مفهوم البكاء في القرءان
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ }الدخان29
البكاء من بكى وهي تدل على جمع حركة باستقرار تظهر بضغط خفيف بشكل إثارة وامتداد زمانية ومكانية.
وعندما لاحظ العرب هذا الانفعال في الحركات سواء المادية أو المعنوية في الإنسان قالوا: بكى بالألف المقصورة تعني نزول الدموع، من باب تسمية الشيء بمآله الغالب عليه، ويقصدون بقولهم السابق حالة الانفعال النفسية بسبب الألم أو الحزن التي تدفع الجسم للانفعال معه فينزل الدموع، وليس كل حالة نزول الدمع يسمى بكاء، فيمكن أن تنزل الدموع من حالة انفعال الضحك الشديد ، فهذا لايسمى بكاء.
وعندما لاحظ العرب هذا الانفعال في الحركات سواء المادية أو المعنوية في الإنسان قالوا: بكى بالألف المقصورة تعني نزول الدموع، من باب تسمية الشيء بمآله الغالب عليه، ويقصدون بقولهم السابق حالة الانفعال النفسية بسبب الألم أو الحزن التي تدفع الجسم للانفعال معه فينزل الدموع، وليس كل حالة نزول الدمع يسمى بكاء، فيمكن أن تنزل الدموع من حالة انفعال الضحك الشديد ، فهذا لايسمى بكاء.
ولايشترط للبكاء أن تنزل الدموع، لأن الأصل في مفهوم البكاء هو الحالة الانفعالية في داخل الشيء وتأثره التي يعقبها ظهور التأثر بحركة أو فعل كالصوت أو نزول دموع أو كلاهما، وعندما يضاف البكاء للإنسان يكون التأثر ناتج عن شعور واعي، أما عندما يضاف لغيرالإنسان فلايوجد شعور وإنما يوجد حالة انفعال فقط.
وعند دراسة الخطاب القرءاني لابد من استحضار أن كلام الله حق وهو صادق فيما يقول سواء تعلق الخطاب بخبر موضوعي أو قصة تاريخية ، ويصيغ الكلام بإحكام دون عبث ولاحشو ، وهذا يقتضي من الباحث في القرءان أن يتقيد بذلك أثناء دراسته ولاينفي عن الخطاب القرءاني أي صفة مما سبق، ويجتنب الفهم السطحي أو الشائع بين الناس لمعنى كلمة لكثرة الاستخدام لها على وجه واحد من الوجوه اللسانية ، فهذا الاستخدام الشائع لايقيد الخطاب القرءاني ولايحكمه ولاينفي صواب الأوجه الأخرى اللسانية لمعنى الكلمة ، وتظهر الأوجه الأخرى من خلال السياق وتعلق الخطاب بمحله من الواقع.
لنقرأ كيف أتت كلمة البكاء في القرءان
-{وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ }يوسف16، نلاحظ من خلال الحدث التمثيلي أن أخوة النبي يوسف تظاهروا بالبكاء سواء نزلت الدموع منهم أو لم تنزل وذلك تعبيراً عن حزنهم لفقد أخيهم يوسف
-{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ }النجم60، أتت كلمة البكاء مقابل الضحك وتعني حالة التأثر والانفعال والاهتمام بالحدث
– {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم58، بمعنى سارعوا للخضوع لمضمون الآيات أمراً أو نهياً أو علماً وتعظيماً أو اكتشافا ودراسة وتفاعلوا بذلك وتأثروا بحياتهم وسلوكهم
ونأت الآن لدراسة النص المعني حسب قواعد الخطاب القرءاني
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ }الدخان29
بداية؛ الكلام حق وصدق ولايوجد عبث ولاحشو وهو محكم الصياغة، وهذا يقتضي نفي الترادف والمجاز والاعتباط عن الخطاب القرءاني.
السماء والأرض لاشعور لديهما، وهذا ينفي عنهما حالة التأثر الانفعالي الواعي، ويثبت لهما حالة الانفعال والتأثر السنني، يعني لايوجد حالة إظهار الحزن ونزول الدموع المعنى المرتبط بالإنسان والشائع في الاستخدام، ولايصح القول :إن ذلك كلام مجازي، لأن ذلك ينفي عن الخطاب القرءاني صفة الحق والصدق في خبره وموضوعه، مما يؤكد أن المعنى لبكاء السماء والأرض هو حقيقة وصدق بصورة أخرى غير صورة بكاء الإنسان لاختلاف الماهية بينهما. كلمة السماء في القرءان تطلق على المجال والبُعد أوالشيء الممتد فوقك ،وأتت في القرءان بعدة صور منها السحاب والغيوم المحملة بالماء.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }لقمان10
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً }الفرقان48
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22
معروف في الواقع أن الماء ينزل من السحاب والغيوم، وهذا يدل على أن السحاب هو سماء لنا كونه بُعد ممتد فوقنا ، وبكاء السماء تعني بكاء السحاب ويكون ذلك البكاء من خلال انفعال السحاب سننياً وتأثره بذلك فينتج عن ذلك الضغط نزول الماء، فهي حالة بكاء حقيقية لسانياً وواقعياً.
أما بكاء الأرض فنلاحظه بالنص هذا :
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فصلت39
{ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5
عندما ينزل الماء على الأرض تهتز وتتأثر وتنفعل فتنبت الزرع، وهذه العملية الإحيائية للأرض هي حالة بكاء لها حقيقة لساناً وواقعاً.
ويصير معنى النص {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ }الدخان29، نفي نزول الماء عليهم ، وطبيعي أن ينتفي حياة التربة وينتفي نبات الزرع، وذلك عقوبة لهم.
اضف تعليقا