العرب والأعراب
قال تعالى: {قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنّا قُل لّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـَكِن قُولُوَاْ أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ}الحجرات(14). وقال: {الأعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}التوبة) 97 (. أتت كلمة الأعراب في النصين معرفة، والتعريف يفيد العموم، ولا يمكن في واقع الحال أن يكون جميع البدو كفاراً ومنافقين!إذا افترضنا صواب تفسير أن الأعراب هم البدو!. ما يؤكد أن كلمة الأعراب في النصين لا يقصد بها البدو عموماً، وأطلقت على البدوي لأنه يغلب على البدوي الغلظة في الحياة التي تؤثر على طباعه وسلوكه وتفكيره فتؤدي إلى انغلاقه وتبلد فهمه وابتعاده عن العلم والدراسة(1)، وهذا ضد مفهوم العربية، ومن المعروف أن البدو من أهل الكرم والوفاء غالباً، وهم أقرب إلى صفة العربية في حياتهم من حيث الصفاء والنقاء والأصالة والفطرة، وذلك يؤكد أن كلمة ( أعراب) لا يُقصد بها قوم أو جنس أو البدو أنفسهم، وإنما موجهة إلى من صار أعرابياً من قوم النبي خاصة، ومن الناس عامة، مع العلم أن ظاهرة البدو تتقلص إلى درجة يمكن أن تنقرض من الحياة.
لقد عرفنا دلالة كلمة ( عرب ) أنها تدل على قيام الشيء بذاته على ما هو عليه وفق سننه، وهذا يدل على الأصالة، والطهارة، والنقاء والصفاء، والفطرة، وبقاء الشيء على أصله دون تدخل الإنسان به صنعة، مثل السمن العربي، والصمغ العربي، والحصان العربي، والقعدة العربية، والقهوة العربية، والإنسان العربي، والقرآن العربي، واللسان العربي… الخ، ولا علاقة لذلك بالمكان أو القوم أبداً.
والتنزيل الحكيم نزل بلسان عربي، واحتوى حكماً عربياً،ويتحرك في الواقع بصورة عربية، فالعربية مدح، والأعراب ذم. فماذا تعني كلمة ( أعراب) ؟ كلمة (عَرَبَ) مضارعها ( يَعربُ ) والمصدر عرباً أو عروبة، والنسبة إليها عربي.أما كلمة ( أعراب) فهي من الماضي الرباعي المزيد ( أعرب) ومضارعها( يُعربُ) مضموم الياء، والمصدر إعراباً، والنسبة أعرابي.
عَرَبَ – يَعربُ – عَرباً أو عروبة، والنسبة عربي.
أَعرَبَ – يُعرِبُ – إعراباً، والنسبة أعرابي.
وكلمة ( أَعْرَبَ) مثل كلمة ( أضرب)، وما نفهمه من تحليل دلالة كلمة ( أضرب) ينطبق على كلمة ( أعرب) تماماً.
ضرب – يَضرب – ضرباً، عَرَبَ – يَعربُ – عرباً أو عروبة، والنسبة عربي، وجمعه عرب.
أضرَبَ – يُضرب – إضراباً، أَعربَ – يُعربُ – إعراباً، والنسبة أعرابي، وجمعها أعراب.
والإضراب معروف في الحياة الاجتماعية، وهو الامتناع عن فعل شيء للتأثير على الآخر، فنلاحظ أن فعل ضرب يدل على صدور فعل من الفاعل نحو شيء معين ليؤثر به، أما فعل أضرب فيدل على امتناع الإنسان عن الفعل، وتحويل فعل ضرب إلى مفهوم سلبي، انظر إلى فعل سجد، يسجد، سجوداً، ولاحظ الهمزة إذا دخلت عليه كيف تُحَوّله إلى مفهوم آخر: أَسَجدَ، يُسجد، إسجاداً، نفت حدوث فعل السجود عن الإنسان نفسه، ونقلته إلى الآخر بالإكراه ( إسجاد، إضراب ).ومن هذا الوجه يُطلق على هذه الهمزة، همزة الإزالة لأنها تزيل الفعل من الإنسان نفسه وتحوله إلى الآخر، أو إلى مفهوم سلبي، أو تغير اتجاه الفعل مثل :قسط وأقسط، بان وأبان، سعد وأسعد..الخ.
