مفهوم كلمة رمضان لساناً

ذكرت معظم المراجع اللسانية أن دلالة كلمة (رمض)هي شدة الحر، ومنها الرمضاء وهي الأرض التي وقع عليها حرارة الشمس فارتفعت حرارتها بشدة . والوحيد الذي حاول أن يضع أصبعه على مفهوم كلمة (رمض) هو صاحب (مقاييس اللغة) ابن فارس، فقال : رمض : الراء والميم والضاد أصل مطَّرِدٌ يدل على حدة في شيء من حر أو غيره. فالرمض حر الحجارة من شدة حر الشمس.
وهذا يعني أن استخدام مثل واقعي على مفهوم الكلمة هو لتقريب المعنى وليس هو للحصر بها، بمعنى أن الحدة أو الشدة ليست بشرط أن تأتي دائماً بحر الحجارة يمكن أن تأتي بغير ذلك بدلالة مادية أو معنوية.
تعالوا لنرى أوجه كلمة (رمض) المختلفة في تغيير تركيب الأصوات وما مفهومها رغم أن الأصوات واحدة ولكن تغير ترتيبها، وقديماً قيل وبضدها تظهر الأشياء، ولذلك سوف ندرس الكلمة وضدها كمبنى، مع ملاحظة الدلالة المادية والدلالة المعنوية للكلمة.
(مرض، ضرم)، (رضم ، مضر)، (ضمر ،رمض)
1- مرض: تدل على جمع متصل مكرر منته بدفع شديد جداً، وظهر ثقافياً بتجمع الخلل أو الخطأ في النظام أو مايسببه من فيروسات في الجسم أو النفس وتكرر هذا التجمع باتصال إلى أن يندفع بقوة شديدة جداً ليؤثر على حركة الجسم وفاعليته ويصيبها بالتقلص وربما بالسبات أو يصيب نظام النفس وآلية التفكير ويقلص الفاعلية والصواب فيه ويجعله مضطرباً رجساً. مثال على مرض النفس والعقل: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }التوبة125 {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }البقرة10
مثال على مرض الجسم: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة91
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }النساء43
2- ضرم: تدل على دفع شديد جداً مكرر منتهي بجمع متصل.
قال ابن فارس في المقاييس: الضاد والراء والميم أصل صحيح يدل على حرارة والتهاب. من ذلك الضِّرام من الحطب:الذي يلتهب بسرعة.
وظهر ثقافياً من خلال إضرام النار بشيء بقوة ليشتعل وترتفع حراته سواء أكانت الدلالة مادية أم معنوية، بمعنى إضرام الفتنة في صفوف العدو . نلاحظ أن دلالة الحدة والشدة التي قال بها ابن فارس ظهرت بدلالة كلمة (مرض وضرم) من خلال مفهوم صوت الضاد بصرف النظر عن الصورة المادية أو المعنوية.
3- رضم: تدل عى تكرار دفع شيء بشكل قوي وشديد منتهي بجمع متصل.
قال ابن فارس في كتابه المقاييس: الراء والضاد والميم كأنه رمي الحجارة بعضها على بعض. فالرضيم البناء بالصخر، والرضام: الصخور واحدتها رضمة، ورضم فلان بيته بالحجارة.
ألا تلاحظون قرب وتشابه دلالة كلمة ( ردم) بدلالة كلمة( رضم) ولكن دلالة صوت الضاد أقوى شدة
4- مضر: تدل على جمع متصل مندفع بقوة شديدة جداً منته بتكرار العملية.
قال ابن فارس في كتابه المقاييس: الميم والضاد والراء أصل قليل الفروع. فالمضر بناء على قولك لبن مَضِرٌ وماضر: شديد الحموضة.
لاحظوا أن الشدة ظهرت أيضاً في دلالة الكلمة (مضر) رغم أن ذلك أتى من دلالة صوت الضاد ، ولظهوره بقوة عرفوا دلالة الكلمة كلها به فقط، والصواب أن دلالة كلمة (مضر) هي تجمع متصل لشيء مندفع بقوة مكررة ، وظهر ذلك بطريقة ظهور الحموضة في اللبن من حيث تجمع الحموضة وتركيزها ومن ثم اندفاعها بقوة في الشيء وتكرار تلك العملية لتشتد الحموضة نهاية في الشيء كله، وهذا الفعل ليس حصراً في اللبن .
نلاحظ أن دلالة الحدة والشدة التي قال بها ابن فارس ظهرت بدلالة كلمة (رضم، ومضر)) من خلال مفهوم صوت الضاد بصرف النظر عن الصورة المادية أو المعنوية.
5- ضمر: تدل على دفع شديد جداً بتجمع متصل منتهي بتكرار.
قال ابن فارس في المقاييس: الضاد والميم والراء أصلان صحيحان: أحدهما يدل على دقة في الشيء، والآخر يدل على غيبة وتستر، فالأول قولهم: ضمر الفرس وغيره ضموراً، وذلك من خفة اللحم، وقد يكون من الهزال.والآخر الضِّمار، وهو المال الغائب الذي لايرجى. وكل شيء غاب عنك فلا تكون منه على ثقة فهو مضمار.
