سائر الأشهر الأخرى !,ويصير هذا الإنسان في واقعه يحفر قبره بأسنانه .

وهذا الإنسان الشره الأكول لم يصم لا على صعيد الجسم ,ولا على صعيد النفس ,لأنه لم يحقق المقصد من الصيام [ لعلكم تتقون ] والتقوى فعل للنفس لا للجسم ، فمن صام عن المفطرات المادية دون الصيام عن  المفطرات النفسية يكون صيامه صيام جسم فقط مثله مثل صيام الحيوانات الأخرى.       قال تعالى [ شهر رمضان …., فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر ] البقرة 185-187

وهذا النص يحدد زمن الصيام من الأشهر ، وهو خطاب عام للذكور والإناث يفرض عليهم الصيام ,ولم يشترط للصيام الطهارة البدنية مثل الصلاة مما يدل على شمول الخطاب للمرأة الحائض والنفساء, إلا إن لم تستطع الصيام فتأخذ حكم المريض.

أما بالنسبة لمفطرات الصيام المادية[ شهوة البطن والفرج] فهي حصراً تناول الطعام والشراب أو ما يقوم مقامهما من فيتامينات ومقويات تُعطى عن طريق الوريد ، وممارسة الرفث مع النساء . والرفث كلمة تدل على تكرار سلوك ملتصق بالمرأة مقترن بشهوة . أما سوى ذلك من احتلام أو تقبيل وعناق دون شهوة أو مصافحة,أو الغطس في الماء أو النوم, أو شم الروائح أو التذوق للأطعمة, أو الحقنة الشرجية أو الغرغرة ,أو قطرة العين أو الأنف أو الأذن, فكل ذلك وغيره ليس من المفطرات, وإنما هي من منع الفقهاء, ويضاف إلى ذلك سَحب دُخَّان التبغ عن طريق الفم الذي يُسمى خطأً (شرب الدخان) فهذا الدخان الذي يدخل إلى الرئتين عن طريق الفم ليس طعاماً أو شراباً  ولا يقوم مقامهما في عملية التغذية, كما أنه لا يصل إلى المعدة, ولا قيمة لتحلله في لعاب الفم, لأنه لو كان ذلك يُعوَّلُ عليه لتمَّ المنع من المضمضة في الوضوء لبقاء ذرات من الماء في الفم يستحيل خروجها كلها, وتؤدي إلى ترطيب الفم واللسان ويتحلل جزء منها في اللعاب , مع ثبوت ضرر الدخان على الصحة العامة .