كيف ندرس نصاً لسانياً

دراسة نص أو كلام جهة معينة يقتضي منا أن نتعامل أو نعرف العناصر التي شكلت النص لأن معرفتها هي مفتاح دراسة النص وتحديد المعنى للكلمات، وعند تحليل الحدث نصل إلى أنه يوجد أربع عناصر لازم على الباحث أن يعرفها وهي: المتكلم، الدال، المدلول عليه، المتلقي للخطاب.
المتكلم: هو الذي صدر منه النص بناء على مستواه العلمي وقدراته
الدال: هو مبنى النص صوتياً الذي يحمل مقاصد المتكلم (النص اللساني)
المدلول عليه: هو محل تعلق النص الذي يدور عليه المعنى ( الواقع)
المُخاطب: هو المتلقي للخطاب ويتفاعل معه ويحاول أن يفهمه حسب قدراته الفهمية .
لذا؛ ينبغي على الدارس للنص أن يستحضر هذه العناصر الأربعة أثناء دراسة النص، ومعرفة مستوى علم المتكلم ولمن يوجه خطابه وصفات خطابه، ومعرفة الدال ومعرفة المدلول عليه ، ومعرفة مستوى المتلقي للخطاب وقدراته الفهمية .
فعندما يؤلف المتكلم نصاً يريد به خطاب طفل يختار مبنى لساني وواقع محسوس واضح يناسب قدرات فهم طفل ليتفاعل معه، وعندما يؤلف المتكلم نصاً يخاطب به طلاب علم ذو مستوى عالي يختار مبنى لساني يتعلق بواقع علمي ليتفاعل الطلاب معه.
فلذلك ينبغي العلم بمستوى المتكلم وصفات خطابه حتى نستخدمها في فهمه ودراسته من خلال تعلق خطابه بالمدلول عليه من الواقع الذي قصده المتكلم، لننظر مثلاً:
– المتكلم طفل : ضرب زيد عمراً على رأسه، وهذا يعني أن علمه محدود جداً ويميل للتجسيد والمحسوس دائماً ولايجرد كلامه ، والمدلول عليه (محل تعلق كلامه) هو رأس عمر، وهذا يعني أن دلالة كلمة (ضرب) أتت بمعنى مادي محسوس، وتدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً، وهذا يعني هوى على رأس عمرٍ شيء مادي ترك فيه أثر الضرب، ودلالة الضرب المادي المحسوس الذي يستخدمه الطفل يكبر معه ويصاحبه ويستخدمه في حياته عندما يستخدم كلمة (ضرب) أو يسمعها مما يجعل المعنى المادي المحسوس للكلام هو الأول والأصل في فهمه بداية ، وعندما يكبر وتتراكم خبراته الفهمية يتوسع استخدام دلالة معنى الكلام فيضيفه للمعنى المادي ولايلغيه، مثلاً
– كلام إنسان كبير: ضرب زيد تجارة عمر، فعلم المتكلم ومستواه أرقى من علم طفل ومستواه وبدأ يجرد كلامه قليلاً بما يناسب علمه وقدراته الفهمية فاستخدم كلمة (ضرب) بدلالة معنوية وليست مادية محسوسة، وقصد أن زيد قام بعمل معين أثَّر على تجارة عمر فأصابها بالخسارة أو الكساد، والملاحظ أن عندما علمنا أن المتكلم شخص كبير وليس طفلاً والمدلول عليه هو التجارة، وهذا الأمر وجَّه فهمنا من المعنى المادي المحسوس الطفولي إلى معنى أرقى ومجرد عن المادية .
تلاحظون أن مستوى معنى الكلام يرجع لمستوى علم المتكلم ، فكلما ازداد علماً كلما ارتفع مستوى خطابه ودلالته وابتعد عن السطحية والجمود والتجسيد ، لذلك ضروري جداً أن نعرف من المتكلم قبل دراسة النص حتى نعرف كيف نتعامل معه وبأي أدوات ندرسه، وكذلك ينبغي أن نعرف محل تعلق الخطاب من الواقع لنفهم دلالة الكلمة هل هي معنى مادي أم معنى معنوي.
وإن أردنا دراسة نص ولانعرف مستوى المتكلم ينبغي أن ندرس الدال والمدلول عليه بوقت واحد من منظور زمن المتكلم (تاريخياً) ، وإن لم نعرف تاريخ النص ، يصير معرفة النص ظنية وتخضع لأفهام كثيرة جداً حسب طبيعة علم المتلقي ولايكون فهم أحدهم حجة على فهم آخر وخاصة إن كانت الأصوات اللسانية اعتباطية وتركيب المبنى اعتباطي، ومع كل ذلك يبقى المدلول عليه (الواقع) هو الحكم حينئذ.
والذي يقول بالمجاز نلاحظ أنه اعتمد على طريقة تعامل الطفل مع الكلام بمعنى أنه مجرد أن يسمع أو يقرأ كلام معين يتصور التجسيد له في الواقع بداية فيضطر أن يهرب من هذه الحالة الطفولية ويرتقي بفهمه إلى معنى معنوي أو مناسب للواقع لأن المعنى المادي المحسوس لم يقبله عقله والواقع ،فقال إن الكلام مجازي ويقصد به كذا وكذا ، الذي يجعل دلالة الالفاظ على معانيها بالطبع لا بالوضع، يخرج عن طبيعة العقل سواء علم بذلك او لم يعلمه.