دعوة لعقلنة النحو ومصطلحاته

يشتكي معظم الطلاب من جمود مصطلحات النحو وغموضها وصعوبتها بسبب اعتماد معظمها على الحفظ دون الفهم وكأنها طلاسم، ولذلك ندعو أهل الاختصاص والمؤسسات العلمية المعنية بوضع مقررات الدراسة لإعادة دراسة النحو، ووضع له مصطلحات تناسب محل خطاب الكلمة من الواقع وتدل عليه، بحيث يصير الطالب يفهم موضع الكلمة من الجملة وعلاقتها بالواقع ،ويقوم باعرابها وفق وظيفتها وموضعها، ولايهم التسمية لها في حال أصاب المعنى والوظيفة لها.
وهذه العقلنة للنحو لاتغير حركة الكلمة كتشكيل وإنما تغير تسميتها النحوية بما يناسب واقعها ووظيفتها.
على سبيل المثال
كُسرَ الزجاجُ، يقول أهل النحو كلمة الزجاج نائب فاعل مرفوع
يقرأ الطالب هذا الإعراب فيتساءل: كيف يكون الزجاج المكسور الذي وقع عليه الفعل نائب فاعل؟
فيرد عليه أهل النحو : نقصد بقولنا نائب فاعل أنه أتى محل الفاعل في الجملة وأخذ حركة الرفع منه أو بدل عنه أو لتدل عليه .
الملاحظ أن أهل النحو يتعاملون مع الجملة وليس مع محل تعلق الكلام في الواقع، وهذا يعني أن تعاملهم نظري تجريدي لامحل له من الواقع، وبالتالي يصعب فهمه على الطالب لانتفاء المنطق العملي عنه.
والصواب المنطقي أن نُبقي إعراب كلمة (الزجاج) مفعول به مرفوع لأنه سُبق بفعل مبني للمجهول.
وهذا الإعراب لكلمة (الزجاج) موافق لوظيفة الكلمة في الواقع من حيث وقوع الفعل عليها ويصير الإعراب مطابق للفهم وليس خلاف له أو طلاسم أو يحتاج الإعراب لشرح ولف ودوران!
ومثل آخر
درس الطلاب كتاب العلوم
وظيفة الطلابُ في الواقع أنهم قاموا بالفعل فيصيرون فاعلاً ، وتعرب الكلمة فاعل مرفوع في هذه الجملة
ولكن عندما يسبق الفعل أداة نفي مثل
لم يدرس الطلابُ كتاب العلوم
لايفهم أحد من القراء أن الطلاب فاعل في الواقع لنفي الفعل عنهم، وإعراب كلمة الطلاب المنفي عنهم القيام بالفعل فاعل كذب وخطأ من حيث الواقع، والصواب ينبغي أن نلاحظ وظيفتهم بالواقع هل قاموا بالفعل فهم فاعلون ، وإن لم يقوموا بالفعل فهم ليسوا فاعلين، وبالتالي لايصح إعراب كلمة الطلاب المسبوقة بفعل منفي أنهم فاعلون، وينبغي أن نعرب كلمة الطلاب بما يدل عليه واقعها، فنقول : كلمة (الطلاب) المسبوقة بفعل منفي هي اسم مرفوع منفي عنه الفعل، وهذا الإعراب يطابق وظيفة أو صفة الطلاب في الواقع تماماً، ويفهم القارئ المعنى من المبنى .
إذاً؛ التغيير لايتناول حركة الكلمة من رفع أو نصب أو جر، وإنما يتناول الاصطلاح والتسمية النحوية لتوافق محل الكلام من الواقع وتصير مفهومة ومنطقية للطالب
أمثلة لتقريب الفكرة على عقلنة النحو
-{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }الأعراف152
سينالهم غضبٌ: كلمة غضب ليست فاعل في الواقع وإنما هي شيء توجه وتعلق بالقوم، والصواب أن نقول : اسم مرفوع موجه أو تعلق بالقوم
-{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37
لن ينالَ اللهَ لحومُها: كلمة الله أتت منصوبة وهي ليست مفعول به في الواقع، وإنما محل التوجه والتعلق لفعل النيل ، ويصير إعرابها حسب واقعها اسم منصوب توجه الفعل له، وكلمة (لحومُها) ليست فاعلاً وإنما أيضا تعلق بها الفعل فتصير اسم مرفوع لتعلق الفعل بها
-{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }الأعراف37
ينالُهُم نصيبُهُم: كلمة نصيب ليست فاعلاً وإنما اسم مرفوع لتعلق الفعل به
-{أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }الأعراف49
لاينالهم اللهُ برحمة: كلمة الله اسم مرفوع لنفي الفعل عنه
وهذه الاصطلاحات والتسميات غير ملزمة لأحد مالم يتبناها المجتمع بثقافته ويقررها في مقررات الدراسة، و ينبغي التعامل مع المضمون وقَبول أي تعبير نحوي من الطالب مادام المضمون صواباً ، وهذا ترسيخ لإعمال العقل والفهم للكلام قبل الإعراب، ولامشاحة في الاصطلاح مادام يؤدي المعنى الصواب دون إشكال .