نلاحظ أن كلام ابن فارس تحول إلى الشرح والاستخدام وابتعد عن مفهوم كلمة (ضمر) وجعل كل معنى لها تظهر به هو أصل بذاته وهذا خطأ، فالكلمة لها أصل واحد و الذي نعبر عنه بكلمة (المفهوم) الثابت لساناً ،ويظهر المعنى بصور كثيرة حسب الاستخدام لها، فالدقة والستر والتغييب ليس مفهوم كلمة( ضمر) وإنما حال حصول فعل (ضمر) يظهر في الواقع فعل الدقة والستر أو التغييب كفعل لازم حين استخدام كلمة(ضمر) بمعنى أنهم شاهدوا أن جسم المريض أو جسم الفرس يضمر بمعنى يختفي لحمه ويصير جسمه دقيقاً وصغيراً ويبدأ يغيب نحو الهزال والضعف قالوا إن كلمة ضمر تدل على الدقة والغيبة و الستر ، وهذا تفسير بمآل الشيء وليس مفهوم الكلمة لساناً، وكثيراً ما يستخدم أهل المراجع والمعاجم تلك الطريقة في تفسير أو تعريف دلالة الكلمات يفسرونها بمآلها الذي تظهر به نهاية.
إذاً ؛كلمة(ضمر) أصل واحد يدل على دفع شديد جداً بتجمع متصل منتهي بتكرار. وظهر ثقافياً باندفاع الشيء بشدة إلى الداخل وتجمعه على بعضه متصلاً متقلصاً مع تكرار تلك العملية ، وظهر ذلك بضمور جسم المريض أو الفرس أو عضل الإنسان وظهر عليه الهزال الشديد، وظهر بضمور المال إذا اندفع بشدة نحو الداخل فدل على التغيب والفقدان والستر أو اندفع نحو الخارج فدل على ضياعه وغيابه وعدم رجوعه.
وسمي المضمار وهو ميدان السباق للأحصنة أو السيارات لأن المتسابقين يندفعون بشدة وبقوة فيه ويجتمعون بشكل متصل ويكررون تلك العملية دائماً.
وسمي الضمير ضميراً وهو القوة الأخلاقية والمفاهيم التي يضمرها الإنسان في نفسه بقوة و بشكل واعي ويتصرف على موجبها .
6- رمض: تدل على تكرار جمع متصل منتهي بدفع شديد جداً.
معظم المراجع اللسانية قالوا: رمض تعني شدة الحر، ومن ذلك الرمضاء وهي الحجارة أو الأرض عندما يصدر منها حرارة الشمس. قال ابن فارس في المقاييس: رمض : الراء والميم والضاد أصل مطَّرِدٌ يدل على حدة في شيء من حر أو غيره. فالرمض حر الحجارة من شدة حر الشمس. نلاحظ أن ابن فارس أطلق مفهوم كلمة (رمض) ولم يخصصه بالحر وذلك بقوله: يدل على حدة في شيء من حر أو غيره، وهذا هو الصواب، فمفهوم الكلمة لسانياً يأتي مجرداً لايتعلق بحدث أو شيء فهذا من وظيفة المتكلم حينما يستخدم الكلمة في سياق معين نعرف قصده من تعلق خطابه بمحله من الواقع.
فكلمة (رمض) تدل على تكرار متجمع باتصال منته بدفع شديد جداً، وهذا يتحقق بالطقس عندما يصير بارداً جداً ، ويتحقق بالطقس عندما يصير حاراً جداً، وكلاهما يصح تسمية الطقس بالرمض ( الشدة والحدة المجتمعة).
كلمة رمضان من رمض دخل عليها صوت المد الألف، وصوت النون فصارت رمضان، وصوت المد الألف (آ) يدل على إثارة وامتداد زمكاني، وصون النون يدل على الستر والاختباء، ليصير دلالة كلمة رمضان هي تكرار التجمع المتصل بشدة وقوة وحدَّة ممتدة بإثارة زمانية ومكانية منته بستر واختباء، وهذا يدل على أن شهر رمضان فترة زمنية ممتدة تأتي بحالة الشدة والقوة والحدة سواء بالبرد أو الحر، وينته بستر .
ولذلك أتى النص: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185
من شهد منكم الشهر لاتعني الشهادة العلمية بدخول شهر رمضان، لأن هذا لايشترط لكل إنسان أن يشهده، فشهود بضع نفر كاف لإثبات دخول الشهر فلكياً، والخطاب كما هو ملاحظ في النص فردي لكل واحد منا والمقصد ليس الشهود على دخول الشهر ، وإنما المقصد أن نشهد نحن الشهر بمعنى أن نحضر ظاهرة حصول شهر رمضان فلكياً كشهر طبيعي ثلاثين يوماً وليلة متناسبين أو متقاربين لبعضهما ، ولايكون النهار أو الليل عدة أيام أو ثلثي اليوم ،لأن هذا ينفي حضورنا نحن لشهر رمضان الفلكي الطبيعي المؤلف من ثلاثين يوماً وليلة ، فمن لم يشهد شهر رمضان بهذا الشكل ينتقل فوراً للفداء عن كل يوم إطعام مسكين .