ونرجع إلى كلمة ( أعراب ) التي هي جمع كلمة ( أعرابي ) وأصلها الماضي الرباعي المزيد (أعرب) وليس ( عرب ).فماذا تعني كلمة ( أعرب ) ؟!
نقول : أضرب الرجل عن العمل، بمعنى امتنع عن ممارسة العمل بقصد التأثير على آخر ليغير موقفه أو رأيه.ونقول : أعرب الرجل في حياته، بمعنى امتنع عن صفة العروبة في حياته، أي اتخذ الموقف المضاد للعروبة؛ الذي هو الكفر والنفاق والإفساد في البيئة، والمجتمع، ومن هذا الوجه قال تعالى : {الأعْرَابُ أَشَدّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}التوبة)97).وذلك لوجود قابلية عند الأعراب للكفر والنفاق والإفساد، والإسلام الذي صدر منهم هو إسلام الضرورة الموجه لقوة المجتمع، وليس لله وأوامره لانتفاء الإيمان عنهم (الإنسان الفاعل الايجابي السلمي في حياته الاجتماعية) بسبب الغلظة في تفكيرهم ونفي العلم عنهم، وهؤلاء يشكلون خطراً في وجودهم بالمجتمع الإسلامي لإمكانية استغلالهم في ضرب المجتمع من داخله، وما أكثر الأعراب بيننا!. {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14 فكلمة ( أعراب)(1) هي صفة لطريقة منهج سلبي في الحياة يسلكه الناس، سواء أكانوا من البدو أم الحضر،(2)وكون التنزيل الحكيم نصاً إنسانياً كونياً عالمياً يؤكد على أن كلمة (أعراب) مستمرة في دلالتها لكل زمان ومكان، وبالتالي يمكن أن يصير الإنسان أعرابياً في حياته ولو وصل إلى المريخ!، ينتهج الكفر والنفاق والإفساد في البيئة والمجتمع في حياته الاجتماعية.ومن هذا الوجه يمكن أن يكون البدوي عربياً في حياته، وابن المدينة والتقنية أعرابياً في حياته.
إذاً؛ كلمة (عرب) صفة منهج للتعامل في الحياة مع الإنسان والكون والتنزيل الحكيم يقوم على الأصالة والنقاء والفطرة والانسجام مع المنظومة الكونية والاجتماعية.
وكلمة ( أعراب) صفة منهج للتعامل في الحياة نقيض مفهوم كلمة(عرب)، وهي تدل على الغلظة في التفكير والفهم، وفساد في السلوك والبيئة.
لذا؛ ينبغي تصويب مصطلح (الإعراب) في النحو، وعدم استخدامه، لأنه يفيد عكس ما يقصد النحاة منه، واستبداله بكلمة(عروبة) وفعل الأمر هو(عَرِّب) بمعنى أظهر طبيعة الكلمة في الواقع من حيث هي اسم أو فعل أو غير ذلك. أما قوله تعالى: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَيَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرّسُولِ أَلآ إِنّهَا قُرْبَةٌ لّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ}التوبة(99).فيقصد بها ـ حسب تقاطعها مع النصين السابقين ـ أبناءهم أو من ينتمي إلى مجتمعهم،أو بعض منهم، وعندما يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحاً تنتفي عنهم صفة الأعراب، ويصيرون عَرباً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان إذا قيل للأعرابي : يا عربي، فرح وهش. وإذا قيل للعربي: يا أعرابي، غضب. راجع لسان العرب، وتاج العروس، مادة عرب.
(1)وكلمة أعراب تنضم إلى قاموس كلمات الذم والقدح مثل كلمة:
اليهود: التي تعني انغلاق الإنسان على نفسه والعدوانية للآخرين ورفض التعايش معهم.
والنصرانية : التي تدل على نصرة الإنسان لنفسه على الآخرين دون علم أو برهان.،
والجاهلية:التي تدل على سلوك خالي من العلم والقيم.
(2) كان الأعرابي إذا قيل له: يا عربي، يفرح، وإذا قيل للعربي: يا أعرابي، يغضب.راجع لسان العرب، وتاج العروس، مادة عرب. وهذا يدل على أن دلالة كلمة (أعراب) واضحة في الثقافة العربية على أنها ذم وقدح، وتختلف في دلالتها عن كلمة (عرب) أو كلمة( بدو).
اضف تعليقا