اللسان العربي، واللسان الأعجمي
اللسان العربي، هو النظام الصوتي الذي أفصح الإنسان الأول (جنس) عن انطباعه البيئي من خلال انفعاله وتفاعله بصورة فطرية دون تكلف أو صنعة، فانسابت الأصوات من جهازه النطقي، استجابة لانفعالاته وتفاعله مع الأحداث بصورة فعل ورد فعل، وتصوير صوتي لظواهر الطبيعة، فالإنسان الأول هو عربي في نمط حياته ونطقه، وتعامل مع البيئة بصورة عربية، فنتج عن ذلك ظهور الأصوات ذات الدلالة المنسجمة مع البيئة – تماماً -؛ لتصير هذه الأصوات العربية هي البذور التي نمت، وانبثق منها بداية الألفاظ الثنائية الفطرية المتعلقة، من حيث الدلالة بأحداث الواقع، وبدأ تدشين وتأسيس ولادة اللسان (اللغة)، وصفة العربية للّسان أتت من نشأته بصورة فطرية منسجمة مع الطبيعة، لا علاقة لها بالقومية أبداً، فتلازم نشأة اللسان العربي مع نشأة الوعي عند الإنسان الأول؛ الذي هو عربي في نمط حياته وتفكيره، ونما اللسان العربي، وتطور في التجمع الإنساني على الأرض العربية (الأرض الأولى الصالحة للحياة )، وبسبب هجرة الإنسان، وابتعاده عن الأرض العربية، وعن أصحاب اللسان العربي، وتأثير البيئة، والغذاء الجديد عليه، بدأ يصيب لسانه (لغته) تحوير وتحريف من تقديم، وتأخير في نطقه للأحرف، أو غياب صوت الحرف كله، ومع عامل الزمن، والتأثير الثقافي، والصنعة في وضع الألفاظ، بصورة اعتباطية بدأ نشوء ألسنة مختلفة فقدت صفة العربية (الأصالة والفطرة )، وعلاقة اللفظ (الدال) بالمدلول عليه، وظهرت صفة الأعجمية بالألسنة. فعلامَ تدل كلمة (عجم ) ؟ ع : صوت يدل على عمق ج : صوت يدل على جهد، وشدة. م : صوت يدل على جمع متصل. وضوح المعالم المجهولة من عمق الأبعاد، وبذل الجهد جموداً واستقلالاً، لإملاء الفراغ الذاتي في صلته بهم جميعاً. وجمع دلالة أصوات كلمة ( عجم ) بهذا الترتيب تدل على عمق وجهد، منته بجمع متصل. لاحظ دلالة صوت حرف ( ج ) كيف دل على تدخل الإنسان بجهده، في التأثير على صفة الشيء وحركته، فأخرجه عن مساره ( عربيته ) وأصابه التحريف والتشويه؛ الذي ترتب عليه اختلافه مع عربية الوجود، مما أدى إلى اضطرابه وتناقضه، وظهور الفساد في اللسان (اللغة) حيث صار اللسان الأعجمي اعتباطياً في نموه، وفقد صفة الانسجام والعلاقة المنطقية بين ألفاظه (الدال ) مع المدلول عليه (الأشياء).
واستمر اللسان العربي في نموه، وتطوره بصورة عربية على الأرض العربية؛ منسجماً مع نمو وتطور وثبات النظام الكوني، ووصل إلى مرحلة الكمال؛ من حيث النظام البنيوي، وقام على ذات القواعد الكونية الثابت، والمتغير، والزوجية، والثنائية، والحركة، والهوية. فيستطيع الإنسان العربي أن يقوم بعملية توليد، واشتقاق، وإيجاد ألفاظ لا متناهية من بنية الأصوات ( الأحرف ) العربية، والألفاظ الثنائية، والثلاثية لكل أمر مستجد، مع محافظته على عربية اللفظ الجديد، وانسجامه مع المدلول عليه، منطقياً. وعندما أراد الخالق أن ينزل كتابه الأخير( التنزيل الحكيم) الموصوف بالإنسانية والعالمية، والكونية، والعربية، كان لابد له من لسان ( لغة ) يتصف بذات المواصفات؛ ليحمل محتوى التنزيل الحكيم، ولا يوجد لسان بين الناس يحمل هذه الصفة إلا اللسان العربي، فنزل نص التنزيل الحكيم به يخاطب كل الناس على مختلف ألسنتهم، وألوانهم دون محاباة، ولا تفريق بينهم، {قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}الأعراف (158 ). ونزل التنزيل الحكيم، وثبَّت لنصه صفة العربية؛ فقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ*عَلَىَ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مّبِينٍ} ( الشعراء193-195)، ونفى عنه صفة الأعجمية،بقوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ قُلْ هُوَ لِلّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيَ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مّكَانٍ بَعِيدٍ} (فصلت 44). -وكلمة أعجمي في النص تعود إلى القرآن، وكلمة عربي لا تعود إلى النبي محمد r كما قال معظم المفسرين، ولا تعود إلى القرآن لأن كلمة أعجمي هي التي تعود إليه، وكلمة القرآن أتت نكرة في النص لتدل على جزء من التنزيل الحكيم، مما أدى إلى الارتباك في ثقافة معظم المسلمين وتخبطهم،فقالوا بقولهم المعروف، والصواب أن كلمة عربي تعود إلى التنزيل الحكيم ذاته الذي يحتوي بين دفتيه رسالة الله( الأحكام التكليفية)، وكلام الله(القرآن)،فإذا صار القرآن أعجمياً، وبقيت رسالة الله بلسان عربي مبين، لصار في التنزيل الحكيم لسانين أعجمي وعربي وتداخلت آياته، وهذا يُعطي سبب للكافرين لأن يقولوا : {لَوْلاَ فُصّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ}. – والوجه الآخر الذي يحتمله النص هو أن ترجع كلمة أعجمي لألفاظ النص القرآني كمبنى، وكلمة أعجمي لمضمون النص كمعنى، وهذا يقتضي تداخل بين المبنى الأعجمي القاصر، والمعنى العربي للمضمون، وإذا حصل ذلك ضاق المبنى عن سعة المعنى العربي، ولقالوا: {لَوْلاَ فُصّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ}. – والوجه الثالث الذي يحتمله النص هو أن الكفار طلبوا من محمد أن يَنزل النص القرآني كمعنى ضمن المستوى المعرفي لهم، أي يصير محدوداً وقاصراً وفق زمانهم ومكانهم، وهذا إذا حصل يترتب عليه سعة المبنى وضيق المعنى، ويفقد المضمون عربيته وصلاحيته لكل زمان ومكان. وكل ذلك هو على سبيل النقاش والحوار، والواقع أن ذلك لا يمكن أن يحصل قط لأن من دلالة حرف (لو) امتناع الحصول. والإنسان الذي تم اصطفاءه؛ ليحمل التنزيل الحكيم – أيضاً-، هو عربي في تفكيره، وسلوكه، وفطرته، قال تعالى: {وَلَوْ نَزّلْنَاهُ عَلَىَ بَعْضِ الأعْجَمِينَ*فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} (الشعراء 198-199)، فنزل التنزيل الحكيم بلسان عربي مبين؛ على إنسان عربي؛ في أرض عربية، والسؤال الذي يفرض ذاته هو، هل نزل مضمون التنزيل الحكيم عربياً، أيضاً ؟ والجواب، هو من التنزيل الحكيم ذاته، قال تعالى : {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} ( الرعد 37)، فمضمون التنزيل الحكيم، وبنيته قائمة على صفة العربية، التي تدل على انسجام وتوالف، وارتباط، وتناسب أحكام التنزيل الحكيم مع فطرة الإنسان؛ غرائز، وحاجاتٍ نفسية؛ وعضوية، وحركة الإنسان في الكون العربي؛ ليتم توافق وانسجام بين الجميع، بصورة عربية ( أصالة، وفطرة، وتكامل، وانسجام )، واستنكر الخالق افتراء الذين يقولون : إن التنزيل الحكيم، كان النبي يتلقاه من إنسان ( غير محدد)، وليس من الخالق-تبارك وتعالى-،فقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ} (النحل 103)، يشير الخالق، وينبه إلى مسألة عظيمة جداً؛ هي أن التنزيل الحكيم نزل بلسان عربي، الذي تضمن الحكم العربي، وبتلك الصفة (العربية) صار كونياً، وفطرياً، وإنسانياً، تعالى عن الزمان والمكان، ويتحرك وفق السيرورة والصيرورة على نظام الثابت، والمتغير، واتصف النص بالحيوية؛ عندما جعل المُخاطَب يشارك في دلالته، حسب أدواته المعرفية؛ من خلال إسقاط النص على محله من الخطاب، وبهذه العملية صار للقرآن أفهام، وصور نسبية، تتراكم مع الزمن في رحلة الإنسان العلمية والمعرفية؛ أثناء حركته البحثية من خلال سيره في الأرض دراسة وتفكيراً؛ ليسير القرآن مع العلم والواقع بصورة متلازمة، حيث يقوم العلم بتصويب دراسة وأفهام الناس النسبية، ويرتقي بهم، ويقربهم إلى التنزيل الحكيم أكثر مما مضى،{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت 53). وظهرت صفة العربية للتنزيل الحكيم ( لساناً وحكماً ) بمطابقة اللفظ لمحله من الخطاب، بصورة فيزيائية؛ ومنطقية، متحركة حسب حركة الكون لا تختلف معه، أو تقصر في دلالتها، ومن هذا الوجه؛ أتى الاستنكار الإلهي لمقولة الكفار{لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ}(النحل 103)،أي لسان المصدر الذي ألحدوا إليه صياغة التنزيل الحكيم هو أعجمي (قاصر ومحدود)، والجواب يتضمن أيضاً الذين ألحدوا صياغة التنزيل الحكيم للنبي محمد نفسه، وهذه الشبهة موجودة إلى يوم الدين وجوابها واحد لا يتغير، {لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ} (النحل 103). أيها الناس ألا تفكرون وتفهمون ؟ كيف يستطيع إنسان،كائن من كان، أن يصيغ نصّاً يتصف بالعربية( لساناً وحُكماً ) والإنسان ذاته لسانه أعجمي، بمعنى أن صفة العجز والقصور والمحدودية هي لازمة له، فلا يمكن لهذا الأعجمي اللسان أن يصيغ نصاً، يتطابق فيه لفظه مع محله من الخطاب( فيزيائياً ومنطقياً ) بصورة حيوية مستمرة وَفق السيرورة، والصيرورة على نظام الثابت والمتغير، لأن صفة العجمة (التدخل صنعة بالشيء، و القصور العلمي) لازمة للإنسان جنساً، وليست محصورة بإنسان أو قوم معينين، فالإنسان أي كان مقامه( ولوكان نبياً ) الذي يعيش على الأرض العربية، ويستخدم اللسان العربي في تفكيره، وخطابه وتواصله مع الآخرين (الألفاظ والأحرف )، إنما يستخدمه بصورة قاصرة، تنتفي عنه صفة الاستخدام العربي المبين للسان العربي، بمعنى أنه يستخدمه بصورة أعجمية، لا يتحقق فيه صفة تطابق لفظه، وحكمه مع محله من الخطاب بصورة فيزيائية ومنطقية(عربي مبين)، وإنما بصورة نسبية( أعجمي)، يعتمد في ذلك على فهم المُخاطَب عليه؛ ليسد قصوره في عملية صياغة الألفاظ، والكلمات، وبناء على ذلك نقول : إن التنزيل الحكيم انفرد باستخدام اللسان العربي المبين، بصورة عربية، أما سواه فيستخدمون الألفاظ والأصوات العربية، بصورة أعجمية (قاصرة ومحدودة ) وغير مُبينة. وكل إنسان بالنسبة للتنزيل الحكيم ( كائن من كان) هو أعجمي في استخدام اللسان العربي المبين. ولعل أحدهم يقول:إن التنزيل الحكيم نزل بلسان عربي مبين، و قد قال الله : {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ } إبراهيم (4)، وإذا قاطعنا النصين مع بعضهما نصل إلى أن الرسالة الإلهية عربية اللسان، ونزلت على الرسول مما يؤكد أن لسانه عربي، وهو يتكلم بلسان قومه ما يؤكد أن لسان قومه هو العربي. والجواب على هذه الشبهة هو :أن النصين يتكلمان عن موضوعين مختلفين تماماً، الأول يتكلم عن التنزيل الحكيم (بلسان عربي مبين)، والآخر يذكر أن لسان الرسول ينبغي أن يكون مثل لسان قومه، وذلك حتى يفقهوا قوله ويتفاعلوا معه.فاللسان الذي نزلت به الرسالة وصفه الله صراحة بصفتين لازمتين، وهما: عربي ومبين، بينما لم يصف لسان الرسول بأنه عربي ومبين قط، ولو كان لسان الرسول كذلك لصار كلامه مثل التنزيل الحكيم تماماً، وأخذ صفته، وانسحب ذلك إلى قومه وصار لسانهم عربياً مبيناً. وبذلك الفرق بينهما تنتفي صفة البرهان والحجة والمصدرية عن استخدام الإنسان للألفاظ العربية، وأصواتها شعراً، ونثراً، وحديثاً، ويُحصر ذلك في التنزيل الحكيم فقط، فهو المصدر الحافظ للسان العربي المبين، ولا يحتوي في نصه على أي كلمة أو حرف أعجمي، كما يزعم بعض المفسرين المتأثرين بثقافة أهل الكتاب؛ أن هناك كلمات أعجمية في التنزيل الحكيم؛ مثل كلمة إسرائيل، وسندس، وإستبرق، وغير ذلك، فهذا الرأي أعجمي !، فجميع كلمات التنزيل الحكيم وأحرفه، هي عربية لساناً، كما أخبر الخالق صاحب النص{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} (النساء 87)،بقوله: { وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ} حتى الأحرف التي تأتي في فواتح السور، مثل ( أ، ل، م، ر ) هي أصوات عربية تحتاج للدراسة لمعرفة دلالة استخدامها بفواتح السور، وما علاقتها بها، والنص برهان على ذلك، ويفيد الحصر بعد أن نفى صفة الأعجمية عنه، ومن المعلوم أن الإثبات للشيء بعد النفي يفيد الحصر ضرورة، وأسلوب النفي يأتي بصور متعددة منها مجيء أدوات النفي وبعدها(إلا) فتصير أداة حصر، ويمكن أن يكون أسلوب الكلام يفيد النفي من خلال الاستنكار للشيء ومجيء بعده سياق يدل على التحديد والحصر، نحو النص ذاته{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ}(النحل 103)، ولا يصح القول بأن ذلك على الغالب، لأنه يوجد فرق بين كلام الله، وكلام الناس، فكلام الله حق وصدق، وكلام الناس قاصر ويقبل الخطأ أو الصواب، فما ينبغي أن نفهم كلام الله حسب تعاملنا مع كلام بعضنا البعض. ومن هذا الوجه ظهر الفرق بين قواعد اللسان العربي المبين، وقواعد لسان القوم، فهما يشتركان في استخدام الأصوات العربية(الأبجدية)، ويختلفان بطريقة الاستخدام لها، فاللسان العربي المبين هو صورة صوتية عن الأحداث أو المظاهر أو الوظائف، ولا يوجد فيه كلمتين مختلفتين باللفظ متفقتين بالمعنى(إذا اختلف المبنى اختلف المعنى)، ولا يوجد فيه مجاز لأن كلام الله يمثل الحقيقة والصدق في الواقع، لذا؛ كان اللسان العربي مبين ضرورة، بينما لسان القوم هو لغة تستخدم الأصوات العربية( الأبجدية) بصورة اعتباطية ترتب عليها ظهور كلمات مختلفة باللفظ أُعطي لها ذات المعنى التي اشتهرت خطأً باسم الترادف، وظهر المجاز فيها ضرورة ليغطي قصور المتكلم عن استعمال الكلمة حقيقة وصدقاً،ومن باب أولى أن ينتفي عن لغتهم صفة المبين!، وصار لكل منهما قواعد خاصة به ما ينبغي؛ بل لا يصح أن ندرس أحدهما بقواعد الآخر قط؛ لأن النتيجة كارثية لكل منهما، وإنما نحاول أن نتمثل اللسان العربي المبين بدراستنا دون تعاملنا الاجتماعي. لذا؛ ينبغي على هؤلاء أن يكفُّوا عن إساءتهم للتنزيل الحكيم العربي، وأن لا يصفونه بالأعجمية! ولايستخدمون قواعد اللغة في دراسة اللسان العربي المبين، ولا العكس أبداً. فصفة العربية للتنزيل الحكيم حُكماً، ولساناً، وحركة، تدل على أن صفته الأصالة والفطرة؛ حيث ينسجم مع المنظومة الكونية ويتناغم معها، ومن ثم نستطيع أن نصف كل حكم غير أصيل، أو مخالف للفطرة، ومفسد للبيئة الاجتماعية، والطبيعية، بأنه حكم غير عربي !. فكل إنسان ليس عربياً؛ فهو أعجمي قطعاً، ولا علاقة لذلك بالقوميات، فيمكن أن يكون الإنسان عربياً؛ بمعنى أن مفاهيمه، وسلوكه منضبطة بالفطرة والعلم؛وهو منسجم مع سنن الكون؛فيصير إنساناً صالحاً على صعيد المجتمع والبيئة، ولوكان يستخدم في نطقه غير أصوات اللسان العربي. فالعربية هي صفة، ومنهج تعامل مع الواقع، الطبيعة والفطرة ومن هذا الوجه نزل التنزيل الحكيم عربي الحكم واللسان، واتصف بالصفة الإنسانية. ومن هذا الوجه العربي للوجود؛ أخذ اللسان العربي صفته بأنه لسان أصيل فطري، وهو أُم الألسنة ومركزها، وأخذ صفة العلمية بنشأة أصوات أحرفه بصورة فيزيائية، وتم استخدام هذه العناصر مع بعضها، حسب دلالتها في الواقع، فكانت الكلمة العربية هي صورة صوتية لحال، أو حركة، أو وظيفة الشيء، الذي هو محل الخطاب؛ ليصير الواقع هو القاموس المُجَسِّد لدلالات كلمات اللسان العربي. ونزل التنزيل الحكيم بلسان عربي، وحكم عربي، ونظام عربي، فربط بين الكلمة ومحلها من الواقع، وضبط مفاهيم، وسلوك الإنسان، والمجتمع مع حركة، ونظام الكون؛ لينتج عن هذه التوليفة، الانسجام والتكامل، والتناغم بينهم بصورة منظومة كلية واحدة، تحكم الجميع بصورة عربية.
اضف تعليقا