المضاف والمضاف إليه

وُضِعت قواعد النحو من خلال ملاحظة معنى الكلمة في سياق الجملة ومراقبة حركتها وما يطرأ عليها من تغير، وسبر تلك التغيرات والحركة للكلمة في سياق اللسان العربي، فتم وضع الاصطلاح بصورة يُعبر بها عن معنى الكلمة وموضعها في الجملة بشكل قريب جداً للحقيقة ، لذلك قواعد النحو هي منطق اللسان ولاتغط حالات اللسان كله بل معظمه مع وجود قصور في بعض التسميات أوالتعاريف، وبرهان القواعد هو اللسان ذاته وليس العكس، بمعنى في حال حصل اختلاف على قاعدة فالحكم للسان ومحل تعلق الخطاب من الواقع لأنه المعني بها وهو الأصل.، ولاشك اللسان الذي نزل به القرءان هو الحجة والبرهان ويدرس وفق ما أتى في القرءان وليس من خارجه .
لنقرأ مثال على ذلك تطبيقي:
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
كلمة ( لحمَ خنزيرٍ) نلاحظ أن كلمة (لحم) أضيفت لكلمة (خنزير) لتعرف بها وتحدد اللحم ، فقال أهل النحو عن هذه الصيغة هي مضاف وهي من صورالتعريف .
وكلمة ( خنزير) أضيف إليها اللحم، فأطلقوا عليها مضاف إليه
ولاحظوا من خلال سبر المضاف إليه أنه يأتي دائماً مجرور فجعلوا ذلك قاعدة .
ولاحظوا أن المضاف إليه ( خنزير) عندما يأت دون أل يصير المعنى عام بوصف الخنزرة غير محدد بعنصر معين، مثل قولنا: كتاب طالب، بمعنى أي طالب غير محدد.
نتابع القراءة :
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل115
نلاحظ أن كلمة ( الخنزير) أتت مضاف إليه معرف بأل على خلاف النص السابق أتت دون أل ، وكلاهما مضاف إليه، فما الفرق بينهما ؟
المضاف إليه دون أل (خنزير) تعني صفة تتحقق بأي عنصر أو كائن .
المضاف إليه المعرف بال ( الخنزير) تعني كائن محدد بصفة له .
مثلا : نقول أعطني كتابَ طبٍ، غير محدد أي كتاب في الطب، ونقول : أعطني كتابَ الطب، حددنا كتاباً معيناً وتسمى هذه الأل العهدية لمعرفة المتلقي للخطاب بالكتاب في ذهنه.
فيصير معنى كلمة ( لحم الخنزير ) المعرفة تعني اسم كائن معين تصف كل مايلحم في بدنه بصفة الخنزير( الفساد) بصورة لازمة له.
ونلاحظ أن النص الأول أتى بصيغة الحصر (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ…) واستخدم المضاف إليه دون ال التعريف( لحم خنزير) ليدل على عموم وصف الخنزرة ( الفساد والخبث) في أي لحم ، بينما في النص الثاني (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ) اتت كلمة ( لحم الخنزير ) معرفة بأل العهدية لتدل على معنى معروف مسبقاً بذهن المتلقي للخطاب كوصف للحم في كائن معين، وهذا النص نزل تحت نص التحريم الاول كتفصيل له وليس زيادة في التشريع ، لأن لحم الخنزير المحدد بكائن ينزل تحت دلالة مفهوم لحم خنزير العام وبالتالي لم ينقض دلالة الحصر في النص الأول.
فتأملوا وتدبروا يرحمكم